راشيل فوجيلستين، مدير برنامج المرأة والسياسة الخارجية في مركز دوغلاس ديلون للعلاقات الخارجية.
يعدُّ قرار المملكة العربية السعودية منحَ المرأة الحقَ في قيادة المركبات واحداً من الأمثلة البارزة على نهاية عصر التمييز بين الجنسين، إذ سيكون هذا القرار قانونياً في بداية شهر حزيران من العام 2018، وقد تم الترحيب بقرار إزالة الحظر كونه نصراً لبلدٍ يحدُّ من حريات المرأة. ولكن هذا التحوّل السياسي للمسؤولين السعوديين يرتبط بالاقتصاد أكثر من الاهتمام بحقوق المرأة؛ ففي السنوات الأخيرة، بدأت البلدان المحافظة ثقافياً تدرك عدم قدرتها على المضي قدماً إذا ما خلفت وراءها نصف رأس المال البشري.
وقد أيد المناصرون للمرأة منذ زمن طويل التكافؤ بين الجنسين كقضية إخلاقية، ولكن في الاقتصاد العالمي الحديث فإن القضاء على العقبات التي تحول دون مشاركة المرأة اقتصادياً هو أيضاً ضرورة استراتيجية. ويؤكد عدد كبير من البراهين على العلاقة الإيجابية بين مشاركة المرأة في القوة العاملة والنمو الشامل، ففي عام 2013 خلصت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى أن وجود اقتصاد يتساوى فيه الجنسان يمكن أن يعزز من إجمالي الناتج المحلي (GDP) بنسبة 12% في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، وقد أصدر صندوق النقد الدولي (IMF) تكهنات مماثلة للبلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، مشيراً إلى أنّ زيادة مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي سيحقق مكاسب في إجمالي الناتج المحلي بنحو 12% في دولة الإمارات العربية المتحدة، و34% في مصر. وعلى وفق ما جاء في تقرير أعده معهد ماكينزي العالمي لعام 2015، فإن سد الفجوات بين الجنسين في محيط العمل يمكن أن يضيف ما يقدر بنحو 12 تريليون دولار إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي بحلول عام 2025.
ومع ذلك، ما تزال العوائق القانونية التي تحول دون حق المرأة في المشاركة الاقتصادية قائمة في كل بقعة على وجه الأرض، سواء في الاقتصادات الأكثر نمواً أو في الاقتصادات النامية. فبحسب ما يذكر البنك الدولي فإن المرأة تواجه قيوداً على الوظائف القائمة على نوع الجنس في 155 بلداً، بما في ذلك القيود المفروضة على حيازة الممتلكات، وشروط موافقة الزوج على العمل، والقوانين التي تمنعهم من توقيع العقود أو الحصول على بطاقات الائتمان. وما تزال المرأة في العديد من البلدان تُمنع من العمل في الوظائف المعتادة للرجال، أو إنها تواجه محدودية في ساعات العمل المتاحة لها. ففي روسيا، لا يمكن للمرأة أن تبحث عن عمل في 456 مهنة محددة تبدأ من النجارة إلى قيادة مترو الأنفاق، وتحظر الأرجنتين على النساء دخول مهن “خطيرة”، مثل التعدين، وتصنيع المواد القابلة للاشتعال، وتقطير الكحول، أما في فرنسا فيحظر القانون على النساء شغل وظائف تتطلب حمل 25 كيلوغراماً، وفي باكستان لا تستطيع المرأة تنظيف الآلات أو ضبطها.
ولأسباب كثيرة وواضحة يشكك العديد من المحللين والاقتصاديين بإمكانية تغيير تلكم الأمور على الرغم من أن هذه القواعد الثقافية الراسخة تدعم بعمق هذه الأنظمة القانونية التمييزية؛ إلا أن هنالك ما يدعو إلى الأمل، إذ يشجع القادة حول العالم ضرورة السعي إلى الإصلاح من أجل الاقتصاد، وفي العامين الماضيين قامت 65 دولة بتغييرات قانونية تصل إلى 100 تغيير لغايات زيادة فرص المرأة للعمل في المجال الاقتصادي.
