back to top
المزيد

    أزمة نقص الأبنية المدرسية – قراءة في فاعلية المدارس الكرفانية

    د. جبار سويس الذهبي، مدير البحوث والدراساتفي المديرية العامة لتربية الرصافة الثانية ببغداد

    ورث قطاع التعليم في العراق تركةً ثقيلةً حاولت الدولة الجديدة بعد عام 2003 بحكوماتها أن تقلل من آثارها، وتمثل مشكلة توفير الأبنية المدرسية في جميع محافظات البلاد أكثرها ثقلاً؛ فقد كشفت لجنة التربية في مجلس النواب أن العراق بحاجة إلى 6000 مدرسة من أجل سد النقص الحاصل واستيعاب أعداد الطلبة.

    ومن هنا جاءت المحاولات الخجولة للحكومات المتعاقبة؛ لإيجاد حلول للتغلُّب على هذه المشكلة المتفاقمة، ومن بين هذه الحلول بناء مدارس كرفانية في مناطق أطراف بغداد، وإضافة بعض الصفوف الكرفانية للمدارس ذات الكثافة العالية في أعداد التلاميذ، ومحاولة التخفيف من الضغط الذي يولده الدوام الثنائي والثلاثي على التلاميذ أو المعلمين أو إدارات المدارس، إذ لا يخفى ما يؤثره هذا النوع من الدوام في الوقت المخصص للدرس، بحيث يضغط الوقت حتى يصل إلى نصف ساعة في كثير من الأحيان، فضلًا عن التجاوز على استراحة التلاميذ بين الدروس (الفسحة)، وما يولده الدوام (النهاري) من إرهاق للمعلمين والتلاميذ، كونه يستنفد ما تبقت لهم من طاقة.

    اُبتُدئ العمل بمشروع المدارس الكرفانية في العام (2011)، وتبنته أولاً وزارة التربية، ثم أكملت محافظة بغداد المشروع بخط ثانٍ، ففي قواطع المديرية العامة للتربية في بغداد/الرصافة الثانية افتتحت في العام الدراسي 2012-2013 (17) مدرسة ابتدائية كرفانية في أطراف بغداد بمناطق: (المدائن، والنهروان، والفضيلية، والمعامل)، وارتفع العدد في العام الدراسي الذي يليه 2013-2014 إلى (33) مدرسة ابتدائية، منها (20) مدرسة تكفلت ببنائها وزارة التربية ضمن خطتها بتخفيف الاختناقات الحاصلة في المدارس التي تعاني من الاكتظاظ، وفك الازدواج في المدارس ثنائية الدوام والثلاثية، وبأبعاد (6 ضرب 4 متر)، والمتبقي منها قدمتها محافظة بغداد بأبعاد (7 ضرب 4 متر) أكبر بقليل عن كرفانات الوزارة.

    وفي العام الدراسي 2014-2015 ارتفع العدد إلى (42) مدرسة، و(5) خمس مدارس ثانوية، وفي العام الذي تلاه ارتفع عدد المدارس الابتدائية الكرفانية إلى (53) مدرسة، وانخفض عدد المدارس الثانوية إلى (3) مدارس([*]). أما في العام (2016-2017) فأصبح عدد المدارس الابتدائية (55) مدرسة، بزيادة طفيفة جداً على خلاف السنوات السابقة، ولم تستمر إذ تراجع العدد في العام الحالي 2017-2018 إلى ما كان عليه في العام الدراسي 2016-2017؛ أي بعدد (53) مدرسة.

