روح الله سوري، ماجستير في العلاقات الدولية.
نشر سفير إيران لدى الكويت مقالاً في جريدة “الجريدة” الكويتية حمل عنوان: “مبادرة هرمز للسلام من أجل مستقل واعد في المنطقة”، تمثلت أهم مبادئ هذه المبادرة في إرساء سلام دائم، والتنمية والرفاهية لشعوب المنطقة، وإرساء الأمن بمشاركة جميع البلدان في الخليج.
وكتب “كيهان برزكر” في مقالٍ حمل عنوان “تقييم مبادرة هرمز للسلام” قال فيه إن أهم ما يميز مبادرة الأمل هو محوريتها وكونها داخلية المنشأ. ويرى هذا الخبير أنه بخلاف المبادرات التقليدية التي تستند إلى توازن القوى عبر طريق تحالف الدول فإن أهم ركائز مبادرة هرمز للسلام تتمثل في الالتزامات المشتركة إزاء قضايا خاصّة بعدم استخدام القوة، احترام السيادة الوطنية ووحدة أراضي الدول، والحد من التسلح، وجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
والميزة الثانية بحسب ما يراه الكاتب تتمثل في “نمو الأمن الداخلي” الذي سيكون متاحاً عبر طريق تعزيز أمن الدول الداخلي وتحسينه، وفي نهاية المطاف توصلت هذه الدول إلى إرساء منظومة أمن جماعي. وفي المحصلة فإن مواجهة النزاعات الطائفية وإخماد نار الحروب الحالية، وتعزيز التعاون الاقتصادي، وإرساء الأمن بمشاركة جميع دول الخليج العربي بمعزل عن تدخل القوات الأجنبية، تعدُّ من جملة الأهداف الأخرى التي تطرح بين الحين والآخر من قبل الخبراء والمسؤولين السياسيين في مبادرة هرمز للسلام.
ويبدو أنه فضلاً عن النظرات الوصفية إلى مبادرة هرمز للسلام يتعيّن علينا أن ننظر أيضاً إلى العراقيل والمشكلات التي تعترض مسار المبادرة المذكورة، ومدى فعاليتها وجدوى تطبيقها؛ لهذا السبب نحاول في المقال الحالي بالاعتماد على منهج مختلف التطرّق إلى دراسة بعض مصاعب ومشكلات تطبيق هذه المبادرة عملياً.
العراقيل التي سيتم التركيز عليها في هذا المقال عبارة عن:
- عمومية المبادرة واتساع نطاق أهدافها المنشودة.
- ضعف التقارب بين دول المنطقة.
- نظرة المتفاوتة للدول المعنية بمبادرة هرمز للسلام إلى الوجود الأمريكي في المنطقة.
- قضية الصراع المستمر في فلسطين-إسرائيل التي تمتد دائرة تأثيراتها إلى أبعد من فلسطين لتشمل المنطقة بأسرها.
- المشكلات التي تعترض مسار المأسسة.
القضية الأولى التي يتعيّن أن تحظى بالاهتمام تتمثل في اتساع نطاق شعاع الآمال والأهداف المنشودة لهذه المبادرة. وينبغي التنبه إلى أن استعار نار الحرب في المنطقة وتوقف النمو والتنمية الاقتصادية، وانعدام الأمن تعد مشكلات تواجهها منطقة الشرق الأوسط والخليج منذ مدة طويلة، وهذا الترقّب المتمثل بمبادرة تتغلب على المصاعب كافة سيحدث خارج الوقائع السياسية والاجتماعية في المنطقة.
