عرّضت الهجماتُ الإرهابية في ولاية نيويورك في الحادي عشر من أيلول من عام 2001 والحروب اللاحقة في العراق وأفغانستان الغربَ إلى خطر مفاهيم التطرف التي لم تشهدها من قبل. وفي حين أن العديد من الصراعات خلال الحرب الباردة وما تلتها من عواقب وخيمة تشكلت عبر الأيديولوجيات السياسية والتوترات العرقية، فإن الأحداث في عام 2001 وما أعقبها تم من خلالها استقطاب الأفراد وجذبهم من أجل غايات تنتهي بالتطرف التدريجي؛ ومنذ ذلك الحين تعاني أغلب دول العالم إلى يومنا هذا من آثار ما حدث في ذلك اليوم.
ومذ ذاك الحين، يسعى المحللون والمتخصصون بالأمن إلى شرح الكيفية والأسباب وراء انجذاب الأفراد نحو قضية التطرف. وعلى الرغم من الكميات الهائلة من الكتب التي تم نشرها عبر تلك السنين، إلا أن التعريف الدقيق للتطرف ما يزال غير قائم؛ وفي غضون ذلك، برزت أسئلة أخرى فيما يتعلق بالتمييز بين التطرف العنيف وغير العنيف، والأدوار المعينة التي يؤدونها لزيادة جذب الأفراد نحو الأفكار العقائدية.
ما تزال الجماعات المتطرفة والأيديولوجيات تحرّض على القتل والدمار عبر العالم، فقد قام تنظيم داعش بإنهاء التطرف الإسلامي الذي يمثله تنظيم القاعدة الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق وليبيا ومصر، وإن الإرهابيين الذين يتم توجيههم من قبل ايديولوجية الجماعة مسؤولون عن الهجمات الدموية في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسويد، وفرنسا، وبلجيكا، وتونس وأماكن أخرى.
وكرد فعل، عادت كل من الفصائل المهمشة التي كانت في سبات عميق من المتطرفين اليمينيين وجماعة المتفوقون البيض والنازيين في القرن الحادي والعشرين، إذ قامت بأعمال تشجع على كره الأجانب وبغضهم، وقامت بهجمات في النرويج، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.
وفي مواجهة هذه التهديدات، وجدت حكومات دول العالم نفسها تحاول صياغة استجابة مستدامة ومتماسكة ضد قوى التطرف، وبينما أن بعض الحكومات اتبعت نهجاً أورثوذكسياً في مواجهة التطرف ضمن إطار الاستراتيجية الشاملة لمكافحة التطرف، إلا أن عدداً قليلاً من الحكومات قد تنافست من أجل البدائل.
وتسعى ورقة البحث هذه إلى استكشاف مفهوم التطرف، وتعاريفه، ومجموعاته الفرعية، والطرق التي تتصدى بها الحكومات للتطرف. وتناول الفصل الأول الطرق المختلفة التي تم تعريف التطرف بها، ويلاحظ أن تعاريف التطرف قد تباينت من بلد إلى آخر، بل إن حكومات مختلفة في البلد نفسه قدمت تعديلات على كيفية تعريفها للتطرف، والتركيز على كيفية حدوث هذه العملية داخل المملكة المتحدة التي هي دراسة الحالة لهذه الورقة، وبعد ذلك، يُسلَّطُ الضوء على السبل المميزة التي تم بها تعريف «التطرف العنيف» و«التطرف غير العنيف»، مع ملاحظة أن المفهوم الأخير لاقى صدى كبيراً وأهمية متزايدة في استراتيجية المملكة المتحدة لمكافحة التطرف.
بعد ذلك، تحلل هذه الورقة استراتيجية مكافحة التطرف في المملكة المتحدة، وباستخدام تقارير موثوقة ومنشورة للحكومة؛ وهي الطريقة التي من خلالها تعول الحكومة البريطانية على الروايات المضادة للتطرف، وتنكر المتطرفين حول العالم، ومن خلالها تهدف إلى زيادة الأصوات الموثوق بها ضد التطرف، وتستخدم القوى المستهدفة لتعطيل الأنشطة المتطرفة، وتهدف إلى بناء مجتمعات متماسكة لا ترى التطرف مشكلة. وفي سياق تحليل برنامج مكافحة التطرف، تولي ورقة البحث هذه اهتماماً خاصاً لبرنامج المنع في استراتيجية مكافحة الإرهاب ونظام إحالة القناة الذي يهدف إلى العمل كنظام للإنذار المبكر تجاه الأفراد الذين يتجهون نحو التطرف.
مظانّ الورقة سيتم التطرق إلى المخاوف المتعددة التي يواجهها، برنامج المنع، ونظام إحالة القناة، واستراتيجية مكافحة التطرف ككل، وكذلك سبب أهمية هذه المخاوف عند تقييمها على المستوى الكلي، وكيف يمكن أن تضرَّ بمشاريع مكافحة التطرف في أماكن أخرى. ويولى هذا القسم اهتماماً خاصاً نحو الاتهامات من أن هذه البرامج استهدفت المواطنيين المسلمين البريطانيين بنحوٍ غير عادل، بينما كانت تتجاهل التهديد المتزايد من المتطرفين اليمينيين.
وفي الفصل الأخير، تبحث هذه الورقة في جدوى تطبيق برنامج المنع، وبرنامج مكافحة التطرف ككل في العراق؛ إذ إن العراق -بوصفه بلداً يقترب إلى نهاية حربه ضد فصيل من المتطرفين الإسلاميين- بحاجة ماسة إلى استراتيجيات صارمة وشاملة لمكافحة التطرف؛ لذا سيتم تسليط الضوء على الكيفية التي يمكن بها لأنموذج المنع أن يكون وسيلة مناسبة تركز على المجتمع في العراق حيث لا تزال شبكات الدعم العائلي والقبلي والديني من أكثر المؤسسات الشعبية شمولاً في أعقاب الحرب التي اجتاحت معظم أنحاء البلاد. ومن ثم تختتم ورقة البحث هذه بتحليل برامج مكافحة التطرف عبر مقارنتها بين ألمانيا والمغرب وكلاهما يكمل أنموذج مكافحة التطرف القائم على المنع في العراق، وسيكون مناسباً للسياق الاجتماعي والسياسي للبلاد.
وبوجه عام، تحدد هذه الورقة استراتيجية المملكة المتحدة لمكافحة التطرف كونها واحدة من أكثر الأمثلة قوة وشمولية على الاستراتيجيات القائمة، وتلاحظ أيضاً أنه على الرغم من وجود عددٍ من أوجه القصور الهيكلية والعملية تعوق قدرة البرامج على أن تكون فعالة تماماً، فإنها مع ذلك تمثل نهجاً يركز على المجتمع إلى حد كبير لمكافحة التطرف الذي يميز النهج البريطاني عن السياسات التي تركز على الأمن في بلدان مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل. وقد تم الشروع بعدد من الاستراتيجيات القائمة على المجتمع في كل من هذه البلدان، ومع أن تلك الاستراتيجيات ما تزال تتمتع بقدر كبير من الثقة العامة، فهي تفتقر إلى إمكانيات البرامج البريطانية وعمقها؛ وهذا الاستدلال يدعم السبب الذي من خلاله يوصي المؤلف ببرامج مكافحة التطرف في ألمانيا والمغرب على أساس أنها تتصف بقدرتها التكميلية، حيث تقدم برامج هذين البلدين استراتيجيات تتوافق مع استراتيجية مكافحة التطرف البريطانية ويمكن أن تكون متممة لها.