محمّد علي دستمالي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، موقع الدبلوماسية الإيرانية.
يسعى أردوغان -باعتماده سلاح “الشعبية” التي يمتلكها، وكذلك من خلال تأكيده على الشرعية التي تتجدد دوماً مع أصوات الناخبين- إلى دفع المنافسين لزاوية الحلبة، وفي الوقت نفسه يحرص على بقاء النّاس في المسرح السياسي.
لَمْ يبقَ أكثر من شهرٍ على الإجراء المتزامن للانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا، ومع ذلك نجد المرشحين والأحزاب يتصرفون بطريقةٍ كأن الانتخابات ستُجرى غداً. وهذا هو الوجه الواقعي والعيني التركي؛ فعلى الرغم من أنّ الاحصائيات والتحليلات الاقتصادية تشير إلى أنّها تسير في طريق التنمية، ولكن المجتمع التركي قد تسيَّس وتكتَّل إلى حدّ كبير، وصارت كلّ كتلة توالي وجهاً سياسياً، حتّى أصبحت أهميّة أخبار الانتخابات والتنافس الحزبي كأهميّة الخبز والقوْت اليومي للمواطنين.
هل يُعَد هذا الأمر أمراً سيئاً بحدّ ذاته؟ نعم؛ لا شكّ في أن مثل هذا الوضع سينتهي على المدى القصير إلى صالح الحزب الحاكم والشخصيات المتنفذة في عالم السياسة والاقتصاد والإعلام، ولكن على المدى البعيد لا يُحقق مثل هذا الوضع أيّ مصلحةٍ لأيّ من الأطراف. لماذا؟ لأنّ التنافس الحزبي في السنوات الأخيرة في تركيا بُني -أكثر من أيّ شيءٍ آخَر- على ما نَتَج عن السجال القائم في مجتمع ثنائي القطبيّة، وبناء على خلفيته التأريخية يتّجه هذا المجتمع نحو هيمنة الحزب الواحد.
لقد كان الكماليّون والعلمانيون بالأمس القريب يمثّلون السلطة المهيمنة في تركيا ولا ينافسهم أيّ طرفٍ آخَر، وقد أزاحوا الإسلاميين من المسرح السياسي، وكأنّ اليوم حان دور الإسلاميين المحافظين كي يصبّوا البلاء نفسه على رأس العلمانيين. وفي مثل هذه الظروف نجد أردوغان -بصفته رمزاً للحِراك المطالِب بالعدالة في التيّار المحافظ- قد ثبَّت مكانته زعيماً، ويبدو أنّه في الوقت الحاضر لا يوجَد أيّ بديلٍ آخَر يتوقَّع أن يأخذ مكانه على المدى القريب؛ ولعلّه لهذا السبب يرى بعض المحللين السياسيين أنّ إجراء الانتخابات فاقدة لأيّ معنى، وأن نتائجها واضحة من الآن. وثمّة مجموعة أخرى من المحللين يذهبون أبعد من ذلك ويرون أنّ الحزب الحاكم يمارس العنف والضغط والتزوير، وبهذه الطرق يستطيع أن يُنهي اللعبة لصالحه. ولكن الواقع يشير إلى عدم صحّة كلا التصورَين، ويؤكّد بُعد هذين الرأيَين عن الواقع التركي الراهن، لأنّ الانتخابات في تركيا ما تزال مهمّة، وأنّ أنصار أردوغان لم يبلغوا ذلك القدر الذي يجعله لا يقلق من مسألة عدم الفوز. ففيما لو كانت الانتخابات وعملية الوصول للسلطة من خلال أصوات الشعب عديمة الأهميّة لما استعجل “أردوغان” و”باغجلي” في تغيير تأريخ الانتخابات، ولما اتّخذوا مثل هذه الخطوة. وإنّ أردوغان يعلم جيّداً بأنّ العُرف السياسي والحزبي والاجتماعي في تركيا يقول إنّ مسألة الخضوع لأصوات النّاس بالغة الأهميّة لكلّ الأحزاب والتيارات السياسية، وعليه أنْ يُثبت دوماً بأن الحزب الذي يتزعّمه قادر على العمل بقوّة في ميدان المنافسة.
