back to top
المزيد

    محمد بن سلمان يستعرض سلطته في الداخل والخارج

    سينزيا بيانكو، زميلة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

    يمكن أن تمثل التحركات القوية الأخيرة التي قامت بها القيادة السعودية بداية لصعود ولي العهد إلى العرش. فقد هزت السعودية مجموعة من عمليات الاعتقال شبه المتزامنة لأعضاء كبار في العائلة المالكة التي تزامنت مع انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، وهذه ليست مصادفة، إذ يمكن الجزم أن كلا الحدثين دليل على أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ما يزال حريصاً على تأكيد قيادته للمملكة خارجياً وتعزيز سلطته داخلياً.

    دعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى عقد اجتماع طارئ الأسبوع الماضي مع منتجي النفط من خارج أوبك لمناقشة تأثير فيروس كورونا على سوق النفط العالمية، وخلال الاجتماع سعت المملكة العربية السعودية بقوة إلى تجديد الاتفاق على خفض حصص الإنتاج؛ مما سيرفع أسعار النفط. وتخشى روسيا -كدولة تأثرت قليلاً بانهيار الطلبات الصينية على النفط- أن تؤثر تخفيضات الإنتاج على مواردها المالية؛ لذلك رفضت تجديد الاتفاق، وأنهت التعاون الاستراتيجي الذي استمر لسنوات طويلة في سوق النفط بينها وبين المملكة العربية السعودية، وسارعت المملكة العربية السعودية إلى الرد، وخفضت أسعار صادراتها من جانب واحد بنحو 10% [1].

    وتتمثل الاستراتيجية في الرياض في الاستفادة من قدرتها الفريدة كمنتج متأرجح -منتج قادر على التأثير بنحو مستقل على الأسعار على مستوى العالم-؛ لدفع هذه الأسعار إلى الانخفاض، والمراهنة على عدم قدرة روسيا على الحفاظ على إنتاجها عند هذا المستوى. وتعتقد الرياض أن يؤدي ذلك إلى اتفاق جديد، هذه المرة تحت قيادة سعودية بلا منازع. وتتمثل خطتها في دمج موسكو في صفقة أوبك+ الجديدة، التي تبرز جميع السمات المميزة لنهج محمد بن سلمان في السياسة.

    قد تكون هذه الاستراتيجية فعالة، لكن التأثير المباشر على سوق الطاقة العالمية كان كارثياً، إذ انهار سعر خام برنت القياسي العالمي للنفط إلى 28 دولاراً. وكانت لهذه الخطوة تداعيات واسعة النطاق، إذ انخفضت أسواق الأسهم حول العالم. وفي المملكة العربية السعودية، أدت إلى انخفاض سوق الرياض للأوراق المالية بنسبة 8% [2]، وانخفاض كبير [3] في سعر سهم أرامكو السعودية.

    قد يثير التخبط الاقتصادي مشكلات لمحمد بن سلمان، الذي قاد حملة لإقناع المواطنين وأصحاب الأعمال التجارية بشراء أسهم في أرامكو. ودعا بن سلمان منذ مدة طويلة إلى مزيد من الخصخصة وإلى تمويل الاقتصاد السعودي. ومع زيادة احتمالية حدوث ركود، أصبح الاقتصاد السعودي أكثر عرضة للصدمات. وفضلاً عن ذلك، يمكن أن يترجم الانخفاض في أسعار النفط إلى ضغوط كبيرة على المشاريع الاستثمارية المطروحة في رؤية محمد بن سلمان لعام 2030 وبرامج الدعم التي تقدمها السعودية لمواطنيها. وقد تأتي القرارات المتسرعة في الخارج بنتائج عكسية على الأمير في الداخل.

    وبفعل هذا، زادت حساسية البلاط الملكي تجاه النقد والخلافات مع استراتيجيات محمد بن سلمان. وأدى صعود ولي العهد إلى تقسيم العائلة المالكة السعودية [4]، ولاسيما “الحرس القديم” الذي يشمل كبار أفراد الأسرة الذين يشككون في المسار الحالي، وهو أمر مدمر للمملكة، كما هو الحال في التنصل عن التقاليد القديمة في جميع المجالات. وتشمل إصلاحات التحرر الاجتماعي: التحديث السريع والراديكالي لأنموذج سياسي اقتصادي يضمن المصالح الراسخة وشبكات المحسوبية، وتكتيكات أسعار النفط، وسياسة خارجية حازمة بنحو استثنائي أدت -من بين أمور أخرى- إلى حرب اليمن، واستراتيجيات الاستثمار الخطرة، والتلاعب بأرامكو، والعديد من المخاوف الأخرى.

