د. أسامة عباس الساعدي[1]
كان العراق من الدول شبه الخالية من المخدرات إلى وقت قريب، لكنه كان دوماً ممراً رئيسياً للمخدرات خلال الحقب الماضية، فقد تكون المعايير الثقافية الغنية والمعتقدات الدينية والأخلاقية التأريخية للأمة العراقية لها الدور الأساس في الحفاظ على منع استخدام المواد المخدرة، وقد كان العراق يعيش ظروفاً اقتصادية سيّئة وفي عزلة تامة في زمن النظام السابق التي لم تكن تشجع تجار المخدرات على الترويج لتجارتها؛ كون أغلب الناس كانوا يعيشون في فقر وحاجة للمقومات الأساسية للحياة، فضلاً عن أن القضاء كان متشدداً في الأحكام الخاصة بالمخدرات؛ فكل تلك العوامل كان لها الأثر الكبير في الحفاظ على البلد من انتشار المواد المخدرة.
ولغرض الحفاظ على العراق خالياً من المواد المخدرة فقد تم إنشاء “اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات وسوء استخدام العقاقير” برئاسة وزارة الصحة عام 2004 وبقرار من مجلس الحكم التي تم إقرارها بالقانون الجديد الخاص بمكافحة المخدرات مع تحديد هيكليتها الجديدة. ويرأس اللجنة وزير الصحة، وممثلون عن نظام الأمن الوطني، ووزارة الداخلية، ووزارة التربية، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة العدل، ومجلس القضاء الأعلى، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وجهاز المخابرات، ووزارة الخارجية، وأمانة بغداد وممثلي الوقف الشيعي والسني، فضلاً إلى عضوية المستشار الوطني للصحة النفسية، ومدير برنامج المخدرات، ومدير معهد الطب العدلي، وممثل من الدائرة الفنية لوزارة الصحة.
وحتى الآن ركزت اللجنة على الموضوعات والإنجازات الآتية:
- تم كتابة مسودة قانون مكافحة المخدرات تحت إشراف اللجنة الوطنية العليا الذي تم إقراره في البرلمان، وتم نشره في الجريدة الرسمية والذي وضع هيكلية اللجنة الوطنة العليا لمكافحة المخدرات برئاسة وزارة الصحة وعضوية مديرين عامين من وزارات مختلفة. وتجتمع تلك اللجنة شهرياً حسب القانون الجديد، ويتم تعميم توصياتها من خلال الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
- إنشاء لجان فرعية منبثقة عن اللجنة الوطنية العليا في جميع محافظات البلاد برئاسة مدير عام دائرة الصحة وعضوية ممثلين من مختلف الوزارات.
- تم تحديث الجداول الخاصة بالمخدرات والمؤثرات العقلية وحسب حاجة البلاد وتحديثات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات.
- تم وضع ضوابط خاصة للحد من انتشار بعض المواد التي يساء استعمالها مثل مادة الترامادول.
- إقامة عدة حملات إعلامية للحد من انتشار المواد المخدرة.
- تشكيل عدة لجان منبثقة عن اللجنة الوطنية العليا، كلجنة السلائف الكيميائية، ولجنة العمل المجتمعية الوبائية، ولجنة تعديل الجداول الخاصة بالمخدرات، وغيرها من اللجان التي لها دور أساسٌ في الحد من انتشار المواد المخدرة، فضلاً عن مساهمتها في كثير من الأمور التي لها دور في تقليل العرض وخفض الطلب للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية.
المواد المخدرة والمؤثرات العقلية في الوقت الحاضر
تقتصر المشكلات والاضطرابات المتعلقة بتعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية بصورة رئيسة على أدوية الوصفات الطبية التي يساء استخدامها، والميثامفيتامين الذي زاد انتشاره في السنوات الأخيرة ولاسيما في البصرة. وحتى الآن لم يشمل استخدام المواد المخدرة أنماط ذات ضرر كبير فهو لا يمثل خطراً يجب العمل لتجنبه مثل استخدام حقن المخدرات التي قد تسبب في انتشار أمراض نقص المناعة، والتهاب الكبد الفايروسي.
