يُعرَّف النازحون داخلياً بأنهم أشخاص أجبروا على النزوح من ديارهم مع بقائهم داخل حدود بلدهم. وتتمثل الخصائص الرئيسة للنزوح الداخلي في طبيعته القسرية وحقيقة أن السكان المتأثرين به لا يعبرون الحدود المعترف بها دولياً، ويعد النزوح الداخلي واحداً من أعظم التحديات الإنسانية في العالم.
وخلافاً للاجئين (الذين يفرون عبر الحدود وبالتالي لم يعودوا تحت حماية وطنهم الأصلي) ما يزال النازحون مواطنين في بلدهم، وحكومتهم مسؤولة من الناحية القانونية عن حمايتهم ورعايتهم. ولا ينتهي المطاف بالنازحين دائماً في المخيمات، إذ إن الغالبية تحل ضيفة على أسر مضيفة، ويجد بعضهم مأوى مؤقتاً في أثناء الترحال، في حين يستقر آخرون منهم في المناطق الحضرية.
وينتقل النازحون داخلياً في كثير من الأحيان عدة مرات في أثناء نزوحهم، وتخلق هذه الأنماط المتنوعة والديناميكية تحديات كبيرةً أمام متابعة تحركاتهم؛ ونتيجة لذلك أيضاً، تستند الأرقام حول أعداد النازحين إلى تقديرات وليس أرقاماً مؤكدة مهما اختلفت طرق رصدها وتسجيلها ومصدرها، حيث يقدر مركز رصد النزوح الداخلي -مقره في جنيف- أن هناك ما لا يقل عن (26) مليون نازح داخلي في جميع أنحاء العالم نتيجة للصراعات، فضلاً عن تعرُّض عدة ملايين آخرين للنزوح نتيجة للكوارث الطبيعية، بما في ذلك تلك المتعلقة بتغير المناخ، أو المشاريع التنموية الكبيرة مثل السدود. ومن المعروف أن أعداد النازحين داخلياً في جميع أنحاء العالم آخذة في الارتفاع نتيجة للحروب والارهاب الذي يعصف بعدد من دول العالم.
وعادةً يفرُّ النازحون داخلياً من ديارهم من دون أن يتسنى لهم حزم الحاجات الضرورية والأمتعة أو الأوراق الثبوتية الخاصة بهم، ويكون ذلك غالباً تحت ظروف خطيرة بسبب الصدمة والعنف؛ لذلك يصبح النازحون داخلياً عرضةً للمخاطر بنحوٍ خاص ويحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية. وعلى الرغم من أن السلطات الوطنية هي في صميم أي استجابة للنزوح الداخلي، إلا أنها قد تكون غير قادرة على تلبية احتياجات النازحين داخلياً أو غير راغبة في ذلك نتيجة لظروف معينة، وفي مثل هذه الظروف، يقوم المجتمع الدولي بدعم السلطات الوطنية ويكمل جهودها بناءً على طلبها.
لذا، يتمتع النازحون داخلياً بالحماية الكاملة من قبل القانون الوطني، إذ إن الحقوق مكفولة لمواطني الدولة التي يقيمون فيها بصفتهم مواطنين، من دون أي تمييز مجحف ناتج عن واقع نزوحهم، ويوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان أيضاً حماية مهمة للنازحين داخل بلدانهم، وهو يسري في أوقات السلم وفي حالات النزاع المسلح على حد سواء، ويهدف القانون إلى منع النزوح وكفالة الحقوق الأساسية للنازحين حال حدوثه، ويُعد الحظر المفروض على التعذيب أو العقوبة القاسية واللا إنسانية أو المهينة، والحق في التمتع بالممتلكات في سلام والتمتع بالسكن والحياة الأسرية ذا أهمية خاصة لمنع النزوح. وإن الحق في السلامة الشخصية وتوافر الغذاء والمأوى والتعليم والعمل، من شأنه أن يقدم حماية جوهرية في أثناء النزوح، فضلاً عن صلته أيضاً بقضية العودة أو الاستقرار في المجتمع المضيف التي تعد من الحلول الدائمة لظاهرة النزوح.
من جانب آخر -وفي السياق نفسه- تتوافق المواد الدستورية الواردة في الدستور العراقي مع النظرة الدولية بشأن النزوح الداخلي، إذ تشير المادة رقم (44) فقرة أولاً إلى ما يأتي: للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه. وتنص الفقرة ثانياً على الآتي: لا يجوز نفي العراقي أو إبعاده أو حرمانه من العودة إلى الوطن؛ لذا جاء قانون وزارة الهجرة والمهجرين متوافقاً مع القوانين الدولية والدستور العراقي فيما يخص معالجته لظاهرة النزوح وإدارة ملفاته، وقد مثلت استجابة الوزارة وسياساتها في دعم النازحين وإغاثتهم وإيوائهم إطاراً منسجماً مع المبادئ والحقوق الإنسانية المعمول بها دولياً.
لقد حدثت موجات نزوح غير مسبوقة في العراق جراء دخول الجماعات الإرهابية (داعش) وسيطرتها على عددٍ من محافظات العراق، إذ لم يزد المجموع المتراكم للعوائل النازحة منذ العام 2003 وحتى 2010 على نحو (300) ألف عائلة، في حين نزح خلال الأسابيع الأربعة الأولى بعد دخول داعش نحو (500) ألف عائلة، وأخذ العدد يتزايد حتى وصل إلى نحو (1,035,413) عائلة، وإلى ما يقرب من (5,694,771) نازحاً.
وهذا بطبيعة الحال يتطلب مزيداً من تضافر الجهود على الصعيدين الداخلي: (حكومة اتحادية وفي مقدمة مؤسساتها وزارة الهجرة والمهجرين، وحكومات محلية، ومنظمات مجتمع مدني، ووجهاء، ورجال دين، وتجار، ومتبرعون)، وعلى الصعيد الخارجي: (دول صديقة، ومنظمات الأمم المتحدة، ومنظمات المجمتع المدني المحلية، وأفراد متبرعون) لمعالجة آثار النزوح وتداعياته.
لذا فإن معالجة ملف النزوح ينبغي أن تندرج في إطار جهدٍ وطنيٍّ ودوليٍّ كبير يهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في كل المدن ولاسيما تلك التي عانت من الإرهاب، إذ تشير تقديرات وزارة التخطيط العراقية إلى أن حجم الأضرار في المناطق المحررة من تنظيم داعش تقدر بنحو (47) مليار دولار، في القطاع الحكومي فقط، يقابلها تقديرات إجمالية لجميع القطاعات تقدر بنحو (100) مليار دولار، إذ إن بعض الأحياء دمرت بالكامل بفعل الإرهاب، وهذا الأمر يحتاج لحملة قوية وكبيرة لإعادة الإعمار، مع رصد الأموال اللازمة بشأنها، ولاسيما من المجتمع المدني.