    ولو سلمنا جدلاً أن المدارس الكرفانية تمثل حلاً -على الرغم من المساوئ الكثيرة التي سنتحدث عنها لاحقاً-؛ فإن هذا الحل لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من احتياجات المديرية المذكورة آنفاً، إذ تبلغ الحاجة الفعلية من الأبنية المدرسية لــ(854)، منها (254) لمدارس التعليم الثانوي، و(600) للتعليم الابتدائي، لكن ما موجود منها هو (511) بناية، ويبلغ عدد مدارس التعليم الثانوي (144) مدرسة، ليست كلها عائدةً إلى وزارة التربية؛ إذ إن بعضها عائد إلى جهات أخرى غير وزارة التربية، وبعض منها مستأجر؛ وهذا يشير إلى أن حاجة هذا النوع من التعليم إلى (110) من البنايات لسد النقص.

    أما بنايات مدارس التعليم الابتدائي فالعدد أكبر بكثير؛ إذ تشغل المدارس الابتدائية (367) بناية، من ضمنها (53) بناية كرفانية، وهذا العدد من البنايات أيضاً لا يعود كله إلى وزارة التربية؛ إذ إن (16) بناية منها تعود لجهات حكومية أخرى غير وزارة التربية، و(10) بنايات مستأجرة. ويحتاج هذا النوع من التعليم -على أقل تقدير- إلى (233) بناية لسد النقص، وقد يرتفع هذا العدد إلى الضعف إذا أخذنا بالحسبان الاكتظاظ الكبير في أعداد التلاميذ في الصفوف الذي يصل في بعض المدارس الابتدائية إلى أكثر من (70) تلميذاً في الصف الواحد، فضلاً عن أعداد البنايات التي تصنف بأنها غير صالحة، أو التي بحاجة إلى ترميم، أو تلك البنايات التي تصنف بأن بناءها غير مدرسي. 

    واقع الصفوف الكرفانية من منظار المعلمين والمشرفين التربويين

    لمعرفة صلاحية الكرفانات لأن تكون صفوفاً دراسية تتوافر على البيئة الدراسية ولو بالحد الأدنى أو لا، نظمت الباحثة استبانة تضم مجموعة أسئلة لعدد من معلمي المدارس الكرفانية، والمشرفين التربويين؛ فجاءت الإجابات متفقة بنحوٍ كبير على الأسئلة؛ فقد أظهرت نتائج الاستبانة أن أعلى نسبة أشرت للفقرة (ارتفاع درجة الحرارة العالية في الصيف والأمطار والرطوبة في الشتاء توثر سلباً في الطالب)، وكذلك (عدم استيعاب الكرفانات لأعداد الطلبة الكبير)،تلتهما فقرة (مكان الكرفانات غير ملائم للجو الدراسي)،ومن ثم بقية الخيارات، إذ أكد المعلمون والمشرفون التربويون أن مكان الدراسة في المدارس البديلة (الكرفانات) قد أثر كثيراً في المستوى العلمي لطلبة المدارس، وكما مبين في الجدول رقم (1) في أدناه:

