back to top
المزيد

    مزارعو العراق يعانون على الرغم من وفرة الحصاد

    كلوي كورنيش: مراسلة فايننشال تايمز في الشرق الأوسط.

    كان جمال مخلف نايف وعائلته يحصدون محصولاً وفيراً -الأفضل منذ سنوات- في إحدى ليالي شهر أيار في شمال العراق، إلا أن احتفالهم بذلك المحصول قد تلاشى حينما اندلعت النيران من حولهم. إذ اقتحم عناصر داعش احتفال عائلة نايف بحصادهم الوفير وقتلوا خمسة منهم أصغرهم عمره 18 عاماً. وأضرم أفراد التنظيم الإرهابي النار في الحقل والآلات، ثم تفاخروا بهذا الاعتداء على صفحاتهم على الإنترنت، ونشروا صوراً ومقاطع فيديو.

    قال السيد نايف: “لقد كان حصاداً ممتازاً، لكننا فقدنا جميع منتجاتنا لهذا العام… وأنا خائف جداً من العودة إلى أرضي”.

    تسبّبت أمطار هذا الشتاء في حدوث فيضانات شديدة، ولكنها أنعشت تربة العراق التي عانت من الجفاف لمدة طويلة. وحتى مع غياب التحديات التي يفرضها تغير المناخ، فإن الحصاد الوفير لم يستطع أن يتجاوز المشكلات الهيكلية التي يعاني منها القطاع الزراعي العراقي -أكبر قطاع مزود للعمالة الريفية بعد القطاع النفطي- على وفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ( FAO).

    لا يتعرض المزارعون في ريف العراق لسوء المعاملة من المتطرفين فحسب، بل يقولون إن سوء الإدارة يدفعهم إلى حافة الهاوية.

    جمال مخلف نايف، مزارع فقد خمسة من أفراد أسرته وحصاده في هجوم داعش

    على وفق شبكة المعلومات الزراعية العالمية التابعة للحكومة الأمريكية فمن المتوقع أن ينتج المزارعون أربعة ملايين طن من القمح هذا العام، بزيادة 32.5% عن العام الماضي. إلا أن مساحات شاسعة من الحقول في جميع أنحاء العراق وسوريا قد احترقت؛ مما أدى إلى تدمير المزارع. لم يتسبب تنظيم داعش -الذي ما يزال لديه خلايا نائمة على الرغم من فقدانه للسيطرة على المنطقة قبل عامين- بكل تلك الحرائق، فبعضها سجلت على أنها فعل متعمد أو حوادث.

    ويقدّر (ويم زوينينبرغ) -قائد برامج الأمن ونزع السلاح المنظمة الهولندية غير الحكومية PAX- أن حوالي 1000 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية العراقية قد احترقت هذا العام، ويرجع انتشار الحريق الضخم إلى وفرة الغطاء النباتي في الحقول.

    لقد ملأ الإنتاج الوفير صوامع الدولة في شمال العراق؛ مما أدى إلى وجود طوابير طويلة من الشاحنات. قال السائقون لصحيفة فاينانشيال تايمز إنهم انتظروا أكثر من 20 يوماً وتم إبعادهم عن الصوامع الأخرى لامتلائها. وعملت صومعة الشرقاط -التي تعد واحدة من أكبر الصوامع في المنطقة- بنسبة 30% فقط على وفق أحد الحراس، وذلك بسبب عدم إصلاح أجهزة التهوية التي تضررت في أثناء القتال لتحرير المنطقة من تنظيم داعش.

    أنتج العراق محصولاً صحياً على الرغم من تقلص حقول الحبوب في العراق على وفق بيانات الأمم المتحدة. إذ تقلصت مساحة حصاد الحبوب البالغة 4.6 مليون هكتار في عام 1993 إلى أقل من ثلث تلك المساحة بحلول عام 2017. وتشتمل الشرقاط -الواقعة في محافظة صلاح الدين- على عُشر الأراضي القابلة للزراعة في العراق.

    قال جون شنيتكر -خبير زراعي ومستشار وزاري سابق- إن المشكلة تكمن في فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة الزراعة بنحوٍ مناسب. وأشار إلى ضرورة إعادة جزء كبير من هذه الأراضي إلى زراعتها للحد من التصحر، إلا أن المزارعين لا يتم تحفيزهم إلا على زراعة هذه الأراضي وليس المحافظة عليها، وذلك بسبب طلب الحكومة من المزارعين توفير القمح اللازم في برنامج الرعاية الاجتماعية.

    هاني عطياب: بائع البطيخ الذي تشتري عائلته الفاكهة بدلاً من أن تزرعها بنفسها

    يتراجع طلب المستهلكين العراقيين على محصول القمح، إذ يقول السيد شنيتكر: إن العراق يستورد حوالي مليوني طن من الطحين عالي الجودة كل عام -معظمه من إيران وتركيا-، وهي نسبة زادت حوالي الضعف منذ عام 2012.

    واقترح شنيتكر قائلاً: “بإمكان العراق أن يقدم للمزارعين مدفوعات مباشرة عوضاً عن شراء محاصيلهم، ثم يتخذ المزارع قرار زراعة أرضه”. وحذر من من عدم بذل جهود للحفاظ على البيئة؛ كون ذلك سيؤدي بالعراق إلى أن يكون مثل أمريكا في ثلاثينيات القرن الماضي -إذ سادت المنطقة الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية حقبة من الجفاف الحاد امتدت من 1930-1936 وفي بعض المناطق حتى 1940-.

    يحذر المزارعون من هجرة أراضيهم المطرية بسبب الأمطار الغزيرة والارتفاع في درجات الحرارة. وقد أصبح الري باستخدام المياه من نهر دجلة مشكلة بسبب السدود التي تقيمها تركيا وسوريا. وإن تلاشي الإعانات الحكومية في الوقت الذي تتعرض فيه المنتجات العراقية للمنافسة من استيراد الفواكه والخضروات الرخيصة من إيران، وتركيا، وسوريا.

    وقال هاني عطياب، بائع البطيخ، الذي يبلغ 33 عاماً: “كان والدي يزرع 60 فداناً على ضفاف النهر”. ولكن الآن من دون مساعدة الحكومة في شراء البذور وغيرها من المدخلات مثل: الأسمدة؛ فإن زراعة المحاصيل ليست مربحة. وأنا الآن أشتري هذا البطيخ بالجملة من الموصل، وبالطبع لو زرعنا بأنفسنا لكسبنا مزيداً من المال.

    بعض المزارعين قد فقدوا الأمل، إذ قال محمد سليم ذو 60 عاماً -شيخ إحدى العشائر ومالك لأرض زراعية في اجتماع لشيوخ المنطقة- إن خُمس الأراضي حول قريته فقط مزروعة الآن، وقريباً لن يبقى هناك من يزرع الأرض.

    وأشار المزارع نزار رمضان البالغ من العمر 65 عاماً إلى أن معظم المزارعين قد تراجعت أرباحهم؛ الأمر الذي يدفع المزارعين إلى ترك الزراعة للعمل في الشرطة أو الجيش. وقد يختار بعضهم مساراً مظلماً -لعدم توافر فرص عمل- مثل الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي.


    المصدر:

    https://www.ft.com/content/18a01f6e-b933-11e9-8a88-aa6628ac896c