والقضيّة الأخرى بهذا الصدد خاصّة بالمجلس الأعلى للانتخابات في تركيا، إذ إنّ الجوانب القانونية والفنيّة والأمنية في هذا المجلس، وكذلك آلية التصويت، وعدّ الأصوات وفرزها في 81 محافظة في أرجاء تركيا تُدار بطريقةٍ لا تسمح بحدوث أيّ تزوير وتغيير في الانتخابات. فضلاً عن أن أجهزة الإعلام في تركيا أصبحت أكثر تأثيراً وانتشاراً، وأنّ نشاط المواطنين الأتراك في العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي يتيح إمكانيات جيّدة لمواجهة أيّ خداعٍ وتزويرٍ قد يحدث؛ ولهذا السبب أيضاً نجد أردوغان باعتماده سلاح “الشعبية” التي يمتلكها، وكذلك من خلال تأكيده على الشرعية التي تتجدد دوماً مع أصوات الناخبين، يسعى إلى دفع المنافسين لزاوية الحلبة، وفي الوقت نفسه يحرص على بقاء النّاس في المسرح السياسي، لتنفيذ ما ينوي يعتمد الإمكانيات والأدوات المتاحة بطريقةٍ صحيحة من طريق الآتي:
أ- الخطابات المستمرّة والحضور الميداني بين كلّ الطبقات الشعبية.
ب- الدوائر والملاكات الحزبية القويّة في حزب العدالة والتنمية الناشطة في 81 محافظة تركية، التي تؤدّي دوراً إعلامياً ودعائياً واسعاً في المدن والنواحي والقُرى كلّها في أرجاء تركيا، ومن بيتٍ إلى بيت!
ج- استغلال أداة دعائيّة مهمّة ومؤثّرة، ألا وهي المشاريع الاقتصادية والبناء، التي يمكن أن نعدّها حقّاً السمة الأبرز في سلوك حزب العدالة والتنمية.
د- تحفيز القوميين الأتراك وخلق مناخٍ سياسيّ يلتقي فيه الإسلاميون الأتراك مع القوميين في نقاط واحدة ومشتركة مثل الحفاظ على حيوية التيّار المحافظ، ومحاربة حزب العمال الكردستاني الـ”ب.ك.ك”، والتصدّي للمساعي الانفصالية، ومحاربة أنصار فتح الله غولن، والتصدّي لمخططات الانقلاب العسكري. ففي مثل هذا المناخ استثمر أردوغان بنحوٍ واسع الإمكانات والقوّة الإعلامية المتاحة لتوسيع شعبيته، فعلى سبيل المثال اتّخذ من العمليات العسكرية التي شنّها على عفرين، واحتلال هذه المدينة الكردية في شمال سوريا ملحمةً وطنيّة وجعلها في أذهان الأتراك مصداقاً على محاربة الإرهاب، واعتمدها وسيلة لاستقطاب مزيد من الأصوات في الانتخابات. ويستعين أردوغان في رسم السياسات والخطابات وتحديد الشعارات الرئيسة بخلايا تفكيرٍ ومراكز بحثٍ وأجهزة إعلام، ويعتمد شخصيات أكاديمية ومنظرين. ولكنّه في مجال التنافس الحزبي يعتمد النشطاء والأعضاء الحزبيين، فمن خلال افتتاح العديد من المشاريع الاقتصادية الكبيرة، وتحسين أداء مديريات البلدية التي تكون تحت إمرته يحافظ على رضا أنصاره.