إن عدم ارتسام معالم الحل النهائي بوضوح الذي من المزمع أن تُحقق الدول المعنية بمبادرة هرمز للسلام من طريقه أهدافها المنشودة، يعدّ أمراً آخر يضاف إلى جملة القضايا الملتبسة التي تثير تساؤلات بشأن مبادرة هرمز للسلام. على سبيل المثال: في هذا السياق بالإمكان الإشارة إلى التأكيد المتزامن على عقد معاهدة عدم الاعتداء بين الدول وإرساء الأمن عبر طريق منظومة أمن جماعي، بيد أنه في نهاية المطاف ليس واضحاً فيما إذا كانت دول الخليج العربي ستكتفي فقط بإبرام معاهدة عدم الاعتداء أو أن تشارك في منظومة أمن جماعي مع بعضها. فمنظومة الخليج العربي بما تمتلكه من ميزات فريدة من نوعها ميزَّت هذه المنطقة عن مناطق النظام الدولي كافة. وسبب هذا التميز ليس مرده إلى وجود منابع نفط وغاز كبيرة ودورها في تلبية احتياجات الطاقة لمعظم الدول المتطورة فحسب، بل يرتبط بانعدام الاستقرار، والنزاع والعنف، ونمو المجموعات المتطرفة، وكذلك وجود حكومات غير فاعلة. وإن إيجاد حلول للمشكلات التي تطرحها مبادرة هرمز كأهداف لها يقتضي تبلور نوع من التقارب بين دول المنطقة، في وقتٍ لا نشهد فيه وجود هكذا تقارب بين دول الخليج العربي ولا حتى على مستوى أوسع بين دول الشرق الأوسط، ويبدو أن تبلور مثل هذا التقارب في المستقبل المنظور يعدّ قضيةً لا يمكن تصور أفق واضح له.
للوقوف على الأسباب الرئيسة الخاصّة بافتقاد هذا التقارب بين هذه الدول ينبغي البحث في بنية هذه الدول وأنظمتها الاقتصادية.
يعدّ التشابه البنيوي بين هذه الدول في المجال الاقتصادي من ناحية تواجد الدول النفطية واعتماد اقتصادها على العوائد المالية الناتجة من بيع المنابع النفطية من جملة المؤشرات التي تصعب قضية قيام تقارب بين هذه الدول وتعقدها.
لكن اقتصاد المنتج الواحد الذي يؤدي دوراً بالغ الأهمية في عدم نمو دول الخليج العربي يمنعنا من الحديث عن حالة من الترابط الاقتصادي المتبادل بين تلك الدول. فافتقاد التشبيك الاقتصادي، وعدم وجود ترابط كافٍ بين اقتصادات المنطقة حوَّل تلك الدول إلى جزر معزولة عن بعضها على نحو جعل دول المنطقة عوض أن تتأثر بحدوث تغيير في المناخ الاقتصادي لبعضها، أضحت عرضة لتقبل التأثر جراء التحولات الطارئة في البيئات الأمنية لبعضها.
في حقيقة الأمر إن أوضاع الأنظمة الاقتصادية لدول المنطقة لا تحمل مؤشرات ستجعلنا نشاهد ديناميات نظم اقتصادية مفتوحة ونامية. وبعبارة أكثر وضوحاً: تقوم اقتصادات دول المنطقة على أن تشتري كل واحدة من هذه الدول احتياجاتها التقنية وسلع الاستهلاك المحلي عبر الإيرادات المالية المتحصلة من تصدير المواد الخام (النفط والغاز) من قبل مشتري نفطها (الدول الأوروبية، وأمريكا، ودول شرق آسيا)؛ وانطلاقاً من ذلك فإن هذا الأمر يقود لعدم تبلور أي ترابط اقتصادي بين الدول المذكورة؛ وبناءً عليه فإن توقع تبلور تقارب بين الدول غير النامية التي تحظى القضايا الأمنية فيها بأولوية أكبر من القضايا الاقتصادية بما يتعلق بالعلاقات فيما بينها سيكون توقعاً لا يتطابق والوقائع الموجودة.
في مثل هذا الأجواء فعوض تبلور تقارب بين الدول المعنية بمبادرة هرمز للسلام، فإنه في الحالات الأوفر حظاً يمكن عقد الآمال على إبرام معاهدة عدم الاعتداء التي بدورها لن تكون قادرة على المدى البعيد على تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
والموضوع الآخر المهم يرتبط بتباين نظرة دول الخليج العربي الثماني لدور د الولايات المتحدة الأمريكية ووجودها في المنطقة؛ وبناءً عليه يمكن تصنيف مجموعتين من الدول: الأولى: الدول المدافعة عن الوضع الراهن (ست دول عضو في مجلس التعاون الخليجي)، والثانية: دولة تعارض الوضع الراهن يعني إيران.
