عانت العملية التعليمة في العراق منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي من الإهمال والركود؛ بسبب سياسات الحروب التي انتهجها النظام المباد، وما تبعها من اهتمام مبالغ بالقوة العسكرية على حساب المرتكزات الكثيرة التي تبنى على أساسها الدول المتطورة وعلى رأسها النظام التعليمي الذي يعدّ قاعدة الهرم في تطور الأمم، فضلاً عمّا تركه الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي، والذي أطاح بما تبقى من بنى تحتية للتعليم في العراق. وفي حين كان النظام التعليمي في العراق يعدُّ من بين الأنظمة المتطورة في المنطقة، بات اليوم يعدّ من بين أكثر الأنظمة التعليمية التي تعاني من مشكلات كثيرة يكاد يكون أغلبها مستعصياً؛ بسبب عدم جدية القائمين على رسم سياسات الدولة، وضعف القيادات التعليمية في كثير من مفاصلها.
وإن أي محاولة لوضع حلول لمشكلة ما، تتطلب رصد هذه المشكلات والتعرف إليها من كثب، والوقوف على أسبابها وحيثياتها، وهذا الأمر ينطبق على المعوقات والمشكلات التي تعترض العملية التربوية في العراق؛ فلا بد إذن من تحديدها، والوقوف على أسبابها، ومن ثم إيجاد الحلول الملائمة لكل مشكلة منها؛ ومن هنا جاءت محاولتنا هذه للوقوف على أسباب ما يمكن أن نسميه «مشكلات التعليم في العراق»، منطلقين من تحديدها وبيان أسباب نشوئها، إذ نرى أن الأسباب هذه ممكن أن تصنف على صنفين: فمنها ما يعود إلى أسباب خارجية تتمثل بتراكم المشكلات التي مرت بالبلد نتيجة السياسات الخاطئة التي انتهجت منذ أكثر من ثلاثة عقود ونيف، وما ترتب عليها من إهمال وتهميش لقطاع التعليم في العراق، وتدهور البنى التحتية في البلاد بصورة عامة، والتعليم بصورة خاصة. ومنها ما يعود إلى أسباب داخلية تختص بالعملية التربوية وأركانها الثلاثة (الطالب، والمعلم، والمدرسة)، فلكل ركن من هذه الأركان أثره في خلق ما يعترض سبيل التعليم، إذ إن أي قصور في عمل أي ركن منها يتسبب في إعاقة عمل الركنين الآخرين، وصلاح هذه الأركان هو صلاح العملية التربوية بأجمعها.