محسن حسن
مقدمة
تعد الرقابة المالية إحدى أهم الأدوات المستخدمة في الحفاظ على فاعلية الضبط العام والشامل لحركة موارد الدخل القومي وثرواته المتنوعة في أي دولة من دول العالم؛ إذ لا يقتصر مفهوم الرقابة المالية من وجهة النظر الاقتصادية الحديثة، على مجرد متابعة ضخ الموارد المالية في قنواتها المعنية، وإنما يتعدى ذلك إلى مستويات أكثر خطورة وأهمية، فالرقابة المالية «منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية والمالية والمحاسبية والإدارية، وهي حزمة متزامنة من الرقابات تمارس بغية التأكد من صحة وسلامة التصرفات المالية، والمحافظة على الأموال العامة، ورفع كفاءة استخدامها، وتحقيق أعلى درجة من الفعالية في النتائج المرجوة من إنفاقها أو تحصيلها».
وفي بلد يمثل ثقلاً سياسياً، اقتصادياً، واستراتيجياً،-كالعراق- بما يمتلكه من ثروات ظاهرة وباطنة، تجعله محط أنظار المحيط الإقليمي والدولي، فإنه يجدر بمؤسساته الاقتصادية ضرورة التخلي عن تطبيق الأنماط والآليات الرقابية التقليدية والسطحية فيما يتعلق بموارده المالية وقنواته الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية الفاعلة والوطنية كافة، ولاسيما في ظل الوضعية الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد منذ سقوط النظام وتداعي الحالة الأمنية؛ مما يجعل من المحافظة على الموارد المالية للدولة، وحمايتها من الهدر، وتنميتها أولوية قصوى تقتضي منح الأنظمة الرقابية المعتمدة عالمياً، الاهتمام اللائق بها من حيث المشروعية التطبيقية، على كافة القطاعات العراقية؛ «ففي جمهورية الصين الشعبية على سبيل المثال، تعتبر الرقابة بحكم الدستور، إحدى السلطات الخمس في الدولة إلى جانب السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، وسلطة الخدمة المدنية».
وانطلاقاً من إيجابية التطلعات العراقية الراهنة نحو تحقيق الرفاه الاقتصادي للشعب العراقي من خلال ما تشهده البلاد من متغيرات سياسية ودستورية وانتخابية، ارتأت هذه الدراسة أهمية تناول موضوعها، لأن الرقابة المالية -على وجه التحديد- هي الكفيلة حالياً عبر مفهومها الحديث والشامل، بتحريك المياه الراكدة في الفضاء الاقتصادي العراقي، ومن ثم رفع كفاءة الأداء المالي للقطاعات الاقتصادية المختلفة؛ الأمر الذي سيصب حتماً في صالح خطط التنمية العراقية القادمة، والقضاء على مشكلات معقدة، ما يزال يعاني منها المجتمع العراقي، وعلى رأسها البطالة والفساد المالي والإداري، إلى جانب معوقات الاستسلام للريع النفطي والعجز عن تنويع مصادر الدخل، ومشكلات أخرى متعددة يمكن علاجها، أو على الأقل الحد من مؤثراتها وتداعياتها السلبية، بالوقوف على أوجه القصور الحادثة في العديد من آليات الرقابة المالية المعتمدة حالياً في المؤسسات الاقتصادية المعنية، ومن ثم علاجها.