«إنه لمن دواعي سروري أن أتحدث إليكم هذا المساء، عبر إذاعتنا العُمانية، وقصدنا أن نتأكد من أنكم تعرفون عن كثب خطط الحكومة للمستقبل والخطوات التي تتخذها لتحقيق الاطمئنان والتقدم لشعبنا والازدهار والأمن لبلدنا، وعلى هذا الأساس يمكنكم أن تثقوا بأن حديثنا الليلة يحدده اتجاه المستقبل وستتبعه أحاديث مماثلة…».
بهذه الكلمات ابتدأ مؤسس عُمان الحديثة السلطان الراحل قابوس بن سعيد خطابه بعد شهر من تسلمه الحكم في السلطنة عام 1970، رحل السلطان قابوس بن سعيد عن عمر ناهز الـ80 عاماً، ويُعَدُّ صاحب أطول مدة حكم من بين الحكام العرب، والثالث في العالم حتى وفاته.
بدأ السلطان مسيرته بعد أن استطاع السيطرة على ثورة ظفار، والعمل على تهيئة المناخ المناسب لإنهائها «من طريق برنامج إصلاحي للبلاد على جميع الصعد، مبيناً للناس أن الثورة حقّ مشروع والسبيل الوحيد للتعبير عن حب الوطن، فلم يكن يحمل أي حقداً على الثوار، فدعا إلى ضرورة التحلي بالوعي لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد»، وعمل على مواجهة أسباب الثورة ومعالجتها، وتعمير ظفار، والنظر في مطالب الناس المشروعة.
«لقد كانت النقلة في مسار العملية السياسية العُمانية من مواقع العمل المتأرجح بين التفرُّد إلى حقيقة المشاركة الواسعة من قبل قطاعات عامة وواسعة في الدولة من أهم الإنجازات التي حققها السلطان قابوس للسلطنة التي كانت تُعد من الدول المتأخرة في انتهاج الأسلوب الديمقراطي الحديث»، وكذلك على صعيد مؤسسات إدارة الدولة فتأثرت السياسة الخارجية للسلطنة بشخصية السلطان كما يراها أصحاب المدرسة السلوكية، فهم يقولون «إن السياسة الخارجية ما هي إلا امتداد للسياسة الداخلية؛ وهذا يعني أن مستوى صانع القرار هو أقل من مستوى الدولة بشكل عام، وبالتالي فإن شخصية القائد هي عامل أساسي في صنع القرارات الخارجية». وعلى الرغم من أن السلطنة كانت ذات موارد وعائدات يسيرة، إلا أن ذلك دفعهُ إلى ضرورة البدء بتنفيذ مشاريع كبيرة لتنمية البلاد مُركزاً على الإصلاح السياسي لبنية النظام والإصلاح الاجتماعي، «فكانت سمة الواقعية واضحة على شخص السلطان في إدارته للبلاد».