back to top
المزيد

    عودة المصافي العراقية

    سامية كولاب: خبيرة في شؤون النفط العراقي، ومراسلة بارزة في منظمة تقرير النفط العراقي، وهي منظمة جديدة تغطي قطاع الطاقة في البلاد.

    عزّز العراق نشاط تكرير النفط في العام الماضي بما لا يقل عن 60 ألف برميل يومياً وذلك بفضل مجموعة من المشاريع والمبادرات المبذولة من قبل وزارة النفط، إذ نفّذت الوزارة سلسلة من مشاريع التكرير الجديدة التي من شأنها إنتاج أكثر من مليون برميل من النفط يومياً؛ وقد تمثّل أحد هذه المشاريع بمناقصة أُعلن عنها للاستثمار في مصفاة جنوب الموصل، بيد أن الشركات الدولية أظهرت عدم رغبتها بالدخول في مثل هذه المشاريع؛ لعدم التيقُّن من توافر الموارد المالية المرتبطة بسوق الوقود المدعومة في البلاد.

    وتجدر الإشارة إلى أن مكاسب تكرير النفط الإضافية جاءت أساساً من الجهود التي تمولها الدولة لإعادة تشغيل مصافي التكرير في المناطق التي كانت يحتلها تنظيم داعش الإرهابي، ومن توسيع القدرة الإنتاجية لمصافي التكرير في جنوب العراق.

    وعززت الوزارة نشاط التكرير المحلي من خلال التفاوض؛ كي تُستَثمرَ القدرة الكامنة للمصافي غير المستخدمة في إقليم كردستان، وبدأت هذه المبادرات في شباط عام 2017، ثم توسعت فيما بعد.

    ونتيجة لذلك، تمكن العراق مؤخراً من تكرار ما متوسطه 625 ألف برميل يومياً في مصافيه المحلية على وفق تحليل صَدَر من تقرير النفط العراقي استند فيه إلى أكثر من اثنتي عشرة مقابلة مع المسؤولين في هذه الصناعة في جميع أنحاء العراق.

    وقد وفّر نشاط التكرير العالي مساعدة مالية كبيرة من الإغاثات المالية للحكومة التي تعاني من أزمة مالية وذلك عن طريق الحد من الاعتماد على واردات الوقود باهظة الثمن. وساعد تكرير النفط على زيادة إمدادات الوقود إلى المناطق التي تحتاجها بشدة، ولاسيما في الأراضي المحررة مؤخراً من تنظيم داعش الإرهابي.

    ويساعد ارتفاع المدخول من المصافي على تجنب العراق من بعض التدقيق من قبل منظمة أوبك. ومع زيادة الطلب المحلي، تمكنت الحكومة من رفع الإنتاج والتخفيف من زيادة الصادرات، الذي حدده وزير النفط جبار اللعيبي؛ كون ذلك أهم مؤشر على امتثال البلاد بالحصص الإنتاجية التي حددتها منظمة أوبك.

    المصافي المحررة

    أعادت وزارة النفط تنشيط ثلاث مصافٍ صغيرة منذ شهر أيلول، وتقع جميعها في شمال العراق، وأنتجت هذه المصافي مجتمعةً ما متوسطه 17 ألف برميل يومياً من النفط الخام من حقول شركة نفط الشمال التي تديرها الدولة.

    وفي أواخر تشرين الثاني، أعيد فتح مصفاة الصينية في محافظة صلاح الدين، وبلغت الطاقة الاسمية لها 20 ألف برميل يومياً، لكنها تضررت في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ولم يتم إصلاحها كلياً حتى الآن. وإشارة إلى ذلك قال وزير النفط جبار اللعيبي في بيان أصدره حينما أعيد افتتاح المصفاة: “إن هذه المصفاة ستغطي احتياجات المحافظة كاملة، وستزود محطات الكهرباء بالطاقة اللازمة لتشغيلها”. في حين قال مسؤول عراقي مطلع على هذه المصفاة: إنها أنتجت ما يقارب 3800 برميل يومياً في شهر كانون الثاني.