أما ما يخص صرف الأدوية التي يساء استعمالها، فيبدو أن الوضع أكثر حرجاً؛ فالأدوية الشائعة التي يساء استخدامها هي: البنزوديازيبينات، وبنزهكسول، والكودايين، والمنشطات، والترامدول، وما الى ذلك[2]، وعلى وفق السلطات في وزارة الصحة فقد لوحظ عدة أسباب لانتشار هذه الأدوية، منها:
- الضغوط النفسية والإجهاد الشديد اللذين يعاني منهما أفراد المجتمع؛ بسبب الإرهاب، والظروف الاجتماعية، والاقتصادية غير المستقرة التي تواجه العراق في الوقت الراهن.
- ضعف تنفيذ الدلائل والمبادئ الإرشادية التنظيمية لوصف الأدوية.
- ضعف تنفيذ الدلائل والمبادئ الإرشادية التنظيمية في السيطرة على بيع الأدوية.
وتدرس وزارة الصحة -بناءً على دراسات ميدانية- عدَّ انتشار المواد المخدرة والمؤثرات العقلية مشكلة صحية خطيرة تهدّد المجتمع في السنوات القادمة.
وقد لوحظ خلال السنوات الأربع السابقة زيادة معدلات استخدام المواد المثامفيتامينية مثل ما يطلق عليه الكرستال، وكذلك حبوب الكبتاكون أو ما يسمى بـ(صفر واحد)، وكذلك زيادة يسيرة في استخدام مادة الحشيشة؛ وهذا ما يستوجب الانتباه والتشديد على وضع برامج وقائية ولاسيما في المناطق الموبوءة.
العلاج الخاص بالمواد المخدرة
لا يوجد مركز وطني متخصص بعلاج الإدمان وإعادة تأهيل مرضى الإدمان، وإنما يتم علاجهم داخل الردهات النفسية ضمن المستشفيات، أو في أفضل الحالات يكون بأسِرّة منفصلة خاصة التي هي قليلة جداً؛ فعدد الأسرّة الكلي لعلاج الإدمان في محافظات العراق -عدا إقليم كردستان- لا يتجاوز 30 سريراً أغلبها في بغداد، وغالباً ما تكون غير مشغولة، إلا أنه يتوقع بعد نشر قانون المخدرات الجديد أن تواجه وزارة الصحة تحديات كبيرة، وأن تحتاج إلى رفع عدد الأسرّة إلى أضعاف وفي جميع المحافظات كون القانون الجديد يقوم بتقسيم الذين يتم القبض عليهم من قبل السلطات ثلاثةَ أصناف:
- الصنف الأول: المتاجرون، ويتم معاقبتهم قانونياً.
- الصنف الثاني: المدمنون، وهم الذين يتم إجبارهم على العلاج من قبل القاضي في المؤسسات الصحية لمدة قد تصل إلى 30 يوماً، فيما قد يتم تمديدها حسب الحاجة إلى 180 يوماً، وبعد السماح بخروجهم من المستشفى يرفع تقرير بذلك إلى القضاء حيث يتم إلزامهم بمراجعة عيادة (نفساجتماعية) لعدة أشهر.
- الصنف الثالث: المتعاطون، ويتم إجبارهم على مراجعة عيادة (نفساجتماعية) لعدة أشهر.
وهذا الموضوع سيشكل زخما كبيراً على المؤسسات الصحية المتخصصة بالعلاج.
خطة العمل المقترحة لمواجهة انتشار الإدمان
- تلتزم جميع جهات صاحبة القرار في تنفيذ فقرات قانون مكافحة المخدرات بعد إكمال جميع الإجراءات التشريعية.
- مراجعة التشريعات وتحديد قضاة متخصصين بالنظر في قضايا المخدرات في جميع المحافظات كمرحلة أولى، ومن ثم تشكيل “محكمة مختصة بالمخدرات” كمرحلة متقدمة.
- ضمان إشراك مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الناشطة في هذا المجال.
- تخصيص ميزانية محددة لمكافحة المخدرات والسيطرة على المشكلات الاجتماعية والطبية الناتجة من سوء استخدام المواد المخدرة في إطار الميزانية العامة.
- تشجيع برامج التعليم الطبي المستمر للمحترفين والمتخصصين في مجال الطب النفسي للإدمان بما في ذلك الأطباء النفسيون، والممرضون النفسيون، والمعالجون النفسيون، والمعالجون المهنيون، والأخصائيون الاجتماعيون، وأعضاء مجاميع المساعدة الذاتية.
