المزيد

    إعادة تدوير مياه الصرف الصحي للاستفادة في الزراعة والبناء

    إن إعادة التدوير هو مصطلح يختصّ عادةً بالنفايات، كإعادة تدوير علب الألمنيوم، والزجاجات، والصحف، وغيرها، ولكنه أيضاً يشمل إعادة تدوير المياه، أي: إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها لأغراض مفيدة، مثل: الري الزراعي، والمناظر الخضر، والعمليات الصناعية، والبناء، وغيرها، حيث تعطي إعادة تدوير المياه وفرة في الموارد والمال.

    وتتطلب المياه المعاد تدويرها للري معالجةً أقلّ من المياه المعاد تدويرها للشرب، وهناك بعض الدول مثل أستراليا وسنغافورة وبعض الولايات الأمريكية تستخدم هذه المياه في الشرب، ولم يبلّغ حتى الآن على أي حالات موثقة تخصّ المشكلات الصحية.

    وفي بعض الولايات الأمريكية تستخدم أنظمة إعادة تدوير المياه غير القابلة للشرب في الولايات القاحلة مثل تكساس، ونيفادا، أما في الولايات المطرية مثل فلوريدا فتجمع مياه الصرف الصحي من قبل البلدية وتُعالج للاستخدام في الزراعة، والمناظر الطبيعية، وري الملاعب.

    ويعاني العراق اليوم من ازدياد حالات الجفاف، وربما قد يصل الأمر إلى نضوب المياه الجوفية، لذا على المؤسسات الحكومية المعنية الاستفادة من تكنولوجيا معالجة مياه الصرف الصحي، ففضلاً عن الري الزراعي، يمكن استخدام المياه المعاد تدويرها لتنظيف الشوارع، ومكافحة الحرائق، وإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية، والتجهيز الصناعي، والغسيل التجاري، والبناء.

    ولا يخفى على الجميع أن العراق يواجه ضغوطاً خطرة فيما يخص المياه بعد الجفاف الأخير، وانخفاض مستوى نهري دجلة والفرات وروافدهما، مع توقع خبراء المياه زيادة معدلات الجفاف في المستقبل، وزيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني؛ لذا فإن قرار اللجوء إلى إعادة الاستخدام الصالح للمياه يعدُّ حلاً ممكناً، ويمكن تحقيق ذلك عبر إنشاء نظام يعمل على حقن مياه الصرف التي عولجت في إمدادات المياه، وبدلاً من صبها في أماكن مخصصة للتخلص منها فإنه يمكن ري المناظر الطبيعية، أو تحويلها إلى مياه شرب من خلال نظام تنقية المياه، كما هو الحال في سنغافورة التي لديها بالفعل نظام لإعادة استخدام المياه يوفر نحو ٣٠% من مياه الشرب.

    إن عملية إعادة الاستخدام موجودة بالفعل، وتنمو في أستراليا وبعض الدول الأوروبية، والأفريقية، فدولة ناميبيا الواقعة في الجنوب الأفريقي تفتخر بامتلاكها أول منظومة رئيسة لإعادة استخدام المياه الصالحة للشرب في العالم. وقد كافحت سنغافورة -التي لا توجد فيها طبقات مياه جوفية طبيعية-؛ من أجل توفير إمدادات مياه مستدامة لسكانها لعقود من الزمن، وفي عام ٢٠٠٣ افتتحت أولى مصانعها لإنتاج مياه الشرب المعاد تدويرها التي عولجت بتقنيات عالية.

    ويقول الخبراء إن تقنيات إعادة الاستخدام أثبتت فعاليتها، وإن محطات المعالجة يمكن أن تحوّل مياه الصرف الصحي إلى مياه نظيفة صالحة للشرب، غير أن إعادة استخدامها مكلفة أيضاً، إذ تتطلب أنظمة إعادة استخدام مياه الشرب درجة عالية من المعالجة.

    وكانت الوكالة الإقليمية لمكافحة التلوّث في إحدى مقاطعات ولاية كاليفورنيا قد أقامت مشروعاً لاستخدام ٢٠ مليون متر مكعب من المياه المعاد تدويرها من المدن المجاورة للأراضي الزراعية لري ٥٠٠٠ هكتار من محاصيل الخضروات، بعد أن كانت تلك المناطق تستخدم المياه الجوفية.

    لقد نُفّذت مشاريع ناجحة لإعادة تدوير المياه في العديد من البلدان، وقد أثبتت هذه التجارب جدوى إعادة استخدام المياه على نطاق واسع، ودورها في الإدارة المستدامة لها، وأثبتت تجارب المشاريع والدراسات الصحية الشاملة إمكانية استخدام المياه المعاد تدويرها لتكملة إمدادات مياه الشرب.

    ويمكن للمنهج المتكامل في تخطيط المياه والصرف الصحي ومياه السيول أن يحدد الفرص غير الواضحة عند وضع استراتيجيات منفصلة لكل خدمة؛ والنتيجة هي حلول أكثر تكاملاً وأكثر استدامة، ووفورات كبيرة في التكاليف للمجتمعات المحلية، وإن إجراءات الحفاظ على المياه وإعادة تدوير المياه هما العنصران الرئيسيان في التخطيط المتكامل للمياه في المناطق الحضرية.

