تقدّم المناهج النيوليبرالية تفسيراً واسعاً لدور الموارد في المنافسات الإقليمية، وتعدُّ قضايا الهوية وموارد الطاقة والموارد المائية مصدراً للمنافسة في السياسة الدولية. ويؤكد منظّرو القضايا الاستراتيجية أنه في السنوات التي أعقبت الحرب الباردة، كان هناك سبب لظهور تنافسات جديدة في علاقات الدول الإقليمية والدولية، مثل: أزمة أوكرانيا، وأزمة الأمن في العراق، وسوريا، واليمن، وغيرها من بلدان المنطقة؛ فهذه كلها إحدى صراعات موارد الطاقة. وبطبيعة الحال -في ظل هذه الأزمات- ستنشأ أيضاً آثار التعاون المتعدد الأطراف على الساحة الإقليمية والدولية من حيث احتياجات إيران والسعودية المتبادلة للإيرادات، إذ يعد النفط من بين العوامل التي تساعد في تطوير التعاون في العلاقات المتبادلة بين الدول، وتعدُّ المواءمة بين العلاقات الإيرانية-السعودية في مجال دبلوماسية الموارد جزءاً من ضروريات المواقف النيوليبرالية لربط القضايا الاستراتيجية والاقتصادية.
في هذه الورقة البحثية، نحاول استخدام نهج النيوليبرالية لتحسين نمط العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية. إذ ترى النيوليبرالية أن من الممكن توسيعَ العلاقات مع المناطق الاستراتيجية من خلال التعاون الاقتصادي. والسؤال الرئيس هنا، هو: كيفية إعادة بناء العلاقات الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية؟ ولذلك، جاء البحث الحالي محاولاً الخوض في هذه الناحية، مرتكزاً إلى فرضية هل من الممكن إعادة بناء العلاقات الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية في شكل آليات اقتصاد الموارد، وتأثيرها على الدبلوماسية؟
في سنوات ما بعد الحرب الباردة، تأثرت السياسات العالمية بقضايا مثل الهوية والاقتصاد والموارد ولاسيما النفطية منها، وتعدُّ الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية من بين أكبر منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط والعالم. إذ لم تتمكن البلدان الصناعية المتقدمة في العالم من الاستغناء عن الطاقة -ولاسيما النفط والغاز- حتى مع مواصلة سياساتها التجارية الدولية، ومحاولة إقامة تكتل موازٍ للقوة الصاعدة في العالم والشرق الأوسط على وجه التحديد.
وتعدّ إمكانية استخدام نهج دبلوماسية الطاقة لإيران والمملكة العربية السعودية أمراً مهماً، حيث توافِرُ الأرضية اللازمة لأداء دور إقليمي غير مقنع، وتخلق الأسس الاقتصادية لتلاقح المصالح بين الدول. ويعدُّ اقتصاد الطاقة قضية استراتيجية في أدبيات العلاقات الدولية، والتنمية المستدامة من الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، والسياسية. بعبارة أخرى: إن دبلوماسية الطاقة هي مجموعة من سلوكيات وتفاعلات لدى بلد ما مع المجتمع الدولي، أي: إنها أداة دبلوماسية للمشاركة في مشهد دولي، والمحافظة على مكانتها في النظام الدولي.
ولدبلوماسية الطاقة قوانين هادفة طويلة الأجل تسعى إلى الحفاظ على أمن الطاقة في البلاد؛ إذ إن وجود إطار دبلوماسي قوي لكل بلد يمكن أن يحقق نجاحه في الطاقة العالمية، وهذان الهدفان أحدهما في مجال الطاقة، والآخر في مجال الأمن القومي أو المصالح الوطنية.