منذ توليه منصبي الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئاسة جمهورية الصين الشعبية في العام 2012 عَرف حكم الرئيس (شي جين بينغ) مجموعةً من المشاريع والمبادرات والسياسات بعيدة المدى؛ وقد سعت هذه السياسات ظاهرياً إلى مواصلة النمو الاقتصادي المتصاعد والتنمية في الصين اللذين ارتفعا تحت حكم سلفه (هو جين تاو). ومع ذلك -على عكس هو جين تاو- فإن نهج (شي) للسياسة الداخلية والخارجية عرف مزيداً من الجرأة، منها التوقيع على حملة مكافحة الفساد، والقيود المشددة على المجتمع المدني الصيني، ودعواته لإجراء مزيدٍ من الإصلاحات الاقتصادية في السوق، وتعزيز المؤسسات القانونية، والتأكيد على التطلعات الفردية والوطنية تحت شعار «الحلم الصيني»؛ فكل ذلك يشير إلى أن سياسة الحكومة في ظله تسعى إلى معالجة الضغوط الهيكلية على النظام الاقتصادي والسياسي الصيني التي أصبحت واضحة بنحوٍ متزايد نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أعلن شي جين بينغ مبادرة (الحزام والطريق) التي سبق أن ذكرها في عام 2013 والتي دُوِّنَت لاحقاً في عام 2015 مع وثيقة للسياسة العامة، وتمثل المبادرة إحدى أكثر السياسات الخارجية والاستثمار طموحاً. وعند الانتهاء منها، ستنشئ هذه المبادرة روابط مباشرة برية وبحرية بين المناطق الصناعية الصينية في المقاطعات الشرقية، من خلال مقاطعاتها الغربية ذات الكثافة السكانية المنخفضة وغير المتطورة، ومن خلال الهند، وروسيا، وآسيا، الوسطى، وإيران، وتركيا، وأجزاء من الشرق الأوسط -المشار إليها في الصين باسم «غرب آسيا»- ودول شمال أفريقيا مثل: المملكة العربية السعودية، وعُمان، ومصر، والسودان، قبل أن تنتهي في أوروبا.
وعلى الرغم من الطموح الصيني لهذه المبادرة لكنّ كثيراً من تفاصيلها -بما في ذلك البلدان التي ستشارك فيها- ما تزال غامضة. وقد أكدت الحكومة الصينية أن المبادرة تعمل بنظام الاختيار، وقد امتنعت عموماً عن وضع أهداف المبادرة؛ وقد أدّى الغموض حولها من قبل العديد من الأكاديميين والمحللين الصينيين إلى محاولة ملء الفراغات لأنفسهم، ولاسيما ما يُخصُّ تقييم أثر المبادرة على البلدان الفردية.
وفي الوقت الحاضر، لا يُدرَج العراق كمشارك في مبادرة الحزام والطريق؛ ومع ذلك، فإن هذا البلد واحد من الموردين الرئيسيين للنفط للصين، وإن التجارة الثنائية بين البلدين كانت ثابتة وفي تزايد خلال العقد الماضي، ولم تشهد تراجعاً سوى في عامي 2014 و2015، بسبب الصراع الدائر في العراق. ولأن جيران العراق في الجنوب (المملكة العربية السعودية) والشمال (تركيا) والشرق (إيران) من المقرر أن يكونوا مشاركين في المبادرة، فمن المنطقي أن تقيس بغداد خياراتها بشأن ما تؤول إليه المشاركة من حيث الفائدة بالنسبة للعراق.
ويتناول هذا البحث كيفية سعي العراق إلى إقامة علاقة اقتصادية صحيّة مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهو يحقق في المعالم الرئيسة للمبادرة وما تريده الصين منها. وكجزء من فهم دوافع بكين لوضع المبادرة، يحلل هذا البحث أولويات الصين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في العصر الحالي، ثم يربط هذا البحث المبادرة بأنموذج الصين للاستثمار والتنمية الأجنبي الواسع والقائم على البنى التحتية. وقد اتبعت الصين هذه النماذج مع جميع مورديها الرئيسيين للنفط (وغيرهم من موردي المواد الخام)؛ وعلى هذا النحو تبحث هذه الرسالة في تجارب أنغولا، وموزمبيق، وإيران، لتحليل تكاليف هذه العلاقة وفوائدها مع الصين. ويخلص هذا البحث إلى أن أنموذج الاستثمار والتنمية الأجنبي الواسع والقائم على البنى التحتية قد وفّر لجميع هذه البلدان مكاسب اجتماعية اقتصادية كبيرة. إذ إن مساعدة الصين لإعادة الإعمار في أنغولا في أعقاب الحرب الأهلية التي دامت سنوات طويلة تعدُّ ذات أهمية خاصّة للعراق حيث تتشكل عملية التعافي من الحرب ضد (داعش) خلال عام 2018 وما بعده، ويخلص هذا البحث أيضاً إلى أن الاستثمار الصيني أدّى -في بعض الأحيان- إلى حدوث توترات محلية؛ بسبب عدم الإلمام بالشؤون المحلية، وتفاقم الأضرار البيئية؛ ووضعِ ضغط إضافي على الموارد الطبيعية، وزيادة البطالة في الحالات التي لا يعمل فيها السكان المحليون، وتنمية غير متكافئة، وتفاقم الفساد.
ويستنتج هذا البحث أن المشاركة في المبادرة يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة للعراق، وينصح بأن تستفيد بغداد من مبيعاتها النفطية مع إعادة بناء المدن الكبرى التي تعرضت لأضرار خلال السنوات الثلاث الماضية، والمدن الغنية بالنفط ولكنها فقيرة في التنمية -مثل البصرة- يمكن أن تستفيد أيضاً، مما يسمح للحكومة العراقية بتحقيق هدفها المتمثل في تحويل البصرة إلى مدينة عالمية. وكما ذكر آنفاً، فإن ثلاثة من جيران العراق يشاركون في المبادرة، وفي الوقت نفسه فإن العلاقات بين بكين ودمشق تشهد نمواً ثابتاً، حيث تعرب الصين عن اهتمامها بإعادة إعمار سوريا. ويرى هذا البحث وجود إمكانيات كبيرة للتآزر الإقليمي الذي يمكن للعراق أن يؤدي فيه دوراً في التقريب ومد الجسور. وأخيراً، ينصح هذا البحث الحكومة العراقية بأن تتجنب الاعتماد فقط على الاستثمار الصيني، بل أن تحافظ على مجموعة متنوعة من الشراكات؛ مما يعطي العراق الرفاهية في الانتقاء والاختيار، ويكتسب ذلك أهمية ولاسيما أن عدداً من قطاعات التكنولوجيا العالية ما تزال الصين متأخرة فيها عن منافسيها مثل اليابان.