مقال نُشِرَ في موقع ستراتفور وهو مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي.
الصورة الأشمل
إن الجغرافيا السياسية والغاز الطبيعي مترافقتان في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي المنطلق التي دخلت في لعبة الغاز الطبيعي قبل 10 سنوات حينما اكتُشِف حقل (تمر) للغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل، وبينما أصبحت إسرائيل بلداً منتجاً منذ ذلك الوقت، صارعت قبرص من أجل أن تحذو حذوها على الرغم من تراجع أسعار الغاز بعد عامين من اكتشافه فقط. في عام 2018 أدت الاكتشافات الجديدة لاحتياطيات الغاز الطبيعي إلى إعادة تنشيط قطاع الغاز الطبيعي القبرصي، وبلغت ذروتها لتكون أكبر اكتشاف في المنطقة حتى الآن.
ماذا حدث
أنهت شركة “إكسون موبيل” النفطية أسابيع من التكهنات بإعلانها في 28 شباط الماضي أنها ضربت مخزوناً كبيراً من الغاز في منطقة جلاوكوس التي تقع جنوب غرب قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط. وتشير التقديرات الأولية إلى أن البئر يمكن أن تتراوح حجمها بين (142، و227) مليار متر مكعب؛ أي ما يقرب من 5 تريليونات و8 تريليونات قدم مكعب من الغاز. وعلى الرغم من أن المقدار القابل للاسترداد من هذا الغاز لم يزل واضحاً، إلا أن هذا الاكتشاف يضيف بنحو كبير إلى الغاز الطبيعي الموجود في المياه القبرصية.
حينما تعاقدت قبرص مع شركة (نوبل) للطاقة وشركة (إني) الإيطالية للحصول على نسبة من إنتاجهما في بئر أفروديت للغاز وبئر كاليبسو على التوالي، أصبحت هناك فرصة لقبرص في أن تمتلك 500 مليار متر مكعب من الغاز دون أخذ الاكتشافات المستقبلية المحتملة بالاهتمام. وعلى الرغم من أن هذه الكمية من الغاز الطبيعي تبرر عملية بناء خط أنابيب تحت البحر أو محطة لتسييل الغاز للشحن عبر الناقلات، لكن يجب أخذ التعقيدات الجيوسياسية لشرق البحر الأبيض المتوسط بالحسبان.
رد فعل تركيا
أدّت النزاعات مع تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية من جانب، واليونان وقبرص من جانب آخر إلى عرقلة جهود التنقيب عن الغاز الطبيعي القبرصي. وفي حين لا تمتلك كل من تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية المياه التي تقع عليها بئر جلاوكوس، بيدَ أن من المرجح أن تتفاعل أنقرة مع هذا الاكتشاف عبرَ تعزيز طموحاتها الإقليمية في مجال الطاقة، وإعاقة منافسيها.
خلال الأشهر الستة الماضية، وسّعت تركيا جهودها الاستكشافية. وفي تشرين الثاني، بدأ الحفر في بئر ألانيا-1 والبدء في حفر موقع آخر. وعلى الرغم من أن نتائج هذه الجهود لم يُعلن عنها بعد، فإن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي (فاتح دونميز) قال في 25 شباط إن نتائج الحفر في بئر ألانيا -1 ستعلن في الأسابيع المقبلة.
وقال وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) إن تركيا ستبدأ قريباً الحفر في المياه جنوب قبرص، على الرغم من أن شركة البترول التركية المملوكة للدولة -والمسؤولة عن أي عملية من هذا القبيل- لم تقل إن لديها خططاً فورية للقيام بذلك قبل إعلان نتائج حفر بئر ألانيا-1.
من المرجح أن تزيد تركيا من جهودها لعرقلة التنقيب عن الآبار التي تقع في مياهها أو في قبرص الشمالية، كما حدث في شباط 2018 حينما منعت البحرية التركية شركة إيني من الحفر في البئر الاستكشافية (Cuttlefish) الواعد في مياه شرقي قبرص. وستواصل تركيا محاولة منع أي مشروع لمد خط أنابيب إلى أوروبا يمرّ عبر المياه اليونانية والقبرصية ويمرّ أيضاً عبر المياه التي تطالب بها.
طموحات مصر المتداخلة
سيكون الاكتشاف الجديد في قبرص معقد أيضاً بسبب الطموحات المصرية؛ ولتلبية احتياجاتها من الطاقة، تريد مصر أن تؤدي دوراً بارزاً في تدفق الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد أعلنت القاهرة في كانون الثاني أنها ستستضيف منتدى شرق المتوسط للغاز وستساعد على إنشاء سوق غاز إقليمية. وتريد مصر أن ترى نجاح الاستكشاف في إسرائيل وقبرص ينقل إلى أسواقها المحلية، لتزويد القطاع الصناعي المصري أو إرسالها إلى محطتي تسييل الغاز الطبيعي وهما (إدكو ودمياط) اللذان بالكاد يعملان منذ أن توقفت مصر عن كونها مصدراً أساسياً لتصدير الغاز الطبيعي.
وتحقيقاً لذلك كانت مصر وقبرص تتفاوضان على اتفاق حكومي دولي لمد خط أنابيب يصل لمحطة الغاز الطبيعي المسال في إدكو، الذي بدأ بتصدير كميات صغيرة في عام 2016. ويمكن أن يزيد اكتشاف بئر جلاوكوس من اهتمام المستثمرين بإنشاء مثل هذا الخط. وظهرت شائعات من وزارة الطاقة والثروة المعدنية المصرية أن الصادرات من مصنع دمياط لتصدير الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تبدأ في شهر نيسان، على الرغم من عدم اكتمال الصفقة.
وترى القاهرة انخراطها في الغاز الطبيعي لمنطقة الشرق المتوسط جزءاً مهماً من جهودها للعودة إلى دور مصر الإقليمي بعد تراجعها نتيجة أحداث الربيع العربي. وترى القاهرة أن عرقلة طموحات أنقرة في مجال الطاقة وطموحها الأوسع لتصبح قوة مهيمنة إقليمية في شرق البحر الأبيض المتوسط يعدُّ عاملاً حاسماً لتحقيق هدف مصر في أن تكون مركزاً لتصدير الغاز الطبيعي -وطموحتها الخاص لتكون القوة المهيمنة الإقليمية- وكذلك مواجهة الدعم التركي للأحزاب الإسلامية التي تعارضها مصر؛ وهذا يعني أن اللعبة الكبيرة لغاز البحر الأبيض المتوسط سوف تخاض بين تحالف قبرصي يوناني-إسرائيلي-مصري ضد تركيا وحلفائها.
المصدر: