تتكوّن معظم المنطقة العربية الآن من أسر فقيرة ومتآكلة ومتقطعة من الداخل، على عكس ما تروّج له صور وسائل الإعلام الشعبية في الخارج عن الثروة الضخمة؛ إذ إن المنطقة العربية متشعبة ومقسّمة على ثلاث فئات، هي: مجموعة صغيرة من الأثرياء، ومجموعة الطبقة الوسطى، ومجاميع من الفقراء والضعفاء المهمشين الذين يشكلون الآن ثلثي العرب؛ فعلى وفق الأبحاث الجديدة التي أجرتها العديد من المنظمات العربية والدولية فإن هناك حوالي 250 مليون شخص من أصل 400 مليون نسمة من السكان العرب، هم فقراء ومهمشون.
وأهم دليل على هذا الاتجاه يأتي من نتائج دراسات الفقر متعدد الأبعاد التي أجرتها منظمات عربية ودولية، إذ قدمت لنا صورة كاملة وأكثر دقة عن الظروف الفعلية لسكانها المتضررين، فضلاً عن المسوحات السنوية في المنطقة التي تجريها مجموعات أكاديمية عربية وأمريكية التي توصلت إلى أن نحو 70 % من العائلات العربية لا تستطيع تلبية احتياجاتهم الشهرية الأساسية.
وتشير أرقام الفقر متعدد الأبعاد(MDP) إلى أن معدلات الفقر أعلى أربع مرات مما كان متوقعاً في السابق؛ وذلك لأن مقياس الفقر الذي طبقه الاقتصاديون في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، والبنك الدولي، ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية وغيرها من المؤسسات، قدمت لنا صورة أكثر دقة عن الفقر مقارنة بالاعتماد السابق على معدلات إنفاق الدولار في اليوم؛ ويكمن السبب الرئيس للدقة الكبيرة هو أن تدابير الفقر التي اعتمدها مؤشر الفقر متعدد الأبعاد تغطي جميع الفئات من الأغنياء والفقراء الذين همشتهم الدراسات السابقة، وقد تحدّد الفقر بدرجة أكثر دقّة من حيث احتياجات الأسر الأساسية.
في عشرة بلدان عربية شملتها دراسة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا صُنّف 116 مليون شخص بأنهم فقراء؛ أي ما يقارب 41% من مجموع السكان، و25% كانوا عرضة للفقر -على وفق قسم التنمية الاقتصادية والفقر في الأمم المتحدة-، وتشير نتائج مؤشر (الاسكوا) إلى أن العائلات ذات الدخل المتوسط التي تقع على مشارف الفقر لا تستطيع تحمل أي زيادة في الأسعار أو الضرائب؛ الأمر الذي سيؤدي بها مباشرة إلى الفقر.
وقد يُفسّر ذلك سببَ تظاهر عشرات الآلاف من الأفراد ضد سياسات حكومتهم في الآونة الأخيرة في العراق، ولبنان، وتونس، والسودان، وبلدان عربية أخرى، مع تركيز قوي على رفض الضرائب الجديدة والزيادات في الأسعار.
وحتى حينما طبق البنك الدولي مقياس الفقر معدلات إنفاق الدولار بنسبة أقل من 1.90 دولار أمريكي لكل فرد يومياً، ارتفع معدل الفقر المدقع في منطقة الشرق الأوسط للمدة 2011-2015 من 2.7 % إلى 5 %، وكان الشرق الأوسط المنطقة الوحيدة في العالم التي زاد هذا المؤشر فيها في تلك الفترة. وبالتالي، فإن الطبقة الوسطى في الدول العربية غير المنتجة للنفط قد تراجعت من 45 % إلى 33 % من السكان.
ولا تعد معدلات الفقر العربي أكثر ارتفاعاً مما كان يعتقد سابقاً فقط؛ بل إن الفقراء مقدر لهم أن يعيشوا المعاناة لعدة أجيال، وذلك لسببين: أولهما: لأن ظروف النمو في مرحلة الطفولة المبكرة والمستوى التعليمي الأعلى للأسرة هما مؤشران متوقعان لتحديد مستوى الفقر مدى الحياة، وكلا الظرفين يمثلان إشكالية في العديد من المناطق العربية.