يوجد في جمهورية العراق -بما في ذلك إقليم كردستان العراق- العديد من حقول النفط التي يمكن استثمارها بسهولة، كان إقليم كردستان العراق قد نجح بنحوٍ خاص في هذا المجال، وﺑﺪء تطوير قطاع اﻟﻨﻔﻂ واﻟﻐﺎز ﻓﻲ ﻋﺎم ٢٠٠٦، ووقع أكثر ﻣﻦ ٥٠ ﻋﻘداً ﻟﻤﺸﺎركة اﻹﻧﺘﺎج ﻣﻊ ﺷﺮكات ﻧﻔﻂ دوﻟﻴﺔ. وكان الشركاء المتعاقدون -في البداية- شركات نفط صغيرة مثل غولف كيستون، وجينيل، وويسترن زاغروس. وقد اكتشفت شركة غولف كيستون حقل شيخان العملاق الذي تقدر احتياطاته بـ 14 مليار برميل نفط (تم تعديل ذلك تنازلياً)، وهو واحد من أكبر الاكتشافات النفطية في العالم منذ أكثر من 20 عاماً. ودخلت شركة إكسون موبيل -في عام 2012- مجال العمل في الإقليم كأول شركة دولية كبرى، تلتها شركات شيفرون، وتوتال، وغاز بروم.
وتقدر وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان أن الاحتياطات تصل إلى 45 مليار برميل نفط، و177 تريليون متر مكعب من الغاز. ولو أن إقليم كردستان اﻟﻌراق كان دوﻟﺔ ﻣﺳﺗﻘﻟﺔ، لكان مجموع احتياطاته من النفط واﻟﻐﺎز سيضعه بين أكبر عشر دول غنية بالنفط ﻓﻲ العالم.
وما يزال الخلاف محتدماً بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية ﻓﻲ ﺑﻐداد على إدارة النفط اﻟذي يُنتج ﻓﻲ الإقليم ﺑﻣﺳﺗوى إﻧﺗﺎﺟﻲ يقدر حالياً ﺑـ 550،000 برميل يومياً. وقد منعت الحكومة المركزية، في -هذا السياق- تزويد حكومة الإقليم بمدفوعات الميزانية الاتحادية المخصصة لها، وواصلت نشاط صادراتها النفطية المستقلة إلى تركيا؛ وقد أدى انخفاض أسعار النفط العالمية والحرب ضد تنظيم داعش من قبل قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي إلى بروز أزمة مالية حادة في إقليم كردستان العراق.
وقد بدأت الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العمل المشترك مرة أخرى لتصدير النفط الخام من حقول كركوك إلى ميناء جيهان في تركيا، وواصل الطرفان التفاوض من أجل التوصل إلى صفقة شاملة لتقاسم العائدات بصيغة تشمل احتياطات النفط والغاز في العراق، ولكن دون نجاح يذكر حتى الآن.
وحدث في العام 2017 -بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال العراق- أن تم تحرير الموصل، وتراجع وجوده في شمال العراق بنحوٍ كبير؛ غير أن هذا الأمر لم يحقق الاستقرار المنشود في المنطقة، وما يزال الخلاف قائماً بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بشأن الاحتياطيات النفطية، وحقوق الإقليم في تصدير النفط الخام بنحوٍ مستقل عن بغداد وشركة النفط الوطنية العراقية (سومو).
هناك صراعٌ دائر داخل إقليم كردستان العراق، فقد انتهت مدة ولاية مسعود البارزاني رئيساً للإقليم رسمياً في 20 آب 2015، في ظل عدم وجود إطار قانوني مقبول للأحزاب السياسية المختلفة من شأنه أن يسمح بإجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحالي. وكان برلمان كردستان قد أقر استمرار البارزاني في منصبه إلى حين إجراء الإنتخابات الرئاسية، بينما تطالب الأحزاب السياسية المعارضة بتعيين رئيس مؤقت من قبل البرلمان؛ وأدى هذا الصراع إلى عدم انعقاد برلمان كردستان لمدة عامين تقريباً، مما ساعد في إذكاء حدة الصراع الداخلي بين مختلف الأطراف السياسية.
وقد عانت حكومة إقليم كردستان من سنة متعثرة جداً ﻋﺎم 2016، إذ تأخرت عن تسديد الدﻓﻌﺎت إﻟﻰ شركات النفط العالمية العاملة هناك، فضلاً عن تكبدها تكاليف العمليات العسكرية ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﻮﺻﻞ. وقد اﺗﺨﺬت الحكومة ﻓﻲ ﻋﺎم 2017 ﺧﻄﻮات رﺋﻴﺴﺔ ﻟﺘﺼﺤﻴﺢ اﻟﻮﺿﻊ وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺜﻘﺔ الدولية بالإﻗﻠﻴﻢ، وتوصّلت إلى اتفاقات تسوية مع العديد من شركات النفط العالمية. وأُبرمت اتفاقات مع شركة روزنفت الروسية -على الرغم من اعتراضات الحكومة المركزية في بغداد- لإدارة خط الأنابيب المتوجه إلى تركيا وتطويره، فضلاً عن اتفاقات للتعاون في سلسلة لإنتاج النفط بالكامل، بما في ذلك استكشاف خمسة حقول أخرى وتطويرها، بنحوٍ يشمل الإنتاج والخدمات اللوجستية. وقد وافقت شركة روزنفت على التمويل المسبق للنفط الخام الكردي، وهو ما سيساعد إقليم كردستان اﻟﻌراق على القيام مزيد ﻣن التطور والاستفادة ﻣن النفط واﻟﻐﺎز المنتج بنحوٍ مستقل ﻋن ﺑﻐداد.
أما من الناحية السياسية، فقد أقرّت حكومة إقليم كردستان اﻟﻌراق -ﺑﻌد نشاطها الرائد ﻓﻲ تحرير كركوك والموصل، ونجاحها ﻓﻲ تطوير قطاع النفط واﻟﻐﺎز- عقد استفتاء للاستقلال ﻓﻲ 25 أيلول 2017. وبينما لم يكن المقصد أن الإقليم سينفصل فوراً عن العراق، فإن ذلك سيعطي كردستان قاعدة معنوية ودعماً شعبياً في أي مفاوضات مستقبلية مع بغداد بشأن النفط والغاز في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال العراق، ولاسيما الموقف الداعم لهم في كركوك.
ويبقى أن نرى إذا كان بإمكان مختلف الأطراف المعنية، ولاسيما حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، فضلاً عن الأطراف الداخلية الكردية، إيجاد حل مقبول للطرفين لتحقيق السلام والازدهار في عموم العراق.