     سيمتلك محمد بن نايف وأحمد بن عبد العزيز علاقات دولية جيدة. على سبيل المثال: كان ولي العهد السابق محمد بن نايف الخيار المفضل للخلافة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ونظرائها حول العالم. ففضلاً عن انتقاد كل فرد ينتمي إلى الحرس القديم للسياسات الحالية، إلا أن محمد بن نايف تنازل بالإكراه في عام 2017 وحل محله محمد بن سلمان وريثاً. ولطالما انتقد محمد بن نايف وبقوة كلاً من حرب اليمن، ونهج السعودية المتشدد بشكل متزايد تجاه تركيا وقطر؛ مما وضعه تحت المراقبة، وجُمدت أصوله[5]، وحُددت حركته[6].

    أما الأمير أحمد بن عبد العزيز -الأخ الأصغر للملك سلمان وآخر أبناء الملك عبد العزيز- فقد اختلف لبعض الوقت مع ابن أخيه محمد بن سلمان. ففي عام 2018، تواجه [7] مع مجموعة تحتج على “جرائم آل سعود” في اليمن خارج مقر إقامته في لندن، مشيراً إلى أن المسؤولين عن هذه الجرائم هم الملك سلمان ومحمد بن سلمان وليس الأسرة بأكملها. وفي رسائل أُرسلت إلى الغارديان [8] في عام 2015، تم تحديد أحمد بن عبد العزيز باعتباره الوريث الشرعي الوحيد من قبل العائلة المالكة التي رفضت قيادة محمد بن سلمان، ويُزعم أن الأمير كان واحداً من ثلاثة أفراد من العائلة المالكة فقط الذين صوتوا بالرفض في هيئة البيعة [9] ضد صعود محمد بن سلمان إلى منصبه الحالي بعد الإطاحة بمحمد بن نايف في عام 2017.

    وفي حين لم تكن هناك مؤشرات على تخطيط هؤلاء المعتقلين لانقلاب ضد محمد بن سلمان، إلا أن تهمة الخيانة العظمى وجهت لهم رسمياً. وفضلاً عن ذلك، يُعتقد أنه تم اعتقال العديد من الأمراء الآخرين أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية، وتقول الشائعات الآن إن السلطات ستبدأ قريباً في التأكد من الولاءات داخل وزارة الداخلية، التي قادها كل من أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف. ومع إطلاق سراح بعض المعتقلين بسرعة، يبدو أن العملية كانت وسيلة لمحمد بن سلمان لإعادة تأكيد سلطته على أفراد العائلة المالكة الذين ينتقدونه، ولتمهيد الطريق له لخلافة والده في المستقبل القريب.

    في الواقع، سواء أكان هناك خطة للانقلاب أم لا، يبدو بنحو متزايد أن محمد بن سلمان في عجلة من أمره لتولي العرش. إن تأمين حكمه بينما ما يزال الملك سلمان -حليفه الأقوى- على قيد الحياة سيقلل من التحديات بلا شك في هيئة البيعة، وبقية مفاصل الدولة. وسيتقاعد الملك سلمان ويبقى خادم الحرمين الشريفين، وسيتولى ابنه، الذي كان يده اليمنى منذ عام 2009، الدور الذي لطالما أراده والده له. إن وجود رئيس ودي بشكل خاص في البيت الأبيض مثل دونالد ترامب سيكون عاملاً حاسماً آخر، ولاسيما مع انتقاد جميع المتنافسين الديمقراطيين الرئيسين على الترشيح للرئاسة الأمريكية التحالف الأمريكي السعودي، إذ دعا بيرني ساندرز علناً القادة السعوديون “بالسفاحين القتلة” [10].