وتقول مستشارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ابنته إيفانكا في المنتدى النسائي للأعمال الحرة في تشرين الأول: “إن إطلاق العنان الكامل لقوة المرأة في اقتصادنا سيخلق قيمة هائلة، وسيجلب أيضاً السلام والاستقرار والازدهار الذي تشتد الحاجة إليه في العديد من المناطق”. يتطلب التقدم أكثر من الخطب المنمقة؛ ولتحقيق خطوات حقيقية في تحرير إمكانات المرأة في النواحي الاقتصادية، سيتعين على الولايات المتحدة أن تستخدم ميزانيتها الدولية ومعوناتها الخارجية لتحقيق الإصلاح القانوني، ليس في الداخل فحسب، بل أيضاً في بلدان العالم التي لا تستطيع فيها المرأة المشاركة الكاملة في النواحي الاقتصادية.
الزخم من أجل الإصلاح
من الضروري جداً العمل على إزالة قيود المرأة في الجانب الاقتصادي؛ ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، تحصل النساء على أكثر من نصف الشهادات الجامعية سواء في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا، ولكنها بالمقابل تشكل فقط 20% من القوى العاملة؛ وهذا يعني أن الإمكانيات الاقتصادية لحوالي ثلث السكان لم تزل مستغلة، وفي الوقت الذي يكافح فيه الاقتصاد السعودي لمواجهة انخفاض أسعار النفط، أصبحت زيادة المشاركة النسائية في قوى العمل جزءاً من جهود التحديث الاقتصادي التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمعروفة بالرؤية السعودية لعام 2030. ويظهر رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، أن البلاد جادة في تغيير الوضع الراهن على الرغم من أن العديد من القوانين الأخرى ما تزال تحد من حقوق المرأة في البلدان الخليجية.
تواجه المرأة قيوداً على الوظائف التي تعتمد على نوع الجنس في 155 دولة.
لقد سعى قادة الدول في البلدان التي يقل التفاوت فيها بين الجنسين كثيراً عن السعودية إلى تشجيع النمو الاقتصادي عبر جعل مشاركة المرأة يسيرة، ففي التسعينيات ألغى المشرعون الكنديون ما يسمى (عقوبة الزواج)، وهي نتاج قانون ضريبي أدّى إلى انخفاض إيرادات أصحاب الدخل الثانوي عن طريق مطالبة الأزواج بدفع مبالغ أعلى مقارنة بدافعي الضرائب العزَّاب.
أما في اليابان فقد وضع برنامج “مشاركة المرأة في الاقتصاد” من قبل رئيس الوزراء شينزو آبي، وجعل هذا البرنامج الموظفين من النساء في مركز استراتيجية النمو في البلاد من خلال زيادة استحقاقات رعاية الطفل وتهيئة مكان العمل.
وفي بنغلادش، يسعى أعضاء مجلس الوزراء إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال زيادة حصة المرأة في مكان العمل من خلال مبادرات البنية الأساسية، مثل جلب الكهرباء إلى المناطق الريفية؛ إذ تقلل هذه المشاريع عبء العمل غير مدفوع الأجر عن طريق جعل العمل المنزلي أقل استهلاكاً للوقت؛ مما يؤدي إلى إتاحة وقت إضافي للعمل بإجر ثانٍ خارج المنزل.
وتشهد البلدان التي اتبعت مثل هذه الإصلاحات نتائج مثمرة؛ فعلى وفق دراسة أجراها البنك الدولي في عام 2010 أشارت الدراسة إلى زيادة فتح النساء لحسابات مصرفية في الهند بعد أن غيرت الدولة قوانين التركات في عام 1994 لمنح المرأة الحق نفسه في وراثة ممتلكات الأسرة كالرجل تماماً؛ مما أدى كذلك إلى تمتع أُسرهن بقدر كبير من الأستقرار المالي. وكما هو الحال مع أثيوبيا، إذ منذ أن ألغت الحكومة شرط حصول المرأة على موافقة زوجها من أجل العمل خارج المنزل، دخل عدد كبير من النساء حيز العمل في عام 2000 وتسلمن وظائف ومهام ذات مهارة عالية وبدوام كامل؛ وبالتالي أجر أفضل. وبحسب تحليل صادرٍ عن البنك الدولي فقد زادت نسبة النساء العاملات خارج منازلهن بمعدل 28% بعد خمس سنوات في الدول الثلاث التي طبقت فيها السياسة لأول مرة، ومن المرجح أن تزيد نسبة النساء اللواتي يشغلن وظائف بأجر بمقدار 33% عن النساء في أماكن أخرى من البلاد، والجدير بالذكر أن هذه الإصلاحات لا تزيد من دخل المرأة فحسب بل تخلق أثراً مضاعفاً؛ إذ إن النساء -على الأرجح- يستثمرن إيراداتهن في صحة أطفالهن وتغذيتهن وتعليمهن.
