back to top
المزيد

    قراءة لمشاركة المواطنين في الانتخابات النيابية المقبلة

    هناك عدد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي بإمكانها حثُّ الناخبين في العراق على المشاركة على مستوى مقبول في الانتخابات النيابية المقبلة المقرر إجراؤها في الثاني عشر من أيار للعام الحالي على الرغم من بعض الدعوات الفردية لمقاطعتها؛ ومما يلاحظ فإن نسبة المشاركة في الانتخابات آخذة بالانخفاض كما هو موضّح في الشكل رقم (1)؛ ولذلك ينبغي طرح السؤال الآتي: هل يسبب انخفاض نسب المشاركة مشكلة؟

    تشير بيانات المشاركة الانتخابية في جميع أنحاء العالم إلى أن غالبية الديمقراطيات الانتخابية -نحو 68٪- تكون نسبة الإقبال فيها تتراوح بين 50٪ و83٪، فيما تكون نسبة المشاركة في 16٪ من الديمقراطيات الانتخابية أقل من 50٪، و15.5٪ منها تكون نسبة المشاركة فيها أعلى من 83٪، بحسب ما مبين في الشكل رقم (2)[2]؛ وبناءً على ذلك، يتبيّن أن نسبة المشاركة الانتخابية في العراق مقبولة مقارنة بالديمقراطيات الانتخابية الأخرى. 

    والمؤشرات الإيجابية عن احتمال أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة مقاربة للانتخابات السابقة متعددة، منها:

    أولاً: إن عدد الناخبين الذين حدثوا بياناتهم البايومترية واستلموا البطاقة الإلكترونية قد وصل إلى 50٪ حتى 20 شباط 2018 بحسب ما مبين في الشكل رقم (3).

    ثانياً: إن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ستسمح للناخبين الذين لم يحدثوا بياناتهم بالمشاركة في استخدام البطاقات القديمة التي استخدمت في انتخابات مجلس النواب لعام 2014[3].

    ثالثاً: ما تزال عملية تحديث البيانات مستمرة؛ مما يعني أن العدد سيرتفع على الأرجح.

    رابعاً: إن العديد من الإجراءات اتخذت لضمان مشاركة النازحين الذين يقدر عددهم بـ 400,000 نسمة.

     

    ومن ناحية أخرى، هنالك العديد من الخصائص التي يتمتع بها العراق، والتي اكتشف الباحثون أهميتها فيما يخص زيادة المشاركة الانتخابية، هي[4]:

    أولاً: نظام التمثيل النسبي، والذي يمكّن العديد من الأحزاب للمشاركة في الانتخابات التي بدورها تخوض حملات لتحفيز المواطنين على المشاركة.

    ثانياً: الطبيعية التنافسية الكبيرة للانتخابات، إذ إن الفجوة الانتخابية بين المتنافسين ضيقة؛ مما يدفعهم لتعبئة قواعدهم الجماهيرية من أجل تأمين أكبر عدد ممكن من المقاعد.

    ثالثاً: استقطاب النخب السياسية وقواعدها الجماهيرية حول عدة قضايا، مثل: مستقبل الحشد الشعبي، وطبيعة العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، والاستجابة للتنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، وفرض الضرائب، وغيرها.

    رابعاً: التفاؤل المطَّرد في أن العراق يسير على الطريق الصحيح، ولاسيما بعد هزيمة تنظيم داعش، والارتفاع الطفيف في أسعار النفط.

    خامساً: إن الانتخابات العراقية حرة ونزيهة مع وجود العديد من المنظمات الدولية البارزة التي تدعم إجراءاتها وتراقبها، مثل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI).

    وعلى الرغم مما ذُكر آنفاً إلّا أن المخاوف من انخفاض نسبة المشاركة تبدو مشروعة في بعض المناطق عما كان عليه الحال في الانتخابات السابقة -ولاسيما في شمال العراق- نتيجة عدم رضا الناخبين عما آلت إليه ظروفهم السياسية المحلية. ومع ذلك، فقد وجدت الدراسات السابقة أن انخفاض نسبة المشاركة لا تعد مشكلة، بخلاف الرأي التقليدي القائل إن ذلك يعدُّ تهديداً خطيراً للديمقراطية. ووجدت الدراسات أن الاختلافات بين الناخبين وغير الناخبين محدودة إلى حد ما من حيث التفضيلات السياسية والميول الأيديولوجية، فضلاً عن أن الإقبال المنخفض لا يؤدي إلى تمثيل ناقص أو مفرط لفئات معينة. وخلصت الدراسات السابقة إلى أن الحظوظ الانتخابية لشاغلي المناصب قد تزداد مع انخفاض المشاركة في الانتخابات؛ لأن أولئك الذين يتفقون مع نهج الحكومة سيشاركون بنسبة أكبر من الرافضين لنهجها[5].

    وختاماً، يمكن القول إن هناك عدة عوامل تساعد على الحفاظ على مستوى مقبول من المشاركة في الانتخابات؛ وهذا الأمر لا يستبعد احتمال أن تكون نسبة المشاركة أقل من الانتخابات السابقة في بعض الدوائر الانتخابية. وعلى الرغم من ذلك، فقد وجدت الدراسات السابقة أن الإقبال المنخفض لا يؤثر بنحوٍ كبير على الانتخابات من حيث التمثيل والمساءلة، إذ إن الاختلافات في التفضيلات السياسية بين الناخبين وغير الناخبين تكون محدودة.


    [1]– المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

    [2] -IDEA Database, “Voter Turnout,” https://www.idea.int/data-tools/question-view/521.

    [3] -Raydh Al-Badran, The Independent High Electoral Commission,    http://www.ihec.iq/en/index.php/news/4394-chief-electoral-officer-calls-voter-to-visit-the-centers-of-rece.html

    [4] -Alan Siaroff, “Parliamentary Election Turnout in Europe since 1990,” Political Studies 50, 2002, 916 – 927.

    [5] -Martin Rosema, “Low Turnout: Threat to democracy or blessing in disguise? Consequences of Citizens’ Varying Tendencies to Vote.” Electoral Studies 26 (2007), 612 – 623.

    هاشم الركابي
    هاشم الركابي
    باحث ومحلل، حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية – جامعة بغداد، وحاصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة الينوي الغربية في الولايات المتحدة، يهتم بموضوعات الديمقراطية والحوكمة وسيادة القانون، عمل سابقا في مجلس النواب العراقي.