    جدول رقم (1) (الكرفانات) وأثرها في العملية التربوية

    من منظور المعلمين والمشرفين التربويين

    ت الفقـــــــــــــــــــــــــرات الوسط المرجح الوزن المئوي
    1 ارتفاع درجة الحرارة العالية في الصيف والأمطار والرطوبة في الشتاء توثر سلباً في الطالب 2،85 95%
    2 عدم استيعاب الكرفانات لأعداد الطلبة الكبير 2،78 92،66%
    3 مكان الكرفانات غير ملائم للجو الدراسي 2،87 90،66%
    4 انعدام الدروس الترفيهية كالرياضة والفنية 2،71 90،33%
    5 تؤثر في الجانب الصحي للطالب 2،71 90،33%
    6 عدم توافر أثاث جيد في تلك المدارس 2،64 88%
    7 وجود ضوضاء داخل الكرفانات نتيجة الأرضية الخشبية التي تؤدي بالنتيجة بالتأثير في الطلبة 2،57 85،66%
    8 عدم وجود الماء الصالح للشرب في تلك المدارس 2،57 85،66%
    9 تعد حلاً في بعض المناطق لتقليل الأعداد الكبيرة في المداس 2،57 85،66%
    10 ضعف الإنارة والتهوية داخل الصفوف لوجود منافذ صغيرة جداً 2،57 85،66%
    11 عدم وجود مغاسل ملائمة للطلبة في تلك المدارس 2،57 85،66%
    12 انعدام وسائل الإيضاح في تلك المدارس 2،57 85،66%
    13 غير لائقة من الناحية التربوية 2،57 85،66%
    14 اختناق الطلبة في الساحة لانعدام المساحات الكافية في تلك المدارس 2،5 83،33%
    15 استبدال الكرفانات بأبنية في الأرض نفسها 2،5 83،33%
    16 تؤثر في الجانب العلمي للطالب 2،24 80،66%
    17 الكرفانات غير ملائمة للجو الدراسي 2،42 80،66%
    18 لها تأثير سلبي في نفسية الطالب 2،42 80،66%
    19 إن تلك المدارس غير آمنة 2،42 80،66%
    20 ارتفاع الكرفانات عن الأرض تعرض الطلبة إلى الخطر 2،42 80،66%
    21 عدم استطاعة الأساتذة في الصفوف الكرفانية الوصول للطلبة نتيجة ضيق المكان 2،42 80،66%
    22 تكون الصفوف مظلمة لانعدام الكهرباء 2،28 76%

    واقع الصفوف الكرفانية من منظار إدارات المدارس

    أظهرت نتائج الاستبانة -بالجدول رقم (2) الخاص بإدارات المدارس البديلة (الكرفانات)- أن أعلى نسبة حصلت عليها فقرة (ارتفاع درجة الحرارة العالية في الصيف والأمطار والرطوبة في الشتاء توثر سلباً في الطالب)، تلتها (غير لائقة من الناحية التربوية)، ثم (لها تأثير سلبي في نفسية الطالب) وأيضاً(عدم استيعاب الكرفانات لأعداد الطلبة الكبير) ثم بقية الخيارات، كما مبين في الجدول رقم (2) في أدناه:

    جدول رقم (2) (الكرفانات) وأثرها في العملية التربوية

    من منظار الإدارة المدرسية

    ت الفقـــــــــــــــــــــــــرات الوسط المرجح الوزن المئوي
    1 ارتفاع درجة الحرارة العالية في الصيف والأمطار والرطوبة في الشتاء مما توثر سلباً في الطالب 2،86 95,3 %
    2 غير لائقة من الناحية التربوية 84،2 94,6%
    3 لها تأثير سلبي في نفسية الطالب 79،2 93%
    4 وجود ضوضاء داخل الكرفانات نتيجة الأرضية الخشبيةالتي تؤدي بالنتيجة بالتأثير في الطلبة 73،2 91%
    5 عدم استيعاب الكرفانات لأعداد الطلبة الكبير 72،2 90,6%
    6 تؤثر في الجانب العلمي للطالب 69،2 6،89%
    7 ضعف الإنارة والتهوية داخل الصفوف لوجود منافذ صغيرة جداً 66،2 6،88%
    8 ارتفاع الكرفانات عن الأرض تعرض الطلبة إلى الخطر 2،63 6،87%
    9 انعدام وسائل الإيضاح في تلك المدارس 2،63 6،87%
    10 مكان الكرفانات غير ملائم للجو الدراسي 2،60 6،86%
    11 تؤثر في الجانب الصحي للطالب 2،57 6،85%
    12 الكرفانات غير ملائمة للجو الدراسي 56،2 3،85%
    13 استبدال الكرفانات بأبنية في الأرض نفسها 59،2 3،86%
    14 انعدام الدروس الترفيهية كالرياضة والفنية 56،2 3،85%
    15 تكون الصفوف مظلمة لانعدام الكهرباء 56،2 3،85%
    16 عدم استطاعة الأساتذة في الصفوف الكرفانية الوصول للطلبة نتيجة ضيق المكان 55،2 85%
    17 أن تلك المدارس غير آمنة 55،2 85%
    18 اختناق الطلبة في الساحة لانعدام المساحات الكافية في تلك المدارس 55،2 85%
    19 عدم وجود الماء الصالح للشرب في تلك المدارس 55،2 84%
    20 عدم توافر أثاث جيد في تلك المدارس 47،2 3،82%
    21 عدم وجود مغاسل ملائمة للطلبة في تلك المدارس 43،2 81%
    22 تعدّ حلاً في بعض المناطق لتقليل الأعداد الكبيرة في المدارس 31،2 77%