ولكن على الرغم من هذه المزايا الواضحة، فإن وتيرة التغيير ما تزال بطيئة جداً؛ إذ قاتلت النساء السعوديات منذ ثلاثة عقود قبل إتمام قانون إلغاء حظر القيادة، وحتى بعد هذا النصر المؤزر سيستمر نظام الوصاية السعودي البالغ بالتقييد بمنع النساء من فتح حساب مصرفي، والبدء بأعمال حرة معينة والحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج دون محرم، ويمكن القول إن الحد من مشاركة النساء الكاملة في النواحي الإقتصادية يعدُّ من القيود المهمة أكثر من الحظر المفروض على قيادة السيارة.
تشير إحصاءات البنك الدولي إلى أنّ نحو 90% من اقتصادات العالم ما يزال لديها قانون واحد مدون على الأقل يعرقل فرص المرأة في النواحي الاقتصادية، وعلى الرغم من التطور السريع في وضع المرأة في مجالات أخرى -كانخفاض معدل وفيات الأمهات بنحو ملحوظ على مدى العقدين الماضيين، وإغلاق الفجوة بين الجنسين في المدراس الابتدائية تقريباً خلال المدة الزمنية نفسها- فقد انخفضت مشاركة المرأة عالمياً في قوى العمل من 52% إلى 50% بين عامي 1990 و2016؛ ويرجح سبب ذلك في جزء منه إلى استمرارية مثل هذه القيود القانونية.
مساعدة النساء على النجاح
من الضروري أن يكون تعزيز وتيرة التغيير من أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فقد كان كذلك في السنوات الأخيرة؛ ففي العام 2009 عينت إدارة أوباما أول سفير أميركي لقضايا المرأة العالمية من أجل قيادة الجهود الأميركية على هذه الجبهة. وفي عام 2011 استضافت الولايات المتحدة الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ بشأن مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي الذي أدى إلى التعهد بالتزامات تأريخية نحو تعزيز شمول المرأة في نطاق العمل متضمناً الإصلاح القانوني. وفي عام 2014 عملت الولايات المتحدة مع قادة مجموعة العشرين على وضع هدف يطمح بزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة بنسبة 25% خلال العقد المقبل، وهو هدف من شأنه أن يؤدي إلى انخراط ما يقرب من 100 مليون امرأة إلى قوى العمل العالمية.
وينبغي لإدارة ترامب أن تساند هذه المبادرات، وأن تضع سياسات جديدة من شأنها تمكين المرأة في النواحي الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن الإدارة قد تعرضت لانتقادات مبررة بسبب التقليل من حقوق المرأة في مجالات الصحة والتعليم وغيرها من المجالات، فإنها تعترف بأهمية مشاركة المرأة في الاقتصاد. وفي تموز من العالم 2017 وضعت واشنطن موارد دبلوماسية ومالية لتطوير مبادرة تمويل المشاريع الصغيرة للمرأة (Women Entrepreneurs Finance Initiative We-Fi) -هي شراكة مع البنك الدولي والبلدان الأخرى التي ستستفيد من تمويلٍ قدره بليون دولارٍ لتحسين فرص حصول المرأة على رأس المال- فهذا البرنامج -الذي وصفه البيت الأبيض بأنه من بنات أفكار إيفانكا ترامب- يتوسع في الواقع على أساس أنموذج شُرِع خلال إدارة أوباما يسمى برنامج دعم رائدات الأعمال (Women Entrepreneurs Opportunity Facility)، وهو يستمر حتى اليوم، ويهدف إلى سد الفجوة بين الجنسين للحصول على ائتمان.