    أما مصفاة القيارة الواقعة في نينوى -على بعد 60 كيلومتراً جنوب الموصل- فقد عادت إلى العمل في أواخر شهر أيلول، وفيما مضى كانت هذه المصفاة تنتج 20 ألف برميل يومياً، إلا أنها تضررت بسبب الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.

    وقال مسؤول في المصفاة إنه بعد جهود إعادة التأهيل واسعة النطاق لوحدتين في المصفاة، إلا أن قلة إمدادات المواد الأولية لم تساعد إلا على عمل وحدة وحيدة بهذه المصفاة، وأضاف المسؤول أن المصفاة تتلقى ما لا يقل عن 4000 برميل يومياً من النفط الخام من حقل القيارة النفطي المجاور، وتنتج ما متوسطه 250،000 متر مكعب من الوقود و300 طن من الإسفلت.

     وقد عادت مصفاة حديثة في الأنبار إلى العمل في نهاية شهر أيلول الماضي، وهي تعمل حالياً على تصفية 10 آلاف برميل من النفط الخام المستخرج من حقول نفط كركوك؛ وذلك على وفق تصريح لمسؤول في المصفاة قال: “أصبح نقل النفط الخام أكثر سهولة بعد تحرير جميع مناطق الأنبار وغيرها من المحافظات من تنظيم داعش، وإعادة فتح طريق حديثة-بيجي-الصينية، التي يتم تأمينها بالكامل”، وأضاف: “يجري حالياً إصلاح وحدة التصفية الثانية، التي ستضيف 6 آلاف برميل يومياً من الطاقة”.

    أما في المصفاة الأكبر بالعراق قبل تدميرها من داعش فكانت مصفاة بيجي بصلاح الدين التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 310،000 برميل يومياً، وقد ذكرت وزارة النفط في بيان صدر عنها مؤخراً أن وحدة صلاح الدين (1) في مصفى بيجي ستنتج ما يقارب 70 ألف برميل يومياً. 

    إفساح المجال لطاقة إقليم كردستان

    في شهر شباط عام 2017 تفاوضت وزارة النفط على اتفاقية لإرسال النفط الخام من حقول كركوك إلى مصافٍ في إقليم حكومة إقليم كردستان. وقد يُنقَل النفط -بموجب الاتفاقية- من الحقول التي تشغلها شركة نفط الشمال إلى مصفاة نينوى في محافظة أربيل في إقليم كردستان، ثم يُرسَل إلى مصفاة بازيان في السليمانية، وفي المقابل تُرسل إمدادات الوقود إلى المناطق المحررة في نينوى بالمقام الأول. وقد تزايدت التدفقات في الأشهر الأخيرة؛ لأن شركة نفط الشمال تعرضت لضغوط ولاسيما من حيث إيجاد منافذ لمتوسط ​​إنتاجها البالغ 160 ألف برميل يومياً.

    وبسبب التوترات السياسية والعسكرية مع حكومة إقليم كردستان، توقفت بغداد عن تصدير نفط كركوك من خلال خط الأنابيب الذي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان إلى تركيا؛ مما يعني أن السوق المحلية تعدُّ الآن المصدر الوحيد للطلب.

    وقد صرّح مسؤول في شركة النفط الوطنية: “أن مصفاة بازيان -التي تديرها مجموعة كيوان الكردية- كانت قد تلقّت بالفعل ما يتراوح بين 15000-20000 برميل يومياً من حقول شركة نفط الشمال، وبحلول شهر كانون الثاني وصلت إلى ما متوسطه 33000 برميل يومياً”.

    وتتلقى مصفاة نينوى -التي تقع في محافظة أربيل والتي تديرها الشركة الكردية كار غروب- ما يتراوح 60 ألف برميل يومياً من النفط الخام من حقول شركة نفط الشمال ابتداءً من شهر تشرين الثاني، مقارنة مع 40 ألف برميل يومياً كانت تتلقاها من التخصيص المسبق، على وفق تصريح لمسؤول في شركة نفط الشمال على دراية بتلك المصفاة.