يمكن بحث الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي من زاويتين اثنتين؛ الأولى من وجهة نظر دول المنطقة والزاوية الأخرى من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية.
ترى دول الخليج العربي أن وجود الولايات المتحدة الأمريكية العسكري يعدُّ من ناحيتين عاملاً رادعاً ضد تهديدات الأمن القومي من قبل بعض الدول (بنحو رئيس إيران)، ويحظى بأهمية كونه عاملاً في المنافسة بين الدول المضيفة.
في المشهد الآخر ينبغي القول إن الخليج العربي ولعدة دلائل من قبيل النفط، الحرب والتطرف يحظى بمكانة مهمة في استراتيجية السياسة الخارجية والدفاعية للدول العظمى. وإن للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة باعتبارها قوة متعددة الأبعاد في النظام الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، مصالح واعتبارات أمنية متعددة.
وجود قوة تعارض النظام الموجود -يعني الجمهورية الإسلامية الإيرانية- يتعيّن أخذه بالحسبان كونها تشكل عاملاً مشتركاً في إطار خلق تشابك بين مصالح الدول العربية في الخليج العربي، والولايات المتحدة الأمريكية، لهذا السبب فإن قضية وجود الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج العربي قضية إشكالية بوسعها خلق مشكلة أمام مبادرة هرمز للسلام، ومنظومة الأمن الجماعي التي تطرحها إيران. إذ يمكن حلّ هذه المشكلة من طريقين: فإما أن يطرأ تغيير جذري في استراتيجية الدول الست الأعضاء في منظمة مجلس التعاون الخليجي إزاء الوجود الأمريكي، إذ تؤكد مبادرة هرمز للسلام على تحركها باتجاه تبلور منظومة أمنية داخلية المنشأ أو ينبغي أن يطرأ تغيير على نظرة إيران تجاه هذا الأمر.
ما يمكن الإشارة إليه بما يتعلق بالعلاقة مع دول الخليج العربي يتمحور عن أن إحداث مثل هذا التغيير -من جانبها على الأقل في المدى القريب- أمرٌ لا يمكن تصور أفق واضح له؛ إذ تحظى علاقة هذه الدول السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة من حيث وجهة نظر الأنظمة السياسية في الدول العربية بدعائم جيوسياسية وسياسية واسترتيجية، ولاسيما أنه بعد تسلم دونالد ترامب زمام السلطة، فإن سياساته ومواقفه تجاه القضايا الدولية والإقليمية عززت هذا الشعور لدى الدول العربية بأن الولايات المتحدة الأمريكية بمرور الوقت تتحوّل إلى لاعبٍ غير جدير بالثقة، لكن بكل الأحوال في ظل هذه الظروف لا يبدو أننا سنشهد في المدى القريب تغييراً رئيساً في نهج الدول العربية في الخليج العربي تجاه أمريكا.
ومن جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية فإن انعدام الثقة بين الدولتين أيضاً -ولاسيما بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي- عقَّد الظروف وأوجد أفقاً مظلماً أمام تحسن العلاقات بين الدولتين. فضلاً عن أن حدوث أي اتفاق محتمل بين إيران وأمريكا، وسيكون استدلال الدول العربية الخاص واستنتاجاتها إزاء هذا الأمر سيكون قادراً على التأثير على علاقة إيران مع الدول العربية، ولقد لمسنا هذا الأمر جيداً في قضية الاتفاق النووي.
وبالتالي فإن تباين نهج إيران والدول العربية في الخليج إزاء دور القوى الدولية ومكانتها يُعدُّ أحد العراقيل المهمة التي تعترض طريق تطبيق مبادرة هرمز للسلام، ويتعيّن إيلاءه اهتماماً أكبر.
وباعتبار أن الأمن ذاتي المنشأ في مبادرة هرمز للسلام فإذا كان هذا الأمر يعني إحداث تغيير جذري في استراتجية الدول العربية في الخليج العربي تجاه القوى الدولية، فمن الممكن أن يكون أمراً جيداً من وجهة نظر مبتكري مبادرة هرمز للسلام، لكن في الأصل وبالنظر إلى ما قيل أنفاً، فلا يمكن للمرء أن يأمل كثيراً في تطبيق المبادرة.