ولكن لتحقيق عائدات حقيقية على استثمارها في تنظيم المشاريع النسائية، يجب على الإدارة الأميركية الحالية أن تعتمد نهجاً أكثر شمولية؛ إذ ستبقى محاولات المرأة للوصول إلى رأس المال مجرد محاولات إذا بقيت محظورة قانونياً من الدخول في علاقات تجارية أو شغل مناصب متاحة للرجال. وقد انتقد بعضهم مبادرة تمويل المشاريع الصغيرة للمرأة (We-Fi)؛ لعدم اتخاذها العوائق القانونية والنظامية التي تعيق مشاركة المرأة في النواحي الاقتصادية. وتساءل آخرون عن التزام بعض الدول الشريكة -بما في ذلك روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- بالنظر إلى أوجه عدم المساواة بين الجنسين المنصوص عليها في قوانينها. وقد أدّى تراجع ترامب في قيادته الأميركية بشأن قضايا المساواة وحقوق الإنسان في الخارج إلى تفاقم هذه الشكوك. وقال ترامب خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في شهر أيار من هذا العام: “نحن لسنا هنا لنخبر الأشخاص الآخرين كيف يعيشون، وماذا يفعلون، ومن يكونون؟”، فجاءت هذه الزيارة في الوقت الذي يسري فيه قانون الحظر على القيادة، جنباً إلى جنب مع مختلف القيود التي وضعت للنساء والتي بقيت سارية المفعول، وإذا كانت الإدارة جادة في النهوض بالمشاركة الاقتصادية للمرأة على الصعيد العالمي، فعليها أن تتصدى للقوانين والسياسات غير العادلة للمرأة، وأن تتقبل بزمام القيادة العالمية التي رفضها ترامب.
وفي نهاية المطاف، ستسهم مشاركة المرأة في النواحي الاقتصادية إلى تحسين المجتمعات ودفع عجلة النمو.
ينبغي أن تبدأ الولايات المتحدة بربط المساعدة الإنمائية بالتقدم المحرز في مشاركة المرأة في النواحي الاقتصادية، وهي استراتيجية من شأنها أيضاً أن تدعم التزام الإدارة بالإنفاق العام الفعال، وبعض المنظمات تفعل ذلك بالفعل، فعلى سبيل المثال: تقوم مؤسسة تحدي الألفية (Millennium Challenge Corporation) وهي وكالة إغاثة تمولها الحكومة الأميركية بتقييم الوضع القانوني للمرأة في بلد ما حين اتخاذ قرارات بشأن ما إذا كان ينبغي تقديم المساعدة، وتقييم العوامل بما في ذلك قدرة المرأة على توقيع العقود أو تسجيل مشروع تجاري، أو اختيار مكان السكن، أو السفر بحرية، أو العمل بصفة ربة الأسرة، أو الحصول على فرصة عمل من دون الحصول على إذن. وقد أسفرت هذه السياسة عن “تأثير مؤسسة تحدي الألفية MCC” على البلدان التي تقوم بإصلاحات قانونية لاجتذاب المعونة الأميركية. وفي عام 2006 أنهى برلمان ليسوتو (Lesotho) في أثناء المفاوضات مع مؤسسة تحدي الألفية الممارسة التي تقضي بمنح المرأة الوضع القانوني للقاصرين. وفي عام 2007 -ولضمان الاستثمار في مؤسسة تحدي الألفية- شَرّعت الحكومة المنغولية إصلاحات في حقوق الملكية أدّت إلى زيادة نسبة الأراضي التي تملكها النساء، وسمحت بجمع بيانات مصنفة حسب نوع الجنس عن تسجيل الأراضي لتأسيس خط أساسٍ ثابت لرصد التقدم الذي يُحرَز في المستقبل. وينبغي توسيع أنموذج “مؤسسة تحدي الألفية” ليشمل جميع برامج المعونات الخارجية الأميركية؛ لضمان أقصى قدر ممكن من العائدات على الاستثمارات الأميركية لتنمية مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي.
ويجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تشجع على إجراء إصلاحات مماثلة في إطار المؤسسات الاقتصادية المتعددة الأطراف. فعلى سبيل المثال، يمكن لواشنطن أن تستخدم نفوذها في صندوق النقد الدولي (IMF) في تطبيق مساواة المرأة في المجال الاقتصادي لأغراض الاستثمار والحصول على تقييم إيجابي من الصندوق الذي يجب أن ينفذ أيضاً برنامجاً تجريبياً يتضمن تقييمات للمساواة القانونية بصدد استعراض الأوضاع في 20 بلداً يتلقى قروضاً منه. وينبغي لصندوق النقد الدولي أن يوسّع من نطاق هذه السياسة لتشمل جميع البلدان المتلقية، ويجب أن يصبح هذا النهج ممارسة متبعة في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف الأخرى كذلك، بدءاً بالمصارف الإنمائية الإقليمية ودون الإقليمية.
وأخيراً، ينبغي أن تعير واشنطن الانتباه إلى العقبات القانونية المتكررة التي ما تزال تعرقل فرص المرأة في المشاركة الاقتصادية ونموها الاقتصادي واسع النطاق؛ ويمكن أن تبدأ وزارة الخزانة الأميركية والدوائر الحكومية بإطلاق تصنيف سنوي للبلدان على غرار تقرير لوزارة الخارجية الأميركية بشأن الاتجار بالبشر، وستؤدي هذه الممارسة إلى زيادة الوعي وخلق المنافسة وتحفيز الإصلاحات على الصعيد القطري.
ومن المؤكد أن الإصلاحات القانونية ليست سوى خطوة واحدة على طريق تحقيق التكافؤ بين الجنسين في الاقتصاد العالمي، إذ يجب تنفيذ الإصلاحات في السياق الثقافي الذي أدّى إلى تفشي التمييز منذ البداية. ولن يحسن بالضرورة التحفيز الرسمي للمساواة من وضع المرأة على الصعيد العملي، بل إن التقدم الحقيقي يتطلب التطبيق الذي يطرح تحدياته الخاصة.
ومع ذلك، فإن القضاء على العقبات القانونية التي تقف أمام مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي يعد أمراً أساسياً؛ فمن دون هذه الإصلاحات لا يمكن للمرأة أن تنال حقها في المنافسة في سوق العمل، وتبين البحوث أن الإصلاحات القانونية يمكن أن تعجّل من التغيُّرات المجتمعية واسعة النطاق، ولاسيما حين تقترن بمبادرات التعليم المجتمعي. ففي السنغال على سبيل المثال: تسبّب الحظر المفروض على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث -مقترناً بحملة إعلامية- إلى انخفاض معدل ممارسة هذا الفعل بسرعة أكبر مما كان عليه الحال في الدول المماثلة التي بقي فيها هذا الفعل قانونياً، ومن خلال تشجيع الإصلاحات القانونية ودعم الجهود الشعبية لتغيير السلوكيات، يمكن للولايات المتحدة أن تحسن بصورة مجدية من مشاركة المرأة في النواحي الاقتصادية.
يجب على واشنطن -في سبيل دفع عجلة هذا البرنامج- ألّا تبالي بالرافضين الذين يدّعون أن تعزيز المساواة بين الجنسين يشكل إمبريالية ثقافية، وألّا تتجاهل مزاعم انتشار الجماعات المحلية التي تقاتل من أجل إدراج المرأة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك المملكة العربية السعودية، إذ تقوم النساء بحملات للمطالبة بحقهن في القيادة منذ أوائل التسعينيات حينما تظاهرت لأول مرة 40 امرأة شجاعة، وعلى الرغم من ذلك هنالك عدد من النقاد يتغاضون عن قضية إدراج المرأة في النواحي الاقتصادية التي تحفز بالفعل التغيير في جميع أنحاء العالم.
وفي نهاية المطاف، تحسن مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي من المجتمعات وتدفع عجلة النمو قدُماً، فتكافؤ الفرص عبر القانون ليست مجرد مسألة عادلة فقط؛ بل إنها ضرورة اقتصادية تتجاهل خطورتها جميع البلدان على وجه الأرض، وقد آن الأوان كي تتحرك واشنطن وأن تستخدم نفوذها لدفع الآخرين إلى التحرك كذلك.
المصدر:
https://www.foreignaffairs.com/articles/2017-12-12/let-women- work?cid=int-fls&pgtype=hpg