ماندانا تیشه یار، عضو هيئة التدريس بمعهد (إكو) للتعليم العالي، التابع لجامعة العلامة الطباطبائي، موقع الدبلوماسية الإيرانية.
لا يوجد شيء أكثر متعة من العدالة للشعب الذي ظل يرزح تحت الحكم الاستعماري لعدة قرون، وقبل 70 عاماً حينما نالت الهند استقلالها، كانت مطالب المثقفين والجماهير في تلك البلاد موحدة هي: العدالة والمساواة. ولهذا السبب، على الرغم من أن النظام السياسي في الهند كان يميل إلى نماذج وأنماط الديمقراطية الغربية، إلّا أن اقتصاديي البلاد بدلاً من الذهاب نحو النظام الرأسمالي، دعوا إلى إنشاء الأنموذج الاشتراكي مع التركيز على العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. وخلال الحرب الباردة، على الرغم من أن الهند فيما يتعلق بسياستها الخارجية كانت تعدّ نفسها دائماً على التزام بمبادئ عدم الانحياز، ولكن من الذي لا يدري أن جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند -الذي يطلق عليه شعبه لقب المعلم- كان يميل إلى الفكر اليساري وصاغ برامج بلاده الاقتصادية وخططها على أساس أنماط قريبة من الكتلة الشرقية، وتحوّل الاتحاد السوفيتي إلى كعبة آمال الاقتصاديين في الهند ولطالما انتقدوا العالم الغربي. ولقد أدت هذه السياسة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الهند مقارنة بالدول الآسيوية الأخرى مثل: اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وأن جهود الحكومة لدعم مئات الملايين من الفقراء الهنود عبر تأميم جميع المؤسسات الاقتصادية والرقابة على الأسعار، مهد الأرضية لعزوف الأغنياء عن الاستثمار في القطاعات الاقتصادية، والانخفاض في كمية الإنتاج والانتشار الموسَّع للفقر في البلاد. ومع ذلك، استمر هذا النهج أيضاً في عهد أنديرا غاندي، فهي أيضاً اعتزت بإرث والدها وواصلت الصداقة مع الاتحاد السوفيتي.
وكان الهنود والروس يدركون جيداً المخاطر والتهديدات الموجهة لهم من قبل القوى الغربية في السبعينيات، وأنهما كانا يعرفان أن تنين الصين الأصفر يتربص بهما في الجوار؛ ولذلك استبقوا الحدث. وقبل أن تؤتي دبلوماسية بينغ بونغ نيكسون ثمارها بالتعاون مع الصينيين، وُقّع على معاهدة الصداقة والتعاون السوفيتية الهندية في عام 1971، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الهند المشتري الدائم للأسلحة الروسية واستمر هذا الاتجاه حتى يومنا هذا. وفي الثمانينيات، ظهرت اتجاهات جديدة في العلاقات بين البلدين، وحينما وصل راجيف إلى السلطة غيَّر طريقه قليلاً عن خُطى والدته وجده. وقال في خطاباته “الهند بلد عريق ولكن معظم أبناء شعبها من الشباب، ونحن مثل أي شباب آخرين، لا نشعر بالراحة والسكينة، أنا شاب وعندي حلم، أحلم بهند قوية ومستقلة وذاتية الاكتفاء، تستطيع أن تقف جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى وتعمل لخدمة البشرية”. وكي تكون الهند دولة قوية ومستقلة، فإنها تحتاج إلى وضع خطة جديدة، ولهذا السبب، لقد اُستبدلت شعارات المساواة والإخاء والعدالة في الهند بنمط الاقتصاد الرأسمالي منذ الثمانينيات. وإن الانهيار السوفيتي في تلك السنوات أيضاً كان بمنزلة ختم للتأكيد على أن الأفكار اليسارية فشلت في قيادة الأمم إلى جنة الاشتراكية.
وبصرف النظر عن السنوات العشر التي تكلّلت بالصعود والهبوط في روسيا عام 1990، فإن الاقتدار الروسي الذي تبلور في شخص بوتين وأعطى شكلاً جديداً للسياسة الخارجية والهيكلة الاقتصادية الروسية، مهَّد الطريق لتعاون جديد بين الهند وروسيا في العصر الحديث. والآن كلا البلدين أصبحا في مواقع جديدة على المستوى الدولي وكانا يحاولان تجديد العهد القديم.