    وتحدث الأفراد المقربون من دوائر محمد بن سلمان منذ مدة طويلة عن قيادة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين في شهر تشرين الثاني على أنها اللحظة المناسبة لانتقال السلطة من الملك سلمان لابنه الذي ستتاح له الفرصة للتفاعل بنحو وثيق مع قادة العالم الآخرين، وإقامة علاقات شخصية معهم، وإقناعهم بعزمه على تجاوز القضايا التي تؤثر على سمعة بلاده، ولاسيما قتل جمال خاشقجي والحرب في اليمن.

    ومع ذلك، يبدو أن القيادة السعودية تجاهلت أن خطوات الانخراط في حرب أسعار النفط مع انتشار وباء صحي، أو القيام بقمع استباقي داخل العائلة المالكة ومؤسسات الدولة ستثير قلق قادة العالم ولاسيما مع الليبراليين منهم، ويُزعم أن ترامب عالج الانعكاس السلبي لحرب أسعار النفط على الاقتصاد العالمي في مكالمة هاتفية مع الرياض[11]. وفضلاً عن ذلك، اشتكى المسؤولون في أكثر من عاصمة أوروبية بنحو خاص من حماقة هذه الخطوة ولاسيما مع انتشار وباء كورونا.

    وفي حين أن تأثير النفوذ الأوروبي[12] على التطورات في السياسة الداخلية للمملكة العربية السعودية أو سياساتها النفطية محدود جداً، إلا أن هناك وقتاً للقادة الأوروبيين للتحضير لقمة مجموعة العشرين في شهر تشرين الثاني. وباعتبارهم الأكثر تمثيلاً في القمة، على الأوروبيين أن يدركوا توقعات محمد بن سلمان للاجتماع. إذا نسقوا أفعالهم هناك ونقلوا رسالة موحدة وقوية الصياغة إلى الرياض[13]، سيتمكن القادة الأوروبيون من الدفاع عن قيمهم ومصالحهم. ويجب أن تكون رسالتهم أن السياسة غير المدروسة لا يمكن أن تجعل المملكة العربية السعودية زعيمة أو شريكاً يمكن الاعتماد عليه في المنطقة، وأن النظر إلى ما وراء الإجراءات السابقة التي لطخت سمعة القيادة لن يكون ممكناً إلا إذا أظهرت القيادة بنحو ملموس كيف تنوي تغيير المسار الحالي. إذا لم يكن هناك أي شيء آخر، فإن الأحداث الصاخبة التي وقعت الأسبوع الماضي تُظهر أن قيادة المملكة العربية السعودية تبدو أكثر حزماً على الصعيدين المحلي والدولي، وأن التغيير القادم في الحكم هو فرصة للتأثير يجب ألا يفوتها الأوروبيون.


    المصدر:

    https://www.ecfr.eu/article/commentary_saudi_arabia_reshuffles_palace_and_oil_markets

    [1] https://www.nytimes.com/2020/03/08/business/saudi-arabia-oil-prices.html

    [2]https://gulfnews.com/business/energy/saudi-aramco-shares-fall-10-halting-trading-1.70256442

    [3]https://gulfnews.com/business/energy/saudi-aramco-shares-fall-10-halting-trading-1.70256442

    [4]https://www.ispionline.it/it/pubblicazione/saudi-arabia-crossroads-21625

    [5]https://www.nytimes.com/2017/06/28/world/middleeast/deposed-saudi-prince-mohammed-bin-nayef.html

    [6]-https://www.nytimes.com/2017/06/28/world/middleeast/deposed-saudi-prince-mohammed-bin-nayef.html

    [7]https://www.bloomberg.com/news/articles/2018-09-05/saudi-prince-addresses-questions-of-loyalty-after-london-video

    [8]https://www.theguardian.com/world/2015/sep/28/saudi-royal-calls-regime-change-letters-leadership-king-salman

    [9]https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/saudi-arabia-crown-prince-mohammed-bin-nayef-coup-painkillers-addiction-forced-out-cousin-mohammed-a7850406.html

    [10]https://www.middleeasteye.net/news/bernie-sanders-calls-saudi-arabias-rulers-murderous-thugs

    [11]https://www.nytimes.com/reuters/2020/03/10/business/10reuters-global-oil-trump.html

    [12]https://www.ecfr.eu/publications

    [13]https://www.ecfr.eu/publications/summary/a_gulf_apart_how_europe_can_gain_influence_with_gulf_cooperation_council