د. زهير جمعة المالكي
كشفت الأزمة الحالية التي يمر بها العراق عن وجود الكثير من جوانب القانون الدولي التي بقيت مخفية سواء بقصد أو من غير قصد عن المواطن العراقي؛ مما ولّد لدى المتلقي العراقي على المستويات كافة ضبابية في الرؤيا والإدراك لحقيقة ما يجري ويدور في المحافل الدولية، وكيفية الاستفادة من القانون الدولي للدفاع عن حقوق العراق وحماية سيادته. ومن هذا الخفايا قضية بقيت أخطر ملفاتها طي الكتمان لمدة 38 عاماً منذ عام 1981 وهو موضوع الغارة الإسرائيلية التي أدت إلى تدمير المفاعل النووي العراقي تموز. فمن المعروف أن مجلس الامن الدولي أصدر القرار ذا الرقم 487 لسنة 1981 دان بموجبه الغارة، وفرض عقوبات على إسرائيل، ولكن الغريب أن العراق ومنذ ذلك التأريخ لم يتحرك لتنفيذ ذلك القرار، وإن مجلس الأمن الدولي لم يتخذ إجراءات قاسية ضد إسرائيل كما فعل ضد العراق بعد غزو الكويت عام 1990؛ مما يضع علامة استفهام كبيرة بشأن الموضوع، وتشمل تلك العلامة حقيقة القرار 487 ومداه؛ لذلك فقد حان الوقت ليطلع الشعب على هذا الموضوع لمعرفة من الذي يحاول التغطية على تلك الجريمة.
الساعة السادسة والربع من عصر يوم الأحد الموافق السابع من شهر حزيران لعام 1981 وبعد وقت قليل من انتهاء مبارة بكرة القدم بين أفراد حماية موقع التويثة النووي في العراق، انقطع البث الإذاعي في عموم بغداد لربع ساعة لتظهر أعمدة الدخان فوق منطقة سلمان باك، وأعلن الناطق العسكري العراقي عن تعرض العاصمة العراقية بغداد لغارة جوية دون تحديد الموقع أو الجهة المعتدية؛ لتعلن إسرائيل بعدها قيامها بقصف مفاعل تموز العراقي، مبررة ذلك بأن العراق ما يزال في حالة حرب معلنة مع إسرائيل، وإن المفاعل النووي العراقي كان معداً لإنتاج أسلحة نووية من الممكن أن تهدد أمن إسرائيل.
ولمعرفة أبعاد الموضوع تبدأ القصة منذ بداية المشروع العراقي لاستخدام الطاقة النووية عام 1956 حينما افتتح الملك فيصل الثاني معهد تدريب حلف بغداد على الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بحضور رئيس مؤسسة هارول لأبحاث الطاقة الذرية البريطانية، العالم الفيزيائي جون دوغلاس كوكروفت الحائز جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1951، ووزير الإعمار العراقي آنذاك الدكتور ضياء جعفر.