الموضوع الآخر الذي يجدر تسليط الضوء عليه يرتبط بقضية إسرائيل، فعلى الرغم من أن نطاق تركيز مبادرة الأمل شمل دول الخليج العربي التي تتضمن إيران والعراق والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لكن لسببين لا يمكن التطرق إلى مبادرة هرمز للسلام دون أخذ قضية إسرائيل بالحسبان: السبب الأول يتربط بمسألة تأكيد مبادرة هرمز للسلام على جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، والسبب الثاني يتعلق بالارتباط الأمني بين الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
وبسبب استحواذ الخليج العربي على المساحة الأكبر من منطقة الشرق الأوسط، فقد جعلت الظروف المناخات الأمنية والجيوسياسية والجيوستراتيجية لهاتين المنطقتين تخضع بشدة للتأثير المتبادل فيما بينهما، بحيث يمكن الحديث عن الارتباط الوثيق بين أسباب الاستقرار في الخليج ونتائجه بالنسبة إلى الاستقرار في الشرق الأوسط. بعبارة أكثر وضوحاً: تعدُّ قضية الاستقرار في الخليج العربي بالنسبة إلى محيط أكبر يتموضع فيه متغيراً مستقلاً، ومتغيراً تابعاً أيضاً.
إن قضية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من جملة القضايا التي أرخت بظلالها منذ عقود متوالية على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط؛ ولهذا السبب يبدو أنه عندما يتم طرح قضية الاستقرار والتقارب والأمن الجماعي في الخليج العربي فلا يمكن إغفال تأثير قضية إسرائيل على هذا الأمر. ولاسيما أن موضوع سيحظى باهتمام بالغ أيضاً، فمبادرة هرمز للسلام تؤكد من جهة على جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ومن جهة أخرى شهدنا في الظروف التي أعقبت الاتفاق النووي ظهور بعض المؤشرات على تقارب بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
إن اعتبار قضية إسرائيل عقبةً في مسار مبادرة هرمز من وجهة نظر الكاتب يعود إلى التباين القائم بين وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول العربية الأخرى تجاه وجود إسرائيل والعلاقة معها. في حين يبدو أن هناك مؤشرات تدل على استعداد الحكومات العربية لقبول إسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
إن خطو أي خطوة تجاه تطبيق تطبيع العلاقات سيرشح عنها تأثيرات من الممكن أن ترخي بظلالها على المحيط الأمني والجيوسياسي لإيران، وستعرض إبرام أي اتفاق سلام محتمل أو معاهدة عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج العربي الأخرى للخطر.
وفي نهاية المطاف ينبغي الإشارة إلى أن المأسسة بهدف تسهيل مشاركة دول المنطقة وتعاونها يعدّ من ضروريات مبادرة هرمز للسلام، وإن منظمة مجلس تعاون الخليج العربي هي المنظمة الدولية الوحيدة الموجودة في المنطقة؛ لذا سيكون هناك مصيران ينتظران هذه المنظمة في حال تطبيق مبادرة هرمز للسلام فإما أن تنضم إيران والعراق إلى بقية الدول الأعضاء في منظمة مجلس تعاون الخليج العربي أو يتم تأسيس منظمة جديدة بمشاركة دول الخليج الثماني.
لن تكون عضوية الدول الجديدة في مجلس تعاون الخليج العربي وبسبب إحداث تغيير في توازن القوى مطلب الأعضاء الحاليين في مجلس تعاون الخليج العربي ولاسيما السعودية؛ لأنه في الوقت الراهن وبسبب وجود بعض المشكلات داخل المجلس مع قطر، تثار عدة تساؤلات بشأن فعالية هذه المنظمة.
تبلور منظمة جديدة أيضاً يعني خروج مجلس تعاون الخليج العربي من حيز الاستثمار ودخول ست دول عضو فيه في منظمة جديدة، إذ هناك احتمال كبير كي تضطلع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدور أكثر فاعليةً فيها، وهذا الأمر في حد ذاته سيشكل عائقاً مهماً في طريق تعاون الدول في إطار مبادرة هرمز للسلام.
المصدر:
موقع الدبلوماسية الإيرانية http://irdiplomacy.ir/fa