تعدُّ الموازنة العامة للدولة “ترجمة مالية وكمية ونقدية للأهداف التي ترغب الدولة بتحقيقها مستقبلاً خلال مدة مالية مقبلة”[1]، بمعنى أن الموازنة العامة للدولة بمنزلة الأداة الرئيسة في تحقيق إنجازات الأداء العام لها، وهي تقوم على “الجداول المتضمنة تخمين الواردات والمصروفات لسنة مالية واحدة تعين في قانون الموازنة”[2]؛ فتعمل الدولة من خلال الإعداد والنظر إلى مدخلاتها ومخرجاتها داخل هذه الموازنة؛ لغرض تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتأمين الرفاهية للمجتمع، وانطلاقاً من هذه الأهمية عقد مركز البيان للدراسات والتخطيط ندوة علمية بعنوان (قراءة أولية في موازنة العراق 2018)، بمشاركة الدكتور مظهر محمد صالح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، والدكتور إحسان الياسري مدير عام دائرة الموازنة في البنك المركزي العراقي، والدكتور لؤي الخطيب مدير معهد العراق للطاقة، وبحضور نخبة من الأكاديميين والباحثين، والمهتمين، وشخصيات من المصارف الأهلية، ورجال أعمال. وقد قدم خلالها المشاركون ملاحظاتهم العامة بشأن إعداد الموازنة العامة للعراق للسنة المالية القادمة.
وقد بيّن الدكتور مظهر محمد صالح أهمية قانون الموازنة، والتحديات التي يوجهها العراق في ظل انخفاض سعر النفط العالمي الذي أثّر بنحوٍ عام في إعداد الموازنة العامة للعراق منذ ثلاث سنوات، فضلاً عن توجهات الحكومة في المرحلة المقبلة لإعداد موازنة قائمة على أسعار حقيقية للنفط؛ للتخلص من العجز الافتراضي في الموازنة، ولاسيما أن العراق ما يزال يعتمد على الاقتصاد الأحادي الجانب دون الالتفاتة إلى تنويع اقتصاده، وقد أشار صالح إلى أن المشكلة تكمن في هذه الموازنة بالاستفادة المالية من حجم الواردات أمام حجم النفقات.
وقد أكد الدكتور صالح اختلاف تسعير النفط في هذه الموازنة عن السنوات السابقة من أجل بناء موازنة حقيقية على وفق سعر السوق العالمية؛ وذلك من أجل معالجة البطء في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، ووضع خطط تنموية واضحة المعالم ولاسيما أن البلد يمرّ بأوضاع أمنية وسياسية واقتصادية غير مستقرة؛ مما سيؤثر بصورة مباشرة على إعداد الموازنة. فيما كشف عن أن الإنفاق طوال السنوات الماضية كان ينصب على جانب الطاقة بشقيه (الكهرباء والنفط)، وشدد على ضرورة إيجاد مصادر دخل بديلة؛ لرفد ميزانية الدولة جنباً إلى جنب النفط الذي يشكل المصدر الأساس لها.
وفي ختام حديثه أشار الدكتور صالح إلى أن العراق ملتزم أمام المؤسسات المالية الدولية، وعليه أن يكون جاداً أمام تلك الالتزامات ولاسيما مع الديون المترتبة عليه بعد أن انتقل من الفائض في الإيرادات إلى العجز؛ ومن ثم إلى حرب تسببت بإنفاق الإيرادات على المؤسسة العسكرية الذي يقابله قلة الموارد.
أما الدكتور إحسان الياسري فقد أشار في بداية حديثه إلى الجهود المبذولة في البنك المركزي طوال السنوات الماضية؛ من أجل دعم الاقتصاد العراقي والسيطرة على التضخم، وبيّن أن الموازنة لا قيمة لها ما لم يصدر الحساب الختامي للدولة في نهاية العام، فضلاً عن تفعيل دور الرقابة على مختلف مستوياتها المتمثلة بالسلطة التشريعية، والتنفيذية، ووزارت الدولة كافة، وديوان الرقابة المالية، وغيرها من المؤسسات الرقابية، ودعا إلى ضرورة إدارة المنافذ الحدودية والجمركة بنحوٍ فعّال، وجباية الضرائب التي تعود بالفائدة إلى خزينة الدولة، متوقعاً أن تصل إيرادات الجمارك الحدودية هذا السنة من 6 إلى 7 ترليونات دينار، وهي مبالغ كبيرة تدعم ميزانية الدولة في ظل الظروف التي يعيشها العراق، وكذلك العمل على دمج بعض المصارف، وفتح صناديق تنموية جديدة تسهم في حركة التنمية الاقتصادية داخل العراق.