وجرت الإشارة إلى أنه لا يمكن حدوث تزوير في الانتخابات التركيّة، وأن أردوغان لا يسعى إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الخطيرة، ولكن هل هذا يعني وجود فضاء عادل ومتساوٍ للتنافس الانتخابي؟ بالتأكيد لا، لأنّ الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) يعتمد غالباً الموارد الحكومية وأجهزة الإعلام الوطنية لتحقيق أهدافه، إذ أنتج ماكنة إعلامية ضخمة، وصعّب الأمور كثيراً على سائر أجهزة الإعلام. فضلاً عن ذلك فإن الأدبيات الهجومية في خطاب أردوغان وأعضاء فريقه التي يستعملونها ضدّ المنافسين والمخالفين هي مصداق على السلوك غير اللائق، ودليل على الابتعاد عن الأصول الأخلاقية. فعلى سبيل المثال يصف أردوغان بكلّ صراحة حزب الشعب الجمهوري التركي (CHP) بحاوية النفايات، ويشنّ هجماته على منافسيه بلغةٍ سوقية وغير مهذّبة، وفي مواقف كثيرة يصف مخالفيه ومنافسيه بالتبعيّة لغولن والقوى الخارجية من دون أنْ يستند إلى أيّ وثيقةٍ تؤكّد زعمه. وعلى أيّ حالٍ فإن أردوغان في هذه الدورة الانتخابية بعد تحالفه مع حزب الحركة القومية (MHP) بزعامة “دولت باغجلي” نال مزيداً من الثقة بالنفس، ولم يقتصر هدفه على الفوز، بل يريد تحقيق فوز ساحِق وهانئ، أي أنْ يجرّب الفوز في الانتخابات في مرحلةٍ واحدة، وأنْ يُقصي الأحزاب المخالفة والمنافسين إلى الحاشية أكثر من قبل.
وللمزيد من الحديث عن طبيعة التنافس الانتخابي التركي نقف على خمسة منافسين لمنصب رئاسة الجمهورية، ونبدأ بحسب عمر هؤلاء.
تَمَل کاراملّا أوغلو
ولد هذا السياسي الذي يبلغ من العمر 77 عاماً، في مدينة “قهرمان مرعش”، ولكن أصله من محافظة “سيواس”. ويُعَد “تمل كاراملا” أحد أقدم تلامذة “نجم الدين أربكان”، وقد درس هندسة النسيج في جامعة مانشستر البريطانية، وفور عودته من بريطانيا انضمّ إلى حلقة تلامذة البرفسور نجم الدين أربكان، ودخل البرلمان نائباً سنة 1977. وعلى أعقاب الانقلاب العسكري في سنة 1980 مُنِعَ من النشاط الحزبي والسياسي لبضعة سنوات، -وحين كان رئيساً لبلدية سيواس في سنة 1993- حدث حريق كبير في فندق مادماك أدّى إلى مقتل 35 شخصاً، وقد أصبحت هذه الحادثة فيما بعد في الأدبيات السياسية التركية يُعبَّر عنها بمجزرة مادماك؛ ويرى مراقبون ونقّاد أنّ تصريحات مدير البلدية ومواقفه السياسية إزاء إبادة المثقفين العلويين في هذا الفندق، ما كان فيها أيّ نوعٍ من الحزم، بل حتّى أنّه لم يستنكر ولم يشجب هذه الحادثة.
لقد بقي “تمل كاراملا” في صفوف تلامذة أربكان ومن المدافعين عن أفكاره، ولم يصبح كعبد الله غول وأردوغان وآخَرين الذين فصلوا طريقهم عن أستاذهم القديم، وقد تولّى قبل بضعة أشهر زعامة حزب السعادة التركي.
ومن خلال الموقع الراهن الذي يحتلّه حزب السعادة التركي يمكن أن نتنبّأ بأن “كاراملا أوغلو” يستطيع الحصول من 1% إلى 3% من أصوات الشعب.
دوغو برینجك
ولد هذا السياسيّ التركي ذو الـ76 عاماً في محافظة “غازي عنتاب” التركيّة. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون، وألّف ونشر حتّى الآن أكثر من ثلاثين كتاباً، أغلبها في الفكر الكمالي والشيوعي.
ويُعَدُّ يرينجك أحد أقدم السياسيين المعروفين في الجبهة السياسية اليسارية في تركيا، فقد كان ينتمي منذ بداية دخوله عالم السياسة إلى التوجهات الماركسية والشيوعية، وما زال يحمل الأفكار نفسها. وقد فاز برينجك في الانتخابات البرلمانية لأربع دورات، ويتزعّم في الوقت الراهن الحزب الوطني اليساري منذ 2015.
يمكن أن نعدّ برينجك سياسياً مغامراً يطلق مزاعم كبيرة بعيدة عن الواقع، وقد كان في إحدى الحقب صديقاً مقرّباً لـ”عبد الله أوجلان”، إذ كان يزوره في بقاع لبنان، وكان بمنزلة زعيم يساري قبالة قوّات أوجلان؛ ولكنّه في السنوات الأخيرة تعاون مع جهاز الاستخبارات التركي (ميْت/MİT) وأتاح لمكتب صحيفة “أيدينليك” التركيّة المثيرة للجدل قرصاً مدمجاً يحتوي على جلسات الاستجواب السريّة مع أوجلانلتُنشَر في الإعلام، وشنّ هجمة إعلامية على قوّات الـ”ب.ك.ك” وأوجلان معاً. ولخلافه مع سياسات أردوغان ذهب إلى سوريا سنة 2015 والتقى بشّار الأسد! وبالنظر لواقع اليساريين الأتراك والحزب الوطني التركي في الوقت الراهن يمكن القول إن برينجك سيحصل في الانتخابات الرئاسية التركية على أقل من 1% من أصوات الناخبين.
رجب طيّب أردوغان
ينتمي هذا السياسي التركي ذو الـ64 عاماً إلى مدينة ريزة التركيّة، ولكنّه ولد في منطقة “قاسم باشا” في إسطنبول.
وعلى خلاف الكثير من أصدقائه وزملائه لم يُكمل أردوغان دراسته الجامعيّة في المرحلتَين الماجستير والدكتوراه، واكتفى بشهادة البكالوريوس من كلية الإدارة والاقتصاد. كان في سنة 1976 من ضمن الشباب الذين انضووا تحت مظلّة أربكان، ولم يدم طويلاً وإذا به يترأس التنظيم الشبابي في حزب “السلامة الوطني”، وتولّى من سنة 1994 لغاية 1998 رئاسة بلدية إسطنبول، وخلال هذه السنوات كان في كثيرٍ من الملفات السياسية مثل قضيّة الأكراد، من المعتمدين والمقربين لدى نجم الدين أربكان.
كان أردوغان في سنة 2001 مع مجموعة من زملائه من أمثال “عبد الله غول” و”بلنت آرنج” يسمّون أنفسهم بالمجددين أو الحداثويين، ليفصلوا طريقهم عن أربكان، وليأسسوا بعد ذلك حزب العدالة والتنمية (AKP).
إن من أهم المحاور السياسية التي اختلف فيها الجناح المحافظ مع جماعة أردوغان تتمثّل بنظرة أربكان للغرب ولحلف الناتو والدول الإسلامية، إذ يرى أردوغان وآخرون أن تأكيد أربكان المبالغ فيه على التواصل مع العالم الإسلامي والابتعاد عن الغرب لا يصبّ في مصلحة تركيا على المدى البعيد. وإن هناك خلافات أخرى على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين التيارَين، إذ لم تتوقف انتقادات أربكان لأردوغان وجماعته.
ونجد في سيرة أردوغان السياسية أيضاً عضوية في البرلمان لثلاث دورات، وتولّي منصب رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية.