- تسهيل البحث العلمي، والدراسات، والمسوحات الوبائية التي يتعين الاضطلاع بها من قبل الجامعات والهيئات الأخرى المعنية بالبحوث.
- إجراء مسح وطني مماثل لمسح عام 2015؛ بهدف توليد معلومات جديدة، ولغرض المقارنة بعد خمس سنوات من المسح الأول.
- تأكيد المراجعة السنوية على الأدوية والمواد القانونية وغير القانونية الخاضعة للرقابة وتحديث القوائم.
- التأكيد على توافر الأجهزة الخاصة بالكشف عن المواد المخدرة، والكلاب الخاصة بالكشف عن المواد المخدرة عند نقاط التفتيش الحدودية؛ لتسهيل حماية الحدود.
10. توفير أجهزة حديثة لفحص المواد المخدرة في محافظتي البصرة والنجف على الأقل كمرحلة أولى؛ لتقليل الزخم على معهد الطب العدلي في بغداد كون نتائج الفحص تتأخر لأشهر طويلة؛ بسبب الزخم على المعهد الوحيد الذي يقوم بفحص المواد المخدرة. والجدير بالذكر أن توفير اختبارات الكشف السريع عن تعاطي الكحول والمواد المخدرة للأغراض القانونية والطبية في جميع معاهد الطب العدلي في المحافظات والمستشفيات أو الردهات المتخصصة في علاج الإدمان، هو إجراء سريع النتائج وذو كلفة غير عالية، ومن خلاله يمكن استثناء النتائج السالبة من الدخول في مراحل أخرى من الفحص بالأجهزة الحديثة.
11. وضع برامج الوقاية الأولية على المناهج للأطفال والمراهقين وتنفيذها ضمن إطار المدرسة أو محيطها.
12. وضع برامج وقائية ملائمة وأنشطة ترفيهية بديلة للشباب.
13. وضع برامج الوقاية الأولية التي تركز على الفئات المعرضة للخطر مثل الأفراد العسكريين وتنفيذها، ولاسيما للذين يعيشون بالقرب من مناطق النزاع، أو الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية، والمرضى الذين يعانون من آلام مزمنة، أو الذين هم في المناطق التي تزداد فيها المواد المخدرة.
14. تحديث الدليل أو الضوابط الموجودة حالياً على الوصفات الطبية من الأدوية مع إمكانية سوء الاستخدام، ووضع مبادئ دليل أو ضوابط جديدة لضمان الوصول السهل للمريض إلى تلك الأدوية عند الحاجة إليها، ولكن مع الرقابة المناسبة على تحويل الأدوية إلى السوق السوداء أو الاستخدام غير السليم من قبل المرضى مع الاستعانة بدليل منظمة الصحة العالمية.
15. مراجعة بروتوكولات عمل الصيدليات وتحديثها للتأكد من وقف البيع دون وصفة طبية ملائمة.
16. تطوير برامج التوعية للناس الذين يعانون من سوء استخدام الكحول والمواد المخدرة وعائلاتهم على أهمية آثار طلب العلاج لهذه المشكلة التي يواجهونها.
17. تطوير بروتوكولات سريرية لعلاج الإدمان او الاعتماد على الكحول وغيرها من المواد التي يساء استخدامها بما في ذلك دليل لمتابعة المرضى على المدى الطويل.
18. تطوير بروتوكولات تسهل المشاركة في البرامج العلاجية من قبل مجاميع المساعدة الذاتية، فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في علاج سوء استخدام الكحول والمواد الأخرى.
19. إنشاء مركز وطني لعلاج مرضى الإدمان في محافظات بغداد، والبصرة، والديوانية وتأهيلهم كمرحلة أولى، ثم إنشاء مراكز لعلاج الإدمان في جميع المحافظات.
20. تطوير برامج جديدة بما في ذلك خدمات الوصول المفتوحة مثل خطوط المساعدة الهاتفية، وبرامج الوقاية من على شبكة الإنترنت، وبرامج التوعية المجتمعية.
[1]– مدير مستشفى ابن رشد للطب النفسي، ومدير برامج المخدرات في وزارة الصحة منذ 2013، وعضو اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات في العراق.
[2]– ينظر: المسح الأسري للمخدرات 2015.