back to top
المزيد

    آراء مجموعة من الخبراء بشأن خطاب وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو في القاهرة

    في العاشر منكانون الثاني، ألقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كلمة عن السياسة الخارجية في العاصمة المصرية القاهرة، وسعى فيها إلى تصوير الولايات المتحدة على أنها “قوة للخير” في الشرق الأوسط؛ وقد أبدى مجموعة من الخبراء في معهد بروكينغز آراءهم عن هذه الزيارة.

    ناتان ساكس، مدير مركز سياسة الشرق الأوسط:

    تأتي زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى القاهرة كتكرار لما فعله الرئيس أوباما عام 2009، فغايتها التخلي عن نهج الرئيس السابق تجاه الشرق الأوسط وإعلان “بداية جديدة” للعلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط. فمثلما سعى أوباما للتخلي عن إرث جورج بوش في العراق وإنهاء التدخل الأمريكي في المنطقة، حاول بومبيو أن ينهي “الخزي الأمريكي” الذي تسبب به أوباما – كما يقول- الذي لم يظهر أمريكا كقوة للخير، وعمل على تقوية العلاقة مع العدوة إيران، وروج بومبيو بنحو جيد لوجهات نظر شركاء الولايات المتحدة الإقليميين حول سوء إدارة أوباما.

    لكن يوجد عيب في خطاب بومبيو، فبينما تحدث أوباما كرئيس عن استراتيجيته، بدا خطاب بومبيو وكأنه عودة قوية إلى عهد بوش، لكنه يتحدث نيابة عن رئيس لا يشبه بوش، وربما لا يمثل هذا الخطاب الرؤية السياسية الخارجية لبومبيو نفسه. ويتساءل ترامب مراراً وتكراراً حول فائدة المشاركة الأمريكية في العالم؛ ومؤخراً، أمر بسحب القوات من سوريا، ومنذ ذلك الحين بذل بومبيو وجون بولتون جهداً لتوضيح ذلك، بما في ذلك في هذا الخطاب.

    وعلى الرغم من أن انتقاد بومبيو لأوباما لم يخلُ من بعض الميزة، إلا أنه قد يطرح بصدق الأسئلة نفسها التي طرحها ترامب. وعادة ما يسأل الجمهور الإقليمي نفسه ما إذا كان بومبو أو بولتون أو أسلافهما يستطيعون التحدث بموثوقية عن سياسة الولايات المتحدة، وهم غالباً غير متأكدين من أن ترامب نفسه يستطيع ذلك.

    تمارا كوفمان ويتس، زميل أقدم في مركز سياسة الشرق الأوسط:

    تمثّل تصريحات بومبيو في القاهرة رؤية لفرض هيمنة أمريكية في الشرق الأوسط، ولا تتناسب هذه الرؤية بسهولة مع الموارد التي يرغب الرئيس ترامب في استثمارها بالمنطقة، ولا أهمية الشرق الأوسط القليلة في الاستراتيجية الأمريكية العالمية، التي تركز بنحو متزايد في الصين الصاعدة، وروسيا الحازمة، والمنافسة الجديدة في التكنولوجيا والاقتصاد.

    وسيكون خطاب بومبيو محفزاً لبعض المحادثات الصعبة في الأيام المقبلة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست؛ وسيشكره القادة على تأكيداته وتطلعاته، وسيسألونه عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للالتزام بتحقيق الرؤية التي رسمها. وحتى لو كان لدى الوزير بومبيو بعض الإجابات المعدة، بيد أن نزوات رئيسه المتزايدة ومشكلاته السياسية سيؤدي إلى شك القادة الإقليميين في مصداقية تلك الالتزامات. وإنه يوم حزين حينما يذهب وزير الخارجية الأمريكية في جولة إقليمية كبرى ويقدم إعلانات جريئة حول السياسة الأمريكية، ولا يمكن لأحد في المنطقة أن يعطيه الكثير من الفضل، وكل هذا بسبب الرئيس ترامب.

    شاران غريال، زميل في مركز سياسة الشرق الأوسط:

    انتقد الوزير بومبيو بنحو حاد السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما -دون ذكر اسم أوباما-، وتمثل أكبر تحوّل في خطابه عن خطاب أوباما في عدم التركيز على الديمقراطية أو حقوق الإنسان. وما أكّد عليه أوباما في خطابه في القاهرة، وما قالته وزيرة الخارجية في عهد بوش كوندوليزا رايس، هو وجوب أن تحافظ الحكومات “على سلطتها بالموافقة، وليس الإكراه”. إلا أن بومبيو لم يذكر هذه القيم، ولم يكن هناك أي ذكر لجمال خاشقجي، ولا نقد لرؤساء يحاولون تمديد مدة رئاستهم (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي)، ولا حتى الإشادة بالإصلاحات الديموقراطية في تونس. ومن دون ذلك الركن الأساس للسياسة الخارجية الأمريكية، أمست لدينا استراتيجية مدمرة لمحاربة داعش وإيران، بلا ذكر لكيفية بناء مستقبل أكثر إشراقاً.