لقد تركت سياساته الاقتصادية طوال السنوات الأخيرة تأثيراً واضحاً على الواقع التركي، فهو من يمتلك أفكاراً ذات طموحٍ عالٍ جدّاً، مثل تعميق النفوذ الإقليمي والدولي، والتأكيد على أهداف وثيقة 2023، وتحويل تركيا إلى إحدى الاقتصادات العشر المتقدّمة في العالم، وإبراز اسم تركيا بصفتها إحدى منتجي الطاقة، ومن الدول الرائدة في السياحة. غير أنّ النقّاد يرون أنّ سياساته وأدبياته الصاخبة واللاذعة خلقت بعض العوائق أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد يكون الأمر مستحيلاً. ويؤكّد أردوغان في خطابه السياسي وفي علاقاته الاجتماعية ضرورة الحفاظ على النمط الإسلامي والتركي في العيش، ولا يمنعه شيءٌ من أنْ يذكر سلاطين الدولة العثمانية بخير بين الفينة والفينة.
لقد نال أردوغان من خلال خطاباته الرنانّة والحماسية ولغته المحببة لدى النّاس، شعبية عالية في تركيا، ولكن في رأي النقّاد والمحللين السياسيين يمثّل فرداً مستبدّاً برأيه، ولا يطيق مخالفة زملائه وسائر أعضاء حزبه؛ مما أدى ذلك إلى أن يبتعد عنه المقربون أمثال “عبد الله غول” و”أحمد داود أوغلو”.
يمثّل أردوغان سياسياً برغماتياً، وإن تغيير المواقف السياسية والدبلوماسية لا يُعد سلوكاً غريباً فيه. وفيما يخصّ التوقعات عن نسبة فوز حزبه، فإنْ أمعنّا في مكانة حزب العدالة والتنمية في الوقت الراهن، وكذلك في دعم حليفه الآخر -أي حزب الحركة القومية- وإنْ افترضنا عدم حدوث أيّ أمر طارئ فيمكننا أن نتوقّع بأن أردوغان سيفوز في أوّل جولة انتخابية بنسبةٍ تتراوح بين 52% إلى 55% من الأصوات، وسيحصل على ولاية أخرى.
ولأردوغان أربعة من الأبناء؛ وقد لفتت ثروة إحدى أبنائه المسمّى (نجم الدين بلال) أنظار أجهزة الإعلام، وقد تلقّى انتقادات مخالفيه بسبب تكليف صهره الشاب “مراد آل بايراك” بمنصب وزارة الطاقة والموارد الطبيعية.
ميرال أکشَنار
تنتمي هذه السيّدة السياسية التركية ذات الـ62 عاماً إلى محافظة كوجالي التركية، وهي متخصصة في التأريخ والعلوم الاجتماعية، وقد تولّت لمدّة سنتَين منصب وزارة الداخلية في أيّام رئاسة “تانسو تشيلر” لمجلس الوزراء، بعد تحالف الأخيرة من أربكان.
في العام 2001 تعاونت لبضعة أشهر مع أردوغان وغول، وفي الأسابيع التي كان الأخيران مشغولَين بتأسيس حزب العدالة والتنمية، سرعان ما أعلنت انفصالها عنهما قبل أنْ يُعلن الحزب عن تأسيسه، وانضمَّت إلى حزب الحركة القومية؛ وبعد مضيّ بضعة سنوات اختلفت مع زعيم حزبها “دولت باغجلي”، إذ إن طموحها في تولّي رئاسة هذا الحزب ساقها إلى إقامة مؤتمر حزبي؛ ولكنّ باغجلي طردها مع مجموعةٍ من أنصارها، مما دعاها إلى تأسيس حزبٍ جديد سُمي بحزب (ايي) أو (حزب الخير). وريثما كان مخالفو أردوغان ينوون تقديم “عبد الله غول” بصفته الشخصية المتفق عليها لدى كلّ المخالفين، أعلنت أكشنار رفضها لهذه الخطوة، وقالت إنّها واعدت أنصارها أن تدخل بنفسها في ساحة المنافسة مع أردوغان.
ليس لحزبها الفتيّ الكثير من الأنصار، ولكن التوقعات تشير إلى أن هذه السيّدة المعروفة في الأوساط السياسية التركية تستطيع جلب جزء من أصوات القوميين والنساء، وأن تحصل على 2% إلى 4% من أصوات الناخبين.
