انطلقت أعمال الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي وسط تطورات سياسية تخص المشهد الإيراني، حيث طرأت تغييرات مهمة منذ العام الماضي على الملف الإيراني، ولاسيما مع التركيز الأمريكي على ضرورة مواجهة النشاط الإيراني في المنطقة. فبعد أشهر من تصريحات شديدة اللهجة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد طهران، وإعلان نية في تشديد العقوبات على طهران بحلول تشرين الثاني لهذا العام، وهناك تحرك أمريكي في المنطقة لوضع سياسات خارجية ضمن استراتيجية واسعة مع حلفاء لمواجهة إيران. لقد شجع هذا التوجه على تسريع وتيرة العمل، أمام بعض الدول العربية للاستفادة من المصالح التي تتلاقى مع واشنطن في هذا المجال.
مواقف الطرف الإيراني من التفاوض
في أثناء الأشهر الأخيرة وبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، اتخذ الرئيس روحاني مواقف متوافقة مع المرشد الأعلى في إيران السيد الخامنئي، إذ أغلق الباب بوضوح أمام كل التكهنات التي تحدثت بشأن الحوار بين الطرف الإيراني والأمريكي، متخذاً مواقف أكثر صلابة بما يخصّ سياسة إيران الخارجية.
وبالاجتماع الذي ضمّ السيدالخامنئي وأعضاء الحكومة بالأسابيع الماضية، ألقى الرئيس روحاني خطاباً مهمّاً، ذكرفيه العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، مؤكداً أنه لا يلوح في الأفق أي حلّ سياسيّ على المدى القريب؛ لأن الحكومة الأمريكية التي فرضت هذه العقوبات على طهران، لا تلتزم بالاتفاقيات، وأن “هدف الأمريكان أبعد من الضغوط الاقتصادية، إذ يريدون العودة إلى إيران والسيطرة عليها”، مضيفاً في خطابه ذلك قوله:”إن شعبنا لن يقبل بهذا مطلقاً، وسيظهر للعالم أجمع مقاومته وصموده”.
وقبل ذلك صرح الرئيس روحاني أن بلاده “لن ترضخ للضغوط الأمريكية وستحافظ على كرامتها، وستقاوم الولايات المتَّحدة”، وأدلى في الوقت نفسه بأن موقفه هذا هو موقف الشعب الإيراني بأجمعة. وجاءت هذه التصريحات على الرغم من أن السيد علي الخامنئي هو الذي يحدد الاتجاهات الرئيسة في السياسة الخارجية، ويضعها في صيغتها النهائية.
وتحدث روحاني في البرلمان الإيراني عن ضرورة الالتزام بتوجيهات المرشد الأعلى، وبعد يوم واحد فقط من حضور الرئيس روحاني البرلمان، أشاد السيد الخامنئي بضبط النفس والهدوء والرصانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، وتحدث عن حصول روحاني على أصوات أكثر من 23 مليون ناخب إيراني في الانتخابات الأخيرة.
وخلافاً لما تناقلته وسائل إعلامية التي يبدو فيها أن طهران متحفزة للدخول في مفاوضات والوصول إلى حل في ما يخصّ ببرنامجها النووي، فإنها ما تزال متمسكة ببنود الاتفاق الأخير، واعتبرت أن التفاوض مع أمريكا فيما يخص برنامجها الصاروخي بالاتفاق النووي خطاً أحمر.
مواقف الطرف الأمريكي من التفاوض
تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب متلفز عن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران قائلاً: “إن الذي يزعم بأنه يرغب في التفاوض عليه أن يدرك أن للمفاوضات أصولاً ومبادئ، وأن أول مبدأ لها هو المصداقية”، وتابع الرئيس حسن روحاني “أن هذه التصريحات من جانب ترامب قد تهدف لغايتين: الأولى: أنه قد يكون يهدف منها تشكيك الشعب الإيراني في قيادته ونظام بلده من خلال الحرب النفسية، والأخرى: أنه يهدف لتحقيق مكاسب انتخابية لحزبه في الانتخابات المقبلة للكونغرس الأمريكي”.
جذور الأزمات الاقتصادية في إيران تمتد إلى ما قبل الثورة الإسلامية
يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن جذور الأزمات الاقتصادية في إيران تمتد إلى ما قبل الثورة الإسلامية، فقد ذكر الرئيس روحاني قائلاً: “إن جذور الكثیر من المشكلات الاقتصادية لا تعود لهذه الحكومة أو التي سبقتها، بل ربما قد تعود إلى ما قبل الثورة، لكن نحن في الحكومة الحادیة عشرة اتخذنا الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار سوق العملات الأجنبیة؛ وبالفعل تمكّنا من ذلك، وإن الشعب كان واثقاً كل الثقة من تحسن الوضع الاقتصادي، لكن الاحتجاجات التي اندلعت قبل أشهر في إحدى المدن والتي تخللتها بعض الدعوات إلى الفوضی إلى جانب التهدیدات التي أطلقها ترامب للتأثیر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، هي التي أثارت القلق بین الشعب وظهور بعض المشكلات الاقتصادیة”.
المواجهة الجديدة
يرى الساسة الإيرانيون أن مواجهتهم الجديدة أفضل حالاً من سابقاتها، حيث تخوض واشنطن جولتها المتجددة منفردة، بينما الأقطاب الدولية الباقية ليست معنية في هذه المرة بالانخراط في إجراءات العقوبات الأميركية. هذا ما حاول الرئيس حسن روحاني التعبير عنه في خطاب، حيث لفت إلى أن “الصين وروسيا أعلنتا، وبكل صراحة، أنهما ستقفان بوجه الضغوط الأميركية، وأنهما عازمتان على الحفاظ على الاتفاقيات الموقّعة مع إيران”. وأشار روحاني إلى أهمية تعزيز العلاقات مع الدول الآسيوية، وأننا في الوقت نفسه نتطلع إلى علاقات أوثق مع دول الاتحاد الأوروبي، وهي إشارة منه إلى حرمان واشنطن من فرصة الاستثمار في الضغط على الأوروبيين من جهة،ومن جهة أخرى إشعار الأوروبيين بأن موسكو وبكين الشريك الاقتصادي والتجاري الأكثر أهمية في السوق الإيراني؛ مما يوحي بأن هناك بدائل جاهزة، ليشجع هذا بدوره وقوف الاتحاد الأوروبي بوجه ضغوط واشنطن لعدم التفريط بالمصالح مع طهران. وبين روحاني أن موقف الدول الأوروبية من الناحية السياسية جيداً، ولكن مشكلة هذه الدول تكمن في شركاتها التي تتعرض لضغوط أميركا والعقوبات؛ ومن هنا فإننا ما زلنا ننتظر الإجراءات العملية من الجانب الأوروبي”.
وخلال الاجتماع الأخير الذي عقد بين إيران والدول الأربع،مجموعة (4+1)جرت مباحثات على مستوى الوزراء على هامش اجتماع الامم المتحدة، قالت موغريني إن المشاركين في الاجتماع أكدوا على التطبيق الكامل للاتفاق النووي، وإيجاد حلول للمشكلات.
من جهته أكد وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف التزم بلاده بنحو كامل بتطبيق الاتفاق، وإن المشاركين في الاجتماع أكدوا حق إيران في بيع نفطها، وكان هناك ترحيب بإقامة القنوات بين الدول المشاركة وإيران من أجل استمرار الصادرات الإيرانية.
وأعلنت موغيريني أنّ “الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستنشئ كياناً قانونياً لتسهيل المعاملات المالية القانونية مع إيران”، إذ يعني انعطافاً إيجابياً تجاه إيران من الشركاء الأوروبيين.
إن كبرى الشركات الأوروبية يساورها القلق تجاه القرارات التي قد تتخذ ضد إيران، لكن تعتقد هذه الشركات بأن هناك إمكانات كبيرة في السوق الإيرانية، التي يمكن للمستثمر الأجنبي من الاستثمار فيها وتحقيق عائد كبير منها، ومن هذا المنطلق -وبسبب تنوع التعاون الاقتصادي ونظرة الشركات الأوروبية والآسيوية الخاصة تجاه إيران- يبدو أن التطورات السياسية لا تترك تاثيراً يذكر على اقتصاد إيران كما تريده الولايات المتحدة.
الخاتمة
هناك توقعات في الداخل الإيراني من الرئيس روحاني أن يكون مهتمّاً بالجانب الاقتصادي أكثر من أي وقت، وأن يتوافق في توجهاته فيما يخصُّ بالسياسة الخارجية مع المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران؛ لذا ستكون مهمة روحاني صعبةً في تحقيق مطالب الداخل الإيراني في ظل الظروف المواتية.
ويرى بعض خبراء الاقتصاد الإيراني أن المشكلات الاقتصادية التي تواجهها إيران ناجمة عن سوء الإدارة بشكل أكبر من العقوبات الأمريكية.وخلال شهر آب الماضي، أطاح البرلمان الإيراني بوزيرين من الكتلة الاقتصادية، هما وزير الاقتصاد والمالية، مسعود كرباسیان، بعد استجوابه حول أدائه تجاه الظروف الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ووزير العمل علي ربيعي لأسباب مشابهة.
المصادر:
1- روحانی: دولت استعفا نمیدهد/رهبر انقلاب گفتند هرچه سران قوا تصویب کردند من حمایت میکنم (روحاني: الحكومة لا تستقيل/ قال قائد الثورة إنني أؤيد كل ما وافق عليه روساء القوى الثلاث) – http://tn.ai/1762336
2- روحانی: ایرانیها مقابل فشار بیرونی به مقاومت سرسختانه روی میآورند (لن ترضخ للضغوط الأمريكية وستحافظ على كرامتها، وستقاوم الولايات المتحدة) – http://www.irinn.ir/fa/news/627915
3- سئوال مجلس از رئیس جمهوری ایران؛ نمایندگان از پاسخهای روحانی قانع نشدند (جلسة استجواب الرئيس روحاني في البرلمان الإيراني) –http://www.bbc.com/persian/iran-45327598
4-خامنهای از پاسخهای روحانی به مجلس حمایت کرد ( أشاد المرشد الاعلى في إيران السيد علي الخامنئي بأداء الرئيس الإيراني حسن روحاني) – https://www.dw.com/fa-ir/iran/a-45276015
5- حسن روحانی در واکنش به پیشنهاد ترامپ: مذاکره همزمان با تحریم معنایی ندارد )روحاني: لا معنى للتفاوض في ظل العقوبات(- https://fa.euronews.com/2018/08/06/rouhani-tv-speach-on-us-sanctions
6- نخستین بیانیه مشترک ظریف و موگرینی پس از برجام (بيان مشترك: الدول الخمس تؤكد تمسكها بالاتفاق النووي مع إيران) –https://fa.alalam.ir/news/3797836/