    ولم يكن خطاب بومبيو تحولاً عن خطاب أوباما من حيث الجوهر فقط، بل أيضاً من حيث الأسلوب؛ إذ سلم أوباما رسالته المؤيدة للديمقراطية مباشرة إلى الشعب باختياره جامعة القاهرة بالقرب من وسط القاهرة، بينما اختار بومبيو الجامعة الأميركية الأكثر نخبوية في الضواحي الغنية للقاهرة، وكان خطابه موجهاً بشكل رئيس للحكومات العربية، وليس إلى الجمهور؛ وقد انعكس هذا التحوّل في ردود فعل الجمهور، إذ تخلل خطاب أوباما التصفيق المتكرر، لكن صُفق لبومبيو مرة واحدة فقط حينما شكر الرئيس السيسي على شجاعته في المساعدة على محاربة داعش.

    هادي عمرو، زميل زائر في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز:

    إن خطاب بومبيو في القاهرة موجه بنحو عام للحكام المستبدين، وليس المواطنين؛ وهذا ما يفقده المصداقية، إذ حاول الوزير بومبيو صياغة هذا الخطاب كرد على خطاب أوباما، لكن لنكون واضحين: فالخطاب الذي ألقاه بومبيو أمام المئات، وليس الآلاف، ولم يكن كذلك، بل كان الخطاب الذي ألقاه الرئيس ترامب فيما وصفه البيت الأبيض بــ “القمة العربية الإسلامية الأمريكية” في الرياض في أيار عام 2017، وكان موجهاً أيضاً إلى قادة المنطقة، وليس المواطنين. وإن تأسيس ترامب وبومبيو لعلاقات الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط ولاسيما مع القادة غير الديمقراطيين قد يحقق بعض النجاحات السياسية على المدى القصير، لكنها ستفشل في النهاية في تحقيق المصالح المشتركة بين الأميركيين ومواطني هذه الدول وبناء ديمقراطيات مزدهرة وحيوية يمكن أن تشارك الولايات المتحدة في الأمن والازدهار.

    سوزان مالوني، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية وكبيرة الزملاء في مركز سياسة الشرق الأوسط:

    أوضح بومبيو أن استراتيجية الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط تتلخص في مضاعفة الدعم لشركاء أميركا التقليديين في المنطقة ومحاولة تحشيد تعاون أكثر فعالية بينهم؛ للوقوف في المقام الأول ضد إيران، وهذا ليس مختلفاً جذرياً عن الإدارات السابقة منذ عام 1979، ولا شك في أن انعدام الثقة والاحتكاكات الصغيرة التي قيدت الجهود السابقة ستظل سارية، ومن الجدير بالذكر أن نفوذ إيران لم يتوسع كنتيجة للاتفاق النووي الذي تخلى عنه ترامب الآن، بل بسبب السياسة الكارثية لرئيس أمريكي غاضب وقلة القيادة والحكم الرشيد في العالم العربي.

    وحدّد بومبيو أن ما يميز نهج ترامب هو التخلي عن التظاهر بالحكمة والبراعة، ولم تتبع أي إدارة مثل هذا النهج الأحادي البعد أو تجاهلت كلياً مصادر عدم الاستقرار في الحلفاء الإقليميين: الفساد، والقمع، والاقتصادات غير التنافسية، وسوء حكم القانون على سبيل المثال لا الحصر. وإن خطاب تهنئة إدارة ترامب والسخرية الزائفة من المشاركة الأمريكية المجدية في حلّ المشكلات بعد وصفة لكارثة في الشرق الأوسط.

    شادي حميد، زميل أقدم في مركز سياسة الشرق الأوسط:

    يعدّ هذا الخطاب مضاعفة لسياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط (الديكتاتوريون أولاً)، إذ لم يكن في تصريحات بومبيو أي أمل، ولم تذكر الديمقراطية كهدف أو طموح للولايات المتحدة. وكان خطاب بومبيو بمنزلة توبيخ لإدارة جورج دبليو بوش وأوباما. وفي خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في عهد جورج دبليو بوش في القاهرة عام 2005 صرّحت بقولها: “على مدار 60 عاماً، ركزت الولايات المتحدة على الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولم نحقق أي منهما، والآن، نحن نتخذ مساراً مختلفاً”.

    ولم تكن الولايات المتحدة -بنحو عام- “قوةً للخير” في الشرق الأوسط، بل كانت عقبة كبيرة أمام تقدم المنطقة وتطورها نحو إرساء الديمقراطية فيها؛ وهذا الخطاب بمنزلة تذكير بالأسباب.


    المصدر:

    https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/01/10/around-the-halls-brookings-experts-react-to-secretary-of-state-pompeos-speech-in-cairo/