يُعد الإصلاح الاقتصادي من مفاهيم الاقتصاد الكلي الحديثة التي شاع استخدامها في الدول العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ وذلك نتيجة الاختلالات التي رافقت عملية التنمية الاقتصادية. فالإصلاح الاقتصادي عملية تستهدف تحسين أسلوب تعبئة الموارد الاقتصادية وتخصيصها سواءً أكانت بشرية أم مادية بغية تلبية الاحتياجات الآنية والمستقبلية.
ولذا سعى العراق بعد عام 2003 إلى تبني وصفات المؤسسات المالية الدولية -صندوق النقد والبنك الدوليين- بهدف الخروج من الأزمة التي اجتاحت اقتصاده، مثل أزمة المديونية الخارجية، وترهل القطاع الحكومي بالبطالة المقنعة، وتوسع ظاهرة البطالة، واتساع الهوة ما بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء؛ مما أجبر النخب السياسية والاقتصادية على قبول برامج الإصلاح الاقتصادي، بيد أن هذا القبول لا يعني بالضرورة نجاح برامج الإصلاح تلك، ولكن لا بدَّ أن يستلزم ذلك القبول، تدابير وإجراءات تتعلق بالكيفية التي ينبغي تطبيقها على وفق مقتضيات تفرضها المصلحة العامة، فضلاً عن نشر ثقافة الإصلاح الاقتصادي مثل الشفافية، ومحاربة الفساد، والمشاركة في اتخاذ القرارات. ولسوء الحظ فقد أخفقت سياسات الإصلاح الاقتصادي المتبعة العراق، وذلك لسببين رئيسين هما: نوع النظام السياسي (النظام الجمهوري)، ولأن العراق دولة ريعية، وأدى اندماج هذين السببين معاً إلى ولادة ظاهرة الفساد الإداري والهدر المالي التي استفحلت وغطت معظم أرض العراق؛ مما حتم على الحكومة العراقية تقديم حزمة إصلاحات اقتصادية من الداخل عسى أن تصلح أو تخفف بعض الأضرار التي نجمت عن سوء إدارة الحكومة وأدائها، في ظل انخفاض أسعار النفط من 100 دولار/ برميل عام 2013 إلى 48 دولاراً / برميل عام 2015، وقد جاءت مشكلة الدراسة على أن تبني حزمة الإصلاحات الاقتصادية في العراق قد ترافقت وصدمتين إحداهما: داخلية تمثلت بظاهرة الفساد الإداري والهدر المالي، ومن ثم انطلاق التظاهرات الشعبية الكبيرة. والأخرى: الخارجية المتمثلة بانخفاض أسعار النفط العالمية، ولحل المشكلة فقد استندت الدراسة إلى فرضية مفادها أن الإصلاح الاقتصادي في العراق يتطلب تدابير علمية، واقتصادية، وفنية، وإدارية، وقانونية؛ لنجاح إجراءات الإصلاح تلك، وأن أي إخفاق في أحد تلك الجوانب قد يعرقل برامج الإصلاح الاقتصادي برمته، ولأجل إثبات فرضية الدراسة أو نفيها، فقد هدفت الدراسة إلى وضع حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي تنقل الاقتصاد العراقي من حالة الكساد والركود الاقتصادي إلى حالة الانتعاش والرفاه.