وعلى الرغم من أن الهند في العصر الحديث أصبحت قوة اقتصادية كبرى ولديها تعاون سياسي واقتصادي وثيق مع الدول الغربية، وعلى الرغم من أن الروس لم يعد لديهم ذلك الاقتدار والقيادة السابقة في الساحة الدولية، لكن الهنود والروس ما زالوا حريصين على العمل معاً في مجال سلعتين استراتيجيتين، هما: الأسلحة، والطاقة، وقاما خلال السنوات الماضية بتقديم الدعم الاقتصادي لبعضهما بعضاً قدر المستطاع، ودعمت روسيا العضوية الدائمة للهند في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واقترحت الهند أن تكون روسيا عضواً بصفة مراقب في منظمة التعاون الاقتصادي لجنوب آسيا (سارك)، ودعت روسيا الهند للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، واقترحت الهند أن يعمل البلدان معاً للتصدي للتهديدات الأصولية والتخريبية، وتعمل روسيا على بناء مفاعلات نووية مختلفة على الأراضي الهندية، وقامت الهند بالاستثمار في حقول النفط والغاز في منطقة سخالين الروسية. وما تزال الهند ثاني أكبر مستورد للأسلحة من روسيا، وما يزال التعاون في مجال إنتاج الطاقتين النووية والأحفورية يمثل أولوية قصوى لكلا البلدين. وفي هذه الأثناء، إنهما تعلمان أنه في جوارهما بلد ينمو بسرعة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية وحتى السياسية.
إن مشروع طريق الحرير الجديد في الصين وتركيز هذا البلد على مبادرة “الحزام والطريق” لا يسعى فقط إلى تحقيق أهداف اقتصادية لزيادة نفوذ الصين في اقتصاد الدول الآسيوية، وإنما من وجهة نظر جيوسياسية، يمنح هذا البلد اليد الطولى في مناطق من العالم وصفها الجغرافي البريطاني هالفورد ماكيندر قبل قرن بأنها “قلب الأرض” واعتبر التفوق في هذه الأراضي بأنه تفوق على المستوى العالمي.
إن مشروع طريق الحرير الجديد في الصين يضم أكثر من ستين دولة في العالم، وخُصّصت ميزانية له قدرها 8 تريليونات دولار، ومن الطبيعي ألا تكون هناك قوة على المستوى الإقليمي قادرة على الوقوف بمفردها ضد هذا المشروع وتتحرك بمحاذاة الصينيين خطوة بخطوة. وفي السنوات الأخيرة، لم تسيطر الصين فقط على أسواق آسيا الوسطى، بل قامت باستثمارات كبيرة في باكستان لدرجة أنها لم يسبق لها مثيل في تأريخها.
ولهذا السبب سعت روسيا نحو الاتحاد الاقتصادي الأورآسي وهي تبذل قصارى جهدها لجمع الجمهوريات المستقلة حديثًا تحت مظلة واحدة، ولهذا السبب أيضاً تسعى الهند إلى تعريف طريق الحرير البحري، وتظهر نفسها حريصة على الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني وغيرها من الموانئ البحرية لزيادة وجودها في المحيط الهندي والسيطرة على طرق التجارة البحرية أكثر من ذي قبل، وكلاهما يأمل في الحصول على مكاسب من هذا المشروع، ومع ذلك ينظر كلاهما بقلق إلى خطط الصين.
إن إحدى مشكلات الروس والهنود في زيادة التعاون وتنفيذ خطة مشتركة لمنع تشكيل تهديدات مشتركة، كانت تتمثل في المسافة الجغرافية التي تفصل بين البلدين، ومن أجل حلّ هذه المشكلة، بدأت محادثات لإطلاق طريق سريع بين الجنوب والشمال يربط الهند بروسيا عبر إيران في عام 2000، ولم تتوصل هذه المحادثات إلى نتائج ايجابية حتى وقت قريب، ولكن يبدو أنه كلما أصبح تهديد الصين لمصالح الهند وروسيا أكثر وضوحاً، تتزايد الحاجة إلى تعاون أكبر بين البلدين.
وفي هذه الأثناء، إن موقع إيران الجيوسياسي كجسر يربط الخليج العربي ببحر قزوين، يمكن أن يكون ذا أهمية خاصة فيما يتعلق ببرامج التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الهند وروسيا على المستوى الإقليمي. وإن الحاجة إلى ربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى ومناطق شمال آسيا لم تعد تقتصر على روسيا والهند، بل حشدت بلدان أخرى في المنطقة، مثل أذربيجان وكازاخستان، طاقاتها لحل المشكلة هذه المرة عبر إنجاز هذا الممر.
وفي الوقت الحاضر، دفع النمط الجديد للتعاون الإقليمي في إطار “دبلوماسية النقل” الجميع إلى البحث عن جذب استثمارات جديدة في هذا المجال، وأصبح موضوع الانتهاء من مشاريع البنية التحتية لربط الأراضي مصدر قلق لكثير من السياسيين في المنطقة.
وإن المنافسة الاقتصادية والتهديدات الأمنية مع الصين أيضاً أعطت دافعاً كبيراً لمواصلة نمط جديد من التعاون بين السلطات الروسية والهندية، ومن المتوقع أن تعود معاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين ضد جارتهما المشتركة في السبعينيات وتتم قراءتها والنظر فيها من جديد في العصر الحديث.
لقد مرّ أكثر من 70 عاماً منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين الهند وروسيا، وربما الآن قد حان الوقت لتقارب شمال آسيا وجنوبها أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: http://2ad.ir/7em6e