    وإن معظم ما يتبقى من إنتاج شركة نفط الشمال يذهب إلى مصفاة كركوك -الذي سيستغرق عملية توسعه متعددة المراحل حوالي سنة كاملة- كانت سعة المصفاة في السابق تصل إلى 30 ألف برميل يومياً، ولكنها أنتجت ما متوسطه 40 ألف برميل يومياً لعدة أشهر.

    وصرّحت وزارة النفط أنه في كانون الأول ثبّتت وحدة جديدة ذات سعة تصل إلى 13 ألف برميل يومياً لتصل الطاقة الإنتاجية الكلية إلى 56 ألف برميل يومياً، على الرغم من أن الطلب عليها لم يصل إلى هذا المستوى بعد. 

    المشاريع المستقبلية رهن التنفيذ

    تخطط وزارة النفط لعدة مشاريع لبناء مصافٍ جديدة، إذ أعلنت الوزارة في 20 شباط عن مناقصة لمصفاة بطاقة 100 ألف برميل يومياً في القيارة، إلّا أنها لم توضح ما إذا كانت هذه مصفاة جديدة تماماً أو توسعة للمصفاة الصغيرة القائمة.

    وأعلنت الوزارة مؤخراً أنها منحت عقداً لبناء مصفاة وتشغيلها بطاقة 300 ألف برميل يومياً في الفاو الواقعة في خليج البصرة، ويجري التفاوض على المصفاة -التي بُنِيت على أنها مشروع لتصدير المنتجات النفطية، مع شركتي باور تشاينا (Power China)، ونوركو (Norco)، ويتضمن المشروع أيضاً إنشاء منشأة بتروكيماوية.

    وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد: “إن هذا العقد هو جزء من خطة الوزارة التي تهدف إلى تطوير صناعة التكرير والبتروكيماويات لأغراض التصدير؛ من أجل تحسين دور العراق في هذه القطاعات، وتحقيق عائدات كبيرة لدعم الاقتصاد الوطني”. وفضلاً عن ذلك وقعت الوزارة عقداً مع شركة معروفة تدعى رانية الدولية (Rania International) في 8 شباط لبناء مصفاة ذات سعة 70،000 برميل يومياً في كركوك.

    وقال اللعيبي في مراسم التوقيع: “إن المشروع هو جزء من خطط الوزارة وبرامجها لتغطية المطالب المحلية للمنتجات النفطية في البلاد، ولتصدير الكميات الإضافية من المنتجات في مشاريع التصفية الاستثمارية”.

    لقد واجهت مبادرات التصفية الأخرى بعض التأخير، إذ يبني اتحاد شركات (كونسورتيوم كوري) بقيادة شركة هيونداي مصفاة تبلغ سعتها 140 ألف برميل يومياً في كربلاء، وكان من المقرر الانتهاء منها في بداية عام 2016؛ ولكن أُرجئ الموعد النهائي لعامين على الأقل بسبب عجز في التمويل المالي.

    أما في ميسان فقد أُجِّل بناء مصفاة العمارة بعد أن مُنِحَ عقدها الاستثماري إلى شركة غير معروفة تدعى ساتاريم (Satarem) السويسرية عام 2014؛ وسبب التوقف هو عدم التزام الوزارة بتوفير المياه، وقال مسؤولون في وزارة النفط إن إعادة البناء بدأت تحت التهديد بإلغاء العقد بسبب التأخير، إلا أن الموعد المتوقع لإنجاز المشروع ما يزال غير واضح.

    وأعلنت وزارة النفط عن فرص أخرى لمشاريع تصفية تقدر بمليارات الدولارات في عدة محافظات منها: الأنبار، ونينوى، وذي قار؛ وبموجب العقد المقترح يبني المستثمرون مصافي التكرير ويتصدون لمسؤولية امتلاكها وتشغيلها وتمويلها، ويعتمدون على إيرادات مصافي التكرير لاسترداد استثماراتهم.

    وأبدى العديد من المستثمرين ترددهم في الدخول في مثل هذه الاتفاقيات؛ لأن سوق الوقود المدعومة في العراق يجعل من الصعب تقييم عائداتهم المالية المحتملة في الاستثمار واستمراريته.


    المصدر:

    https://www.iraqoilreport.com/news/iraq-refineries-resurgent-27858/