    ويؤدي استصلاح أو إعادة تدوير المياه في المقام الأول إلى جعل مياه الصرف (غير الصالحة للشرب) مفيدة؛ وبالتالي توفير التكاليف الاقتصادية والبيئية الخاصّة بإنشاء إمدادات مائية جديدة، وإن إعادة تدوير المياه، وإعادة استخدامها هي عملية جمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها واستخدامها، ولاسيما من البلديات والمناطق الصناعية والزراعية.

    وتعدُّ الإجراءات المؤسسية الجيدة أمراً أساسياً لمشاريع إعادة تدوير المياه الفعالة، فهي تضمن اتباع نهج منسق بين المؤسسات المسؤولة عن معالجة المياه وإعادة استخدامها. وتؤدي -غالباً- حملات إذكاء الوعي بشأن إعادة تدوير المياه وإعادة استخدامها دوراً مهماً؛ لضمان المشاركة العامة من الذين قد يكونون في البداية متشككين في استخدام مياه “النفايات” المعاد تدويرها.

    إن من أبرز فوائد إعادة تدوير المياه ما يأتي:

    – تحتفظ بمياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها، بدلاً من تصريفها بنحو قد تسبب تلوثاً.

    – توفّر الطاقة اللازمة لاستخراج المياه العذبة أو نقلها إلى المنطقة.

    – تعيد شحن المياه الجوفية، وتُجنّب تدهور موارد المياه العذبة وتملحها.

    – تزيد من توفير المياه للمناطق القاحلة.

    – توفر مصدر مياه يمكن الوصول إليه بسهولة للقطاعات الاقتصادية، والصناعية، والزراعية، وتعزّز التنمية الاقتصادية، والإنتاج الغذائي.

    – تحسّن نوعية الزراعة من خلال استخدام المغذيات القيمة المستخرجة من مياه الصرف الصحي.

    وهناك جملة فرص يمكن الاستفادة منها:

    – التكيّف مع تغيّر المناخ.

    – تكنولوجيا منخفضة التكلفة نسبياً مقارنة ببدائل مثل الاستخراج والنقل. وقد أُنشِئت مشاريع ناجحة لإعادة استخدام المياه في كلّ من البلدان المتقدمة والنامية، بما في ذلك المناطق شديدة الجفاف.

    أما أهم العقبات فتتمثل بما يأتي:

    – هنالك مخاطر صحية عند التعرض لمياه الصرف الصحي المعالجة بنحو غير كاف.

    – رأي الجمهور العام هو عدم تقبل المياه المعادة تدويرها كونها مياه “نفايات”.

    – يمكن أن تشكل الملوثات غير المعروفة في المياه المعالجة مخاطر صحية، ويجب معالجتها.

    – إن إعادة تدوير المياه هو نهج مستدام ويمكن أن يكون فعالاً على المدى الطويل، وإن معالجة المياه المستعملة لإعادة الاستخدام وتركيب أنظمة التوزيع في المرافق المركزية يمكن أن تكون مكلفة في البداية بالمقارنة مع بدائل إمدادات المياه، مثل المياه الجوفية.

    وعلى ما تقدم يمكن أن تجعل العقبات المؤسسية، فضلاً عن اختلاف أولويات المؤسسات الحكومية، والتصور العام الخاطئ لتنفيذ مشاريع إعادة تدوير المياه أموراً صعبة، لكنْ على الرغم من ذلك هنالك مقترحات يمكن الأخذ بها من أجل تنفيذ سهل لهذا المشروع؛ إذ إنه في بادئ عملية التخطيط يجب على المؤسسات الحكومية التواصل مع الجمهور العام للتعامل مع أي مخاوف، وإبقاؤهم على اطلاع ومشاركة في عملية التخطيط. ومع تزايد الطلب على الطاقة المائية والاحتياجات البيئية، فإن إعادة تدوير المياه ستؤدي دوراً أكبر في إجمالي إمدادات المياه. وبالعمل معاً يمكن التغلب على العقبات وبذا من الممكن إعادة تدوير المياه والحفاظ عليها.


    المصادر:

     Water recycling and reuse, http://www.unepdhi.org/publications

    • The environmental benefits of water recycling and reuse, Dept. of Public Works and Services, 2-24 Rawson Place, Sydney.
    • WATER RECYCLING AND REUSE: THE ENVIRONMENTAL BENEFITS, United States Environmental Protection Agency, Water Division Region IX – EPA 909-F-98-001
    أحمد حسن علي
    أحمد حسن علي
    حاصل على درجة البكالوريوس في الإحصاء من جامعة الموصل، وبكالوريوس في علوم الكمبيوتر من جامعة دبلن، ودبلوم عالي من معهد دبلن للتكنولوجيا، وتشمل اهتماماته الأكاديمية والتحليلية عن السياسة والاقتصاد في تركيا ودول الخليج.