    ومن خلال تحليل الإجابات توصلنا إلى جملة من النتائج، من أهمها:

    • الارتفاع الكبير في درجة الحرارة في الصيف، والأمطار والرطوبة في الشتاء للمدارس البديلة (الكرفانات)، اذ اتفق الإشراف التربوي وإدارات المدارس ومعلموها على أن هذا السبب هو من أهم الأسباب المؤثرة في تدني المستوى العلمي للتلاميذ.
    • إن تلك المدارس غير لائقة من الناحية التربوية كمكان للدراسة،ولها تأثير سلبي في نفسية التلميذ.
    • عدم توافر الظروف الخاصة للتلاميذ في تلك المدارس من قاعات علمية، ووسائل إيضاح.
    • تبين من خلال الاستبانة أن وجود ضوضاء داخل الكرفانات نتيجة الأرضية الخشبية التي تؤدي بالنتيجة إلى التأثير في الطلبة، إذ تؤدي إلى تشتيت ذهن التلميذ، وفقدان تركيزه في أثناء الدرس.
    • عدم وجود الماء الصالح للشرب في تلك المدارس، والمغاسل الملائمة للتلاميذ في تلك المدارس.
    • اتخذت الوزارة الكرفانات بوصفها حلاً في بعض المناطق لتقليل النقص الكبيرة في أعداد المدارس، بيد أنها أصبحت مشكلة وليست حلاً.

    تـــــوصيــات بشأن تجاوز أزمة نقص الأبنية المدرسية

    • العمل الجاد من أجل إيجاد حلول دائمية وسريعة لمشكلة النقص الكبير في أعداد المدارس، وعدم اللجوء إلى الحلول المؤقتة التي تتحول لاحقاً إلى مشكلات.
    • تشكيل لجنة في المديرية العامة لتربية الرصافة الثانية للنظر في المدارس البديلة، ومعالجة الموجود منها، وتحسين ظروف الدراسة فيها.
    • إقامة الاشراف التربوي بالزيارات المتكررة لتلك المدارس لإيصال احتياجاتهم إلى المتخصصين.
    • قيام قسم الأبنية المدرسية في المديرية بزيارة المدارس المذكورة لترميمها، ومعالجة نواقص الكرفانات، وجعلها صالحة لتكون صفوفاً دراسية.
    • ضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام من لدن الباحثين والهيئات الأكاديمية، وعمل دراسات تسلط الضوء في موضوع التنمية البشرية في عراقنا الجديد بإيجاد معالجات وبدائل عن المدارس البديلــــة (الكرفانات)، والإفادة منهم في بناء دولة متطورة؛ حتى يتسنى لنا الإفادة من النتائج المتمخضة عن مثل هكذا دراسات، ومحاولة توظيفها في خدمة العمل التربوي الصحيح.

     

    [*]أعداد المدارس مأخوذ من قسم التخطيط / شعبة الإحصاء. وسبب تراجع عدد المدارس الثانوية هو أن بعض المدارس الكرفانية تكون بديلة عن بنايات المدارس الأصلية التي تخضع للترميم، فتنقل المدرسة إلى صفوف كرفانية، ثم تعود إلى بنايتها الأصلية بعد الانتهاء من عملية الترميم، فتشغل البناية الكرفانية بعد إخلائها مدرسة أخرى، وفي الأعم الأغلب تشغلها مدرسة ابتدائية.