إن ظهور نخب سياسية متعددة الأعراق، ومن الطوائف جميعها بعد غزو العراق عام 2003 ترك أثراً كبيراً وطويل الأمد على طبيعة الهياكل المؤسسية في البلاد، وقد سعت الترتيبات التوافقية -التي ظهرت من تشكيل مجلس الحكم العراقي
تروم هذه الورقة تحليل الاتجاهات وراء زيادة الرواتب في القطاع العام كدالة على ديناميات ما بعد عام 2003، واستكشاف الأسباب والنتائج. وتلقي الورقة نظرة شاملة على القطاع العام برمته مع التركيز على ثلاث وزارات مهمة، هي: التعليم العالي والبحث العلمي، والنفط، والدفاع.
وتحدد الورقة بنحو عام كيف أن شبكات المحسوبية والعملاء المرتبطة بالولاءات الشخصية أو الولاءات السياسية هي من المحركات الرئيسة للنمو في القطاع العام عبر الجمع بين تحليل مفصل لبيانات مرتبات الموظفين المتاحة مع سلسلة من المقابلات مع كبار المسؤولين الحكوميين على مدى ستة أشهر.
وفي حين أن هناك ميلاً للتركيز فقط على هذه الزاوية، فمن المهم أيضاً النظر في أشكال الفساد النظامية التي تمثل ديناميكية اجتماعية مرتبطة بالطلب الشعبي بالحصول على توظيف في القطاع العام؛ وهنا، من الممكن تقديم حلول واقعية لكبح التوسّع في الرواتب، وتمكين البلاد من رسم مسار ينتج أنموذجاً اقتصادياً يمكن إدامته على المدى الطويل.
إن من أهم الدروس الرئيسة المستفادة من الأزمة المالية لعام 2014 هو أن اعتماد العراق على النفط إلى جانب تقلب أسعاره في السوق يعني أن البلاد لم تعد قادرة على تحمل زيادة فاتورة الأجور العامة دون توقع عواقب وخيمة. فإذا استمرت في إنفاق الجزء الأكبر من دخلها النفطي على الأجور والتكاليف التشغيلية الأخرى، فلن يكون هناك طريقة تمكن الدولة من تحويل الموارد الكافية لإعادة بناء بنيتها التحتية وتعزيز الخدمات التي تشتد حاجة المواطنين إليها.
ومع ذلك، حتى لو تبنى صانعو السياسة هذا المفهوم، يجب على الحكومة تلبية احتياجات ما يقدر بـ(2.5) مليون عراقي عاطل عن العمل ممن هم بحاجة إلى الوظائف بنحوٍ عاجل، مع معدل بطالة وطني يبلغ (16 %)، وهناك إجماع داخل دوائر صنع السياسة على أن القطاع الخاص يجب أن يضطلع بدور أكبر بكثير. وفضلاً عما ذكر تجدر الإشارة إلى صعوبة تأمين استثمارات أجنبية كبيرة في البلاد، إذ إن إيجاد حل لمستويات بطالة الشباب المرتفعة المقدرة بـ(36 %) دون زيادة التوسع في القطاع العام ستكون صعبة جداً على المدى القريب.