وقد شهدت الندوة عرضاً لدراسة قدمها الدكتور لؤي الخطيب إلى أسعار النفط العالمية، وتأثيرها على إعداد الموازنة، وضرورة الأخذ بالتخطيط المبني على الحقائق الفعلية حين إعدادها، فقد أشار إلى أن العراق بحاجة إلى مراجعة شاملة إلى هيكلة الوظائف داخل مؤسسات الدولة، فضلاً عن إعادة النظر بسلم الرواتب؛ لأن الوضع قد تغيّر فيما يخص أسعار النفط، وأن أمام العراق عشرين عاماً من أجل استغلال وارداته النفطية بالنحو الصحيح ولاسيما أن العالم يتجه نحو الطاقة البديلة التي ستؤثر كثيراً في حجم الإنتاج لسوق النفط العالمية.
وقال الدكتور الخطيب إن التحركات السياسية الأخيرة ربما ستُلقي بظلالها على عملية إنتاج النفط في المناطق الشمالية، ولاسيما أن النفط يعتمد على ثلاثة عوامل في عملية إنتاج سليمة، وهي سعر النفط، وحجم الإنتاج، وكلف الإنتاج للشركات العاملة، وهي بدورها تؤثر في عملية إعداد الموازنة العامة للعراق أو صياغتها، وأشار إلى ضرورة مراجعة طبيعة العقود النفطية في جولات التراخيص التي وقعها العراق مع الشركات العالمية قبل سنوات.
التوصيات:
- بناء الموازنة على أسعار النفط الحقيقية؛ لتفادي ارتفاع العجز الافتراضي فيها.
- إعادة النظر في التخصيصات المالية داخل الموازنة حسب الأولوية.
- تشكيل لجان مختصة تعمل على التواصل مع المؤسسات الأكاديمية، والبحثية، ومنظمات المجتمع المدني؛ من أجل إرشاد صانع القرار لأهم الفقرات المالية عند صياغة الموازنة العامة.
- العمل على استثمار القطاعات غير النفطية مثل: السياحة الدينية، والرسوم الجمركية في زيادة حجم الإيرادات السنوية.
- تنويع الموارد الاقتصادية، وعدم إعطاء ذريعة الفساد في عدم التنمية الاقتصادية.
- تفعيل دور الرقابة على تنفيذ الموازنة.
- إدارة المنافذ الحدودية والموانئ البحرية عبر شركات استثمارية عالمية.
- فرض رسوم محلية داخل المحافظات على استخدام الطرق السريعة؛ لما لها من مردود مادي يسهم في دعم خزينة الدولة.
- تطویر جمیع أصول الغاز غیر المصاحب بحلول عام 2025 للوفاء بالمستوى المحلي الطلب.
- الاستفادة من الغاز في الصناعات المحلية والحصول على دخل من خلال تصدير الفائض.
- إيقاف حرق أي غاز مصاحب، وتنويع المنافذ النفطية بحلول عام 2020 وتطوير إستراتيجية تسويق دولية تنافسية للبترول.
- مراجعة الميزانيات وإصلاحها جذرياً، والحد من الإنفاق، و تنفيذ خطة جادة لتحويل العمالة من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
المصادر:
[1]– زكريا فريد، إعداد الموازنات التخطيطية، جامعة عين شمس، متاح على الرابط الإلكتروني: http://www.dallah-forum.com/pdf/PreparationOfBudgets.pdf.
[2]– قانون أصول المحاسبات العامة العراقي المعدل، الفقرة (١) من المادة الثانية.