يمثّل حلف شمال الأطلسي (الناتو) منظومة أمنية استراتيجية لها ثقلها العالمي لما يمتلكه من قوة وقدرات استراتيجية، فضلاً عن الإمكانات العسكرية للدول الأعضاء كالولايات المتحدة والدول الأوربية إذ يبلغ عدد الأعضاء 29 دولة. ويشارك الناتو بالعديد من العمليات في مجال مكافحة الإرهاب في العراق، ومنها دخوله بالتحالف الدولي ضد داعش الذي كان له أثر كبير في عمليات مكافحته، حيث شاركت 23 دولة من أعضاء الناتو في جهود التدريب والدعم العسكري للعراق من خلال تقديم المنح المالية والتمويل العسكري والمعدات؛ إذ إن الحلف يعدّ العراق (الشريك الاستراتيجي في الشرق الأوسط)، فالناتو عمل على تطوير العلاقات الاستراتيجية مع العراق التي تجلت بدايةً من البعثة التدريبة التي تعرف اختصاراً بـ(NTM-I) التي بدأت فعلياً من العام 2004، حيث دُرِّب أكثر من 15,000 الف ضابط عراقي.
أولاً: مراحل تطور العلاقة الاستراتيجية بين العراق والناتو
كانت بداية العلاقة الاستراتيجية بين العراق وحلف الناتو في عام 2004، وتحديداً في قمة إسطنبول بعقد عدة بروتكولات للتعاون العسكري المشترك التي تشمل تدريب القوات الأمنية العراقية ولاسيما القوات الخاصة، فضلاً عن دور الناتو في رفع مستوى القوات الأمنية (الجيش والشرطة).
وفي عام 2011، وافق حلف الناتو على منح العراق صفحة عضو استراتيجي، وتم توقيع برنامج الشراكة والتعاون الفردي المتفق عليه بنحوٍ مشترك في عام 2012؛ مما وفر إطاراً للحوار السياسي والتعاون الاستراتيجي، وفي عام 2012 أصبح العراق دولة شريكة للحلف الناتو حيث عُدَّ العراق شريكاً استراتيجياً، ويقع على عاتق هذه الشراكة تكثيف التعاون العسكري من أجل رفع القدرات العسكرية الاستراتيجية للعراق، وتطورت العلاقة في قمة الناتو لعام 2014، إذ أعرب أعضاء الحلف عن استعدادهم للنظر في اتخاذ تدابير مع العراق في إطار مبادرة بناء القدرات الدفاعية والأمنية ذات الصلة التابعة لحلف الناتو، على هامش زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى مقرّ الحلف في بروكسل الذي طلب فيها زيادة التعاون العسكري وحجم المساعدات العسكرية للقوات العراقية في الحرب ضد داعش آنذاك؛ وبناءً على طلب الحكومة العراقية وافق الناتو في عام 2015 على حزمة من إجراءات بناء القدرات الدفاعية لتقديم المساعدة في عدد من المجالات العسكرية ذات الأولوية، حيث قدم خدمات تكتيكية كانت في طليعتها تدريب وحدات من قوات العمليات الخاصة العراقية وقد أعلن الناتو عن مبادرة أطلق عليها فريق التمركز الاستراتيجي لتدريب القوات العراقية ورفع من جاهزيتها ولاسيما بعد حملة القوات العراقية ضد تنظيم داعش، حيث عمل الناتو على تكثيف التدريب العسكري، وتطوير قدرات القوات الأمنية في مجالات أخرى كرفع الألغام ومكافحة المتفجرات.
وفي قمة حلف الناتو لعام 2016 قرر قادة الحلفاء تقديم دعم مباشر للتحالف الدولي ضد داعش من خلال طائرات المراقبة وطائرات التزود بالوقود التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ووافقوا على زيادة تدريب قدرات جهاز مكافحة الإرهاب وبنائه. وفي العام 2017، تم تأسيس فريق أساس مشترك يتكون من عناصر من الاستخبارات وعسكريين عراقيين في مقر حلف شمال الأطلسي في بغداد لتنسيق أنشطة التدريب، وبناء القدرات لدعم قوات الأمن العراقية ومؤسساتها.
يعمل حلف الناتو والعراق في إطار حوار استراتيجي وتعاون عملي يهدف إلى تطوير قدرات قوات الأمن العراقية ومؤسساتها الأمنية والدفاعية وأكاديميات الدفاع الوطني، ولاسيما بعد هزيمة داعش في العراق واستعادة السيطرة السيادية على جميع أراضيه في أواخر عام 2017، فضلاً عن رفع مستوى التدريب، وتقديم المشورة للجهود في العراق بناءً على طلب الحكومة.