أمين جول شان، صحيفة سوزجو المعارضة.
القرّاء الأعزاء، ربما لا يعجب الكثيرين من متابعي الأخبار تحليلي حول ما يجري في سوريا، لكن اعتقادي يقول إن ما حصل هو مؤامرة مدبرة من دول كبرى؛ للعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة.
إن الاتفاق على الإطاحة بنظام بشار الأسد ضرب الجارة سوريا في العمق ضربة قوية، وحوّلها إلى دولة مدمّرَة، ولكنها على الرغم من هذا ما تزال تقف على قدميها ولم تسقط. وما أُلِّف عليها من مسرحية لا يمكن تصديقها ولكنها -مع الأسف- حقيقة مرّة بدأت بشن فتن وحرب داخلية أضرمت فيها النار منذ عام 2011، وهي مستمرة حتى الآن؛ وهنا سأعرض لكم بلغة الأرقام ما جرى في سوريا:
– عدد المفقودين والقتلى 480 ألفاً.
– أكثر من 5 ملايين سوري هرب من الحرب في الداخل التي سُخِّر لها وتم دعمُها من الخارج.
– نحو 3.5 مليون منهم لجأ إلينا في تركيا.
– عدد المهاجرين والمشردين نحو 6.6 مليون شخص.
إنّ هذه الأرقام موجودة في السجلات الرسمية باستثناء الكم الهائل من الأعداد التي لم تسجل ولم تذكر؛ ومن هنا نفهم حجم المأساة؛ لأن الكثير من السوريين دخلوا تركيا على أمل الهجرة إلى أوروبا وبدء حياة جديدة في بلاد الغرب، لكن بعضهم لم ينجح وخسر حياته وغرق في مياه الأبيض المتوسط. والآن ومع وجود الملايين من السوريين يعيشون في بلادي أصبح هؤلاء عبئاً كبيراً لنا نحن الأتراك، والشعب غير راض عن تواجدهم.
وبعد كل هذه الأحداث ما زالت حكومة الأسد تحكم سوريا، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو لِمَ نظام بشار الحاكم مستهدف من حكومة تركيا؟ ولنسأل مرة أخرى: هل كان بشار الأسد يصدِّر لنا الإرهاب من الحدود المرسومة بيننا بمسافة 911 كيلومتراً، أو كانت له أطماع ويحاول التوغل في الأراضي التركية، أو كان له عداء يبطنه ولا يعلنه؟ الجواب بالتأكيد لا.
لم تكن لنظام الأسد علاقات سيئة مع تركيا قبل الأحداث، ولو عدنا إلى الماضي القريب أيام حكم والد بشار الراحل حافظ الأسد سنرى أن الأخير كانت له علاقات وطيدة مع زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا عبد الله أوجلان؛ ومن هنا نفهم أن حافظ الأسد هو العدو الحقيقي لتركيا لمناصرته ومساندته مجرماً ملطخة يداه بالدماء، ودعمه لتكوين حزبه داخل أراضي سوريا وتجنيد مقاتلين يتجهون للقتال في الأراضي التركية في حرب ضروس، وكان حافظ الأسد المستفيد الأبرز من الحرب الكردية-التركية كونها تستنزف الطرفين معاً.
وبسبب ما تقدم من أحداث بدأ صبر تركيا ينفد، ففي سنة 1998 زار الجنرال (أتيلا أتيش) قائد القوات العسكرية مدينة هاتاي الحدودية مع سوريا، ووجه خطاباً حاداً إلى النظام الحاكم في دمشق تضمّن تهديداً واضحاً بقوله: “في حالة بقاء أوجلان المطلوب من السلطات التركية في الأراضي السورية مدعوماً من قبل حكومة سوريا فإننا لن نتردد أبداً بأن نقوم بما يتوجب على القوات التركية القيام به”. ومن بعد خطاب أتيلا أتيش تحدث الرئيس السابق سليمان دميرال في مجلس النواب مخاطباً الحكومة السورية أن الأمر ليس بمزحة وأن القوات التركية ستدخل إلى سوريا.
وفهم حافظ الأسد أن الحكومة التركية عازمة على أمر عسكري ضد سوريا، وبدأ بالضغط على حزب العمال الكردستاني لإغلاق معسكراته والخروج من أراضيه، واتجه النظام السوري إلى التنفيذ الفعلي والعملي؛ لتحسين الأوضاع والعلاقات مع تركيا، وانتقل أوجلان إلى كينيا وعاش فيها مدّة حتى أُلقيَ القبض عليه وسجنه.
وبعد وفاة حافظ الأسد تولّى ابنه بشار الحكم وبدأ بتحسين العلاقة السورية-التركية، ولم يرتكب الخطأ التأريخي الذي ارتكبه والده، ونجح بتوثيق رابط العلاقة بين البلدين الجارين. وبدأت الزيارات المتبادلة واللقاءات ذات البعد العائلي في تركيا مرة وفي سوريا مرة أخرى، وكانت العبارة المتبادلة بين الرئيسين (أخي بشار وأخي طيب)، وتم إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين، وازداد حجم التجارة وتحولت حدود الـ 911 كليومتراً إلى أرض الأخوّة والصداقة، واستمرت العلاقات الطيبة إلى أن وصلتنا رسالة أمر من البيت الأبيض بقولها: إننا قررنا الإطاحة بنظام الحكم في سوريا، وعلى تركيا كدولة حليفة لنا العمل معنا في سوريا.
وبعد ذلك تحوّلت الصداقة التركية-السورية إلى عداء مفاجئ؛ وبهذا ساند رئيسنا -أردوغان- الحرب الداخلية في سوريا؛ والنتيجة أننا خرجنا بأعداء جدد على حدودنا أكثر إرهاباً هم داعش التنظيم الإرهابي المتشدد ومنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابي، ورايات هؤلاء الجيران الجدد تعلو السماء. ومضت الأعوام والحكومة التركية تنتظر الأمل في سقوط نظام الحكم في سوريا ليصلّوا صلاة الجمعة في المسجد الأموي الكبير في الشام.
وفي خضم كل هذه الأحداث والخطابات والمشادات الكلامية كان هناك الآلاف ممن قتلوا وذبحوا، والملايين ممن يعانون العوز والجوع؛ وحصيلة تركيا من كل هذا أن أصبح لها أعداء جدد وزيادة في الديون بملايين الدولارات؛ فقد وقعنا في ورطة كبيرة، ولم نستمع للأصوات التي كانت تحاول دفعنا من هذه الأحداث بإشعال نار الحرب، وتقديم الدعم للحرب الداخلية في الجارة سوريا.
والآن عدنا إلى نقطة البداية لنتفق مع روسيا وإيران للعمل على حلِّ الأزمة السورية في اجتماعات سوتشي، وقررنا في القمة الثلاثية أن تبقى سوريا دولة موحدة، ولن نسمح بالانقسامات في الداخل السوري، وسوف نعمل من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
والآن أخي القارئ ألا ترى أننا عدنا إلى النقطة التي كنّا فيها على علاقة قويّة مع سوريا؟ وهنا يكون التساؤل الأهم هو: لماذا شاركنا في حدوث كل هذه المآسي؟!
المصدر:
http://www.sozcu.com.tr/2017/yazarlar/emin-colasan/suriye-faciasinin-bir-baska-boyutu-2105573