محرم اینجه
ينتمي هذا السياسيّ ذو الـ54 عاماً إلى مدينة يالووا التركية، وكان يعمل في بادئ الأمر مدرساً للفيزياء والكيمياء، وكان من القياديين في حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وقد دخل إلى البرلمان نائباً خلال خمس دورات.
يمثّل اينجه منذ بضعة سنوات أحد النوّاب المتشددين في مناهضة سياسات أردوغان، وقد سعى لمرتَين إلى أن يستحوذ على زعامة الحزب ويُخرجها من قبضة “كمال كيليتشدار أوغلو”، ولكنّه لم ينجح.
وبالنظر لمكانة حزب الشعب الجمهوري فإن التوقعات تشير إلى أن اينجه سيحصل على نسبةٍ من الأصوات تتراوح بين 20% إلى 24%.
صلاح الدین دمیرطاش
يبلغ عمر صلاح الدين دميرطاش 45 عاماً، وهو أصغر المرشّحين سنّاً لمنصب رئاسة الجمهورية في تركيا.
ينتمي دميرطاش لمدينة “بالو” في محافظة “الازغ” ذات الأغلبية السكّانية الكردية، فهو أيضاً من الأكراد الزازا -وهي مجموعة عرقية إيرانية تتواجد في تركيا ويتكلمون اللغة الزازاكية ويتواجدون في شرق الأناضول-، وكذلك من السياسيين البارزين المنتمين للـ”ب.ك.ك” و”عبد الله أوجلان”. درس دميرطاش القانون، وعمل مع شقيقه في وقتٍ مبكّر في المؤسسات المدنية والسياسية التابعة للـ”ب.ك.ك”.
ويرى خبراء أمنيون في تركيا أن سبب نموّ الأخوَين دميرطاش هو أن كرديّاً آخَر من مدينتهم نفسها، الذي يُدعى “جميل بايك” كان الرجل الثاني في الـ”ب.ك.ك”، وهو من قرّبهم وتولّى رعايتهم. ولكنّ الواقع يشير إلى أن لـ”دميرطاش” مؤهلات فردية وشخصية بارزة، فقد أثبت في خطاباته، وفي وساطاته وسلوكه السياسي أنّه يستطيع أنْ يكون زعيماً محبوباً لدى أكراد تركيا.
بعد انتهاء مفاوضات السلام بين الـ”ب.ك.ك” وتركيا واستئناف العمليات العسكرية من جديد، ألقَي القبض على دميرطاش وزُجّ به في السجن بتهمة الترويج للإرهاب، ليُمنَع من النشاط السياسي.
وفي تنافس سابق مع أردوغان وإحسان أوغلو حصل دميرطاش على 10% من أصوات الناخبين الأتراك، وتشير التوقعات إلى أن اعتقال دميرطاش وغالب القياديين في حزبه تسبب ببعض المشكلات في إدارة حزب الشعب الديمقراطي (HDP)، وغالب الظن أن هذا الحزب سيحصل على 8% ألى 10% من الأصوات.
الخاتمة:
إن ما ورد في هذا المقال هو قراءة للظرف الراهن في التطورات السياسية والاجتماعية في تركيا، وإن المتخصص في الشأن التركي يعلم أن الظرف السياسي في هذا البلد لطالما كان مشحوناً بالمفاجئات للمحللين السياسيين، فقد نشهد نتائج متباينة عمّا كنّا نتوقَّع. وعلى الرغم من هذا فإن الشواهد تثبت بأنّ الواقع الراهن فيما لو لَمْ يواجه أحداثاً مفاجئة وغير متوقّعة، وإنْ لم يحدث أيّ تحالفٍ بين المخالفين فإن احتمال وصول أردوغان لرئاسة الجمهورية في أوّل جولة انتخابية هو أكثر من احتمال هزيمته.
المصدر: