التقرير الأوّل من مجموعة التقارير المترجمة في مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية
نظرةٌ في 80 موضوعاً سياسياً إقليميّاً ودوليّاً
أقام مركز (وضع القرارات الوقائية التابع لمجلس العلاقات الخارجية الإيرانية) في شهر تمّوز من العام 2016 ورشة عملٍ حول تنامي التوتر بين إيران والسعودية، وقد أقيمت الورشة في مركز الدراسات الأوروبية التابع لجامعة تافتس الأمريكية في مدينة تولوز الفرنسية وبدعمٍ من (مؤسسة كارنغي من نيويورك/Carnegie Corporation of New York). وتمثل الآراء الواردة في هذا التقرير ما قاله المشاركون في هذه الورشة، وهي لا تعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة كارنغي أو المركز المذكور آنفاً. فضلاً عن أنّ مجلس العلاقات الخارجية لا يتبنّى أيّ موقف رسميّ حول القضايا السياسية، وليست له أيّة صلةٍ بحكومة الولايات المتحدة.
ضرورة ترجمة التقارير الاستراتيجية
تحدد الكتابات مسار الأفكار، والأفكار تبني العالم، وإن عالم اليوم يضمّ آلاف الأفكار التي تتبلور في مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية وغرف العمليات التي تستقطب الخبراء والمحللين السياسيين الاستراتيجيين، ومثل هذه التقارير الاستراتيجية تؤثر على أفكار أصحاب القرار، والسياسين، والقطّاع الخاص، وأجهزة الاعلام، وأطياف المجتمع.
يوجد في العالم قُرابة سبعة آلاف مركز ومعهد لدراسة الأفكار والسياسات، وتنشر هذه المراكز كمّاً كبيراً من المعرفة الاستراتيجية حول موضوعات شتّى كالبيئة، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، والجوانب العسكرية والأمنية. وقد تسعى مثل هذه المؤسسات والمراكز إلى تقديمٍ رؤيتها عن المستقبل أيضاً، وإنّ الدراسات المستقبلية هي من أهمّ الحقول التي تهتم بها هذه المراكز.
إنّ الاطلاع على اهتمامات مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية في العالم هي من ضرورات التفكير الاستراتيجي في إيران، وإنْ أراد المحللون والمتخصصون في الاستراتيجية في إيران تقديم تحليلٍ سياسيّ يضمن المصالح الوطنية فعليهم الوقوف على التقارير التي تنشرها مراكز الأبحاث الأجنبية؛ فمثل هذه التقارير مهمّة من الجانب المنهجي أيضاً؛ ولا يخفى أنّ منهجية البحث في الدراسات الاستراتيجية وفي بعض الأحيان طريقة كتابة التقارير الاستراتيجية المؤثّرة التي يعتمدها الخبراء الإيرانيون تعاني من خللٍ في بعض الجوانب.
يهدف مركز الدراسات الاستراتيجية إلى دعم الباحثين والمحللين السياسيين في البلد بالأبحاث والمقالات الاستراتيجية، ويروم تعزيز المسؤولين العاملين في مراكز اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وذلك من خلال ترجمة مجموعة من النصوص الاستراتيجية ونشرها في إطارٍ خاص وعام.
يضيف هذا المركز مقدّمات مقتضبة على هذه المقالات والتقارير، ويريد من خلالها تقديم قراءة المحللين العاملين في المركز للتقرير المعني، ولكنّه لا يتبنّى بالضرورة كلّ الذي يرد في النصوص المترجمة من آراء وأفكار ومواقف سياسية واستراتيجية، ويُرجى لهذه المحاولة أنْ تساهم في ترسيخ الفكر الاستراتيجي.
يستقبل مركز الدراسات الاستراتيجية كلّ الانتقادات والآراء والمقترحات من القرّاء والمهتمين بهذه المقالات والتقارير، ويمكن للخبراء والمتخصصين كافّة أنْ يقترحوا المقالات والبحوث الاستراتيجية التي يرونها مناسبة للترجمة؛ كي تكون في متناول المحللين السياسيين والمتخصصين في استراتيجية البلد.
عنوان التقرير الأوّل في هذا الباب هو (إدارة الصراع بين إيران والسعودية)، وهو يتحدّث عن عوامل نشوء الصراع والتوتر بين إيران والسعودية، وبعدها يدرس القضايا الراهنة والمستحدثة حول العلاقات الإيرانية السعودية، وفي النهاية يشير إلى الخيارات المتاحة لكلّ من الولايات المتحدة وأوروبا في تعاملها مع هذا الموضوع.
نتائج الورشة
إنّ لجزءٍ من الصراع بين إيران والسعودية -وليس كلّه- ماهيّةً جيوبولوتيكيةً، وإنّ الجانب الديني المـُعلَن يساعد على تصعيد الأزمة بين الطرفَين؛ فضلاً عن العوامل الداخلية لدى الطرفين التي تكون مؤثّرة إلى حدّ كبير.
ولهذا الصراع مخاطر بيّنة للولايات المتحدة وبريطانيا، ويمكن أن تتنامى خلال السنوات العشر القادمة، وتشمل هذه المخاطر أموراً كثيرة منها أثر الإغراق المعلوماتي[1] الذي تسببه أمور مثل: الهجرة، أو الإرهاب؛ بسبب تنامي التوتّر والقتال الشديد في الشرق الأوسط الناتج عن هذا الصراع، وكذلك السعي الحثيث لامتلاك الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى، وازدياداً في تراوح أسعار النفط بين الهبوط والنزول في الأسواق العالمية.
على الولايات المتحدة وأوروبّا إيجاد حلولٍ لإزالة أو تخفيض حدّة التوتّر القائم بين السعودية وإيران، وإنّ هذا الأمر يجب أنْ يحصل على صعيد المواجهات المباشرة (كاليمن والعراق)، لتليه جهود طويلة الأمد للوقاية من حدوث النزاعات العسكريّة الخطيرة، وتشمل هذه الجهود محاولات لزرع الثقة والتشجيع لإيجاد تعاون إقليمي في المجال التجاري والتنمية الاقتصادية وقضايا البيئة.
المقدمة
إنّ التوتّر المتنامي بين إيران والسعودية -وبصورةٍ أوسع مع حلفاء هاتين الدولتين، وقواهما التي تحارب بالنيابة عنهما في المنطقة- قد يُهيمِن على المنطقة لوقتٍ طويل، وقد يستمّر طوال العقود القادمة. لقد تناول المشاركون في الورشة الأمور المتعلقة بالتوتر بين إيران والسعودية، ولاسيما أسباب نشوئه وظواهره الراهنة، ومآلِه المُحتَمَل، ودرسوا الخيارات السياسية الراهنة لإدارة هذا النزاع وحلّه.
تحدّث المشاركون في الورشة عمّا يمكن أنْ تفعله الولايات المتحدة وأوروبّا بالتعاون مع حلفائهم في المنطقة، وكذلك بالتنسيق مع سائر اللاعبين الدوليين (مثل الصين والهند وروسيا) الذين لهم مصالح متنامية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ هذا الصراع قد نشب في الشرق الأوسط (أي في سوريا واليمن والعراق والبحرين)، لكن الوضع الأمني الهَش والحروب يهددان قضيّة الأمن في مستويات أعلى، وإنْ حدثت حرباً حقيقية بين الدولَتَين فقد تترك نتائج سيئة على العالم الغربي.
منشأ الصراع بين إيران والسعودية ومتغيراته
على الرغم من أنّ الصراع بين السعودية وإيران له أسباب تأريخية ودينية، ولكنّه في الوقت الراهن قد تحوّل إلى تنافس جيوبوليتيكي. ويوضّح أحد المشاركين في الورشة بأنّ السبب الرئيس في نشوء التوتّر بين هذين البلدين يعود لعوامل قومية وسياسية ودينية واقتصادية وعسكرية. وطالما كانت العلاقات الإيرانية السعودية غير جيّدة؛ فحتّى السبعينيات كانت الملكيات الداعمة للغرب في كلِّ من السعودية وإيران بمنزلة (الدعامات التوأم) لنشر الاستقرار في المنطقة بعد أن حلّت الولايات المتحدة محل بريطانيا في منطقة الخليج العربي.
وقد بيّن مشاركٌ آخر أن الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 -مع مجيء حكومة شيعية بزعامة آية الله روح الله الخميني- اتخذت أحداث المنطقة طابعاً طائفيّاً أكثر من قبل. وعلى الرغم من أنّ هذه العلاقة قد ساءت بمرور الزمن، ولكنّها شهدت التعاون المشترك في زمن شاه إيران (قبل الثورة الإسلامية)، وفي زمن بعض الحكومات بعد الثورة.
وفي الثمانينيات والتسعينيات ساعدت الأفكار المناوئة للتشيع في الشرق الأوسط -كتنامي المدارس السلفية الوهابية في السعودية وتصدير هذه الإيديولوجيا إلى سائر المناطق كجنوب شرق آسيا التي لم تعرف شيئاً عن المجتمعات الشيعية- على إنزواء إيران؛ فقد تصدّت السعودية بصفتها المنافس السنّي وحامية الحرمين الشريفين (مكّة والمدينة) للدور الإيراني الرامي لتصدير الثورة الإسلامية في المنطقة والعالم.
وثمّة تغييران أساسيان تركا أثراً مستمرّاً على مجمل العلاقات الإيرانية السعودية، هما: الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول، واليقظة الإسلامية (الربيع العربي) سنة 2011.
إنّ الحدث الأوّل تسبب بإزالة العراق بصفته قوّةً مهمّة في منطقة الشرق الأوسط، فيما تسبّب الحدث الثاني بنشوء الصراع والتوتّر في سوريا ومصر (البلدان العربيّان القويّان)، وقد اتفق المشاركون في هذه الورشة على أنّ إزالة هاتين القوّتين المهمّتَين في المنطقة أدّت إلى تزايد وتيرة التوتّر بين إيران والسعودية.
لقد أفرزت هذه الأحداث تعريفاً جديداً للصراع بين إيران والسعودية، وتأكيداً على دعم المجاميع الإرهابية التي تتولى الحرب بالنيابة، وحتّمت على الطرفين اعتماد آفاق جديدة في السياسة الخارجية.
طرح أحد المشاركين سؤالاً حول تعريف المجاميع التي تتولى الحرب النيابة قائلاً: هل إنّ هذه المجاميع تتبع أوامر دولة معيّنة؟ أم أنّها متحالفة مع دولةٍ ما؟ فبعد أحداث 11 أيلول اصطبغ الصراع بصبغةٍ دينية؛ ولذلك تصاعدت النبرات الطائفية لدى الشيعة والسنة بين البلدَين. وأوضح مشاركٌ آخَر كيفية حدوث التغيير في طبيعة هذا الصراع مع مرور الزمن، ومع حدوث التغييرات السياسية أو الضغوطات الخارجية على الدولَتَين.
إنّ السياسة الخارجية السعودية أيضاً تغيّرت بعد سنة 1979، ومع تولّي الملك سلمان زمام السلطة في كانون الثاني 2015 كثّفت السعودية جهودها في دعم سياستها الخارجية، وعملت على كثيرٍ من الإصلاحات الداخلية، ومن ضمن هذه الإصلاحات البرنامج المعروف بـ(رؤية 2030) الذي تبنّاه ولي العهد الحالي محمّد بن سلمان. إن هذا البرنامج هو عبارة عن حزمةٍ من الإصلاحات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية لمرحلة ما بعد النفط في السعودية، وللتقليل من اتّكالية الاقتصاد السعودية على النفط.
زادت إدارة الملك سلمان من وتيرة الصراع العسكري السعودي في الحروب الخارجية، إذ تمثّل أهمّها بتشكيل الائتلاف العسكري في حرب اليمن من أجل التصدّي للثوّار الحوثيين الذي بدأ في آذار 2015؛ وتزعم السعودية بأنّ إيران تساند مجاميع الحوثي.
وقد رأى مشاركٌ آخر أن الاتفاق المبرَم بين إيران والغرب في (حزيران 2015) حول البرنامج النووي الإيراني أدّى إلى تغيير كلّي في الرؤية الأمريكية تجاه إيران. ويرى بعضهم أنّ خطّة العمل الشاملة المشتركة التي اتفقت عليها إيران ودول 5+1 قد أدّى إلى الاقتراب من طهران، وترك أثراً متسلسلاً على الشرق الأوسط برمّته؛ فالولايات المتحدة وأوروبّا ترغبان في التحاق إيران بركب المجتمع الدولي، ولكنّ الدول العربية في منطقة الخليج وسائر الدول في منطقة الشرق الأوسط لم تزل متخوّفة من تصاعد الدور الإيراني في المنطقة، وفضلاً عن ذلك فإنّ الاتفاق النووي قد ساعد على تصاعد وتيرة التوتّر بين المنافسين التقليديين السنّة والشيعة (السعودية وإيران) في منطقة الشرق الأوسط.
التسلسل الزمني للأحداث في السعودية وإيران
1979: اندلاع الثورة الإسلامية في إيران.
1980: هجوم العراق على إيران، واندلاع الحرب بينهما التي استمرّت حتّى سنة 1988.
مايو 1981: تأسيس مجلس التعاون الخليجي كــرَدٍّ أمنيّ لمواجهة الثورة الإيرانية ولمواجهة الحرب التي تخوضها مع العراق.
1984: هاجمت إيران ناقلة نفطٍ سعوديّة، والسعوديّة أيضاً أسقطت طائرة حربيّة إيرانية.
1987: اصطدم الحجّاج الشيعة في موسم الحج من الشرطة السعودية؛ مما أدّى إلى تضارب وصراع انتهى بمقتل ما لا يقل عن 400 شخص، -كان 200 منهم من الإيرانيين- وهاجم المعترضون في طهران مقرّ السفارة السعودية والكويتية.
1988: اتخذت السعودية تدابير أمنية مشددة في مقارّها الدبلوماسية، وامتنعت إيران عن المشاركة في موسم الحج.
1990: شاركت السعودية في إرسال المساعدات الإنسانية لضاحيا الزلزال الذي ضرب مدينةً إيرانية، إذ تسبب بمقتل أكثر من 40 ألف شخص.
1991: عادت العلاقات الدبلوماسية الإيرانية-السعودية إلى سابق عهدها.
1997: شارك ولي العهد السعودي وقتئذٍ عبد الله بن عبد العزيز في اجتماع مجلس منظمّة التعاون الإسلامي في طهران. (مثّل حضور ولي العهد السعودي في طهران في هذه السنة أعلى مسؤول سعودي يسافر إلى إيران بعد ثورة 1979).
1999: سافر الرئيس الإيراني محمّد خاتمي إلى السعودية، والتقى ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وكان هذا أوّل لقاء بين مسؤولَين إيرانيَين رفيعَي المستوى بعد سنة 1979.
2001: وقّعت إيران والسعودية على معاهدةٍ أمنيّة مشتركة لمحاربة الإرهاب والمخدّرات.
2011: اتهمت السعودية إيران بتحريك الشعب البحريني خلال أحداث الربيع العربي؛ واعتُقِل في السنة نفسها إيرانيان متهمّان بمحاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة.
2012: عمّت الاحتجاجات في المنطقة الشرقيّة في السعودية التي تسكنها غالبية شيعية؛ واتهمت السعودية إيران بدعم هذه الاحتجاجات.
2014: أصدرت الحكومة السعودية حكماً بالإعدام بحقّ رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر، ودانت إيران هذا القرار السعودي.
2015: بدأت السعودية بقصف مواقع الثوّار الحوثيين الشيعة في اليمن، وزعمت أنّهم مدعومون من إيران.
2015: وقّعت إيران مع مجموعة 5+1 توافقاً حول البرنامج النووي الإيراني.
2015: مقتل ما لا يقل عن ألفَي شخصٍ خلال أداء مناسك الحج، وكان ما يقارب 500 شخصٍ منهم من المواطنين الإيرانيين.
2015: شاركت إيران والسعودية في محادثات فينّا لخطّة السلام في السوريا، وتشاجر وزيرا الخارجية السعودي والإيراني طوال هذه المحادثات.
2016: أعدمت السعودية الشيخ نمر النمر مع 46 شخصاً آخرين؛ مما أدّى إلى نشوء احتجاجات واسعة في المجتمعات الشيعية. وهاجم المحتجّون في إيران مقرّ السفارة السعودية في طهران وأحرقوا جزءً منها، وسعى المحتجون في مدينة مشهد الإيرانية لاقتحام القنصلية السعودية، ومن هنا قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
2016: منعت إيران مواطنيها من السفر إلى السعودية لتأدية مناسك الحج.
القضايا الراهنة وما وقع حديثاً حول الصراع الإيراني-السعودي
اتفق المشاركون في الورشة على أنّ التوتّر الراهن بين إيران والسعودية قد يشتدّ على مدى السنوات الخمس القادمة، وأوضحوا بأنّ الموضوع الرئيس في هذا الصراع يرتبط بدعم إيران للمجاميع التي تتولى الحرب بالنيابة في حروب الشرق الأوسط -في العراق وسوريا، ويبدو كذلك في اليمن والبحرين-؛ فإيران تحارب السعودية في سوريا واليمن والبحرين بصورةٍ غير مباشرة، فعلى الرغم من أنّ الدعم السعودي ليس كالدعم الإيراني للمجاميع المسلّحة التي تنوب عنها في القتال، ولكنّ هذا الدعم يُزيد من حدّة التوتّر بين البلدين.
وفي الوقت الذي لا تملك السعوديّة إيّة مكانة تمنحها قوّة في العراق -إذ إنّ الشيء الأهم الذي فعلته هو إعادة علاقتها مع العراق في كانون الثاني 2016 إلى ما كانت قبل 25 عاماً- فإنّها مع ذلك تتدخل في الأمور الداخلية في هذا البلد، وتحتجّ على الدعم الإيراني للمجاميع العسكرية الشيعية التي تقاتل تنظيم داعش الإرهابي.
لقد اتفق المشاركون على ما يتعلّق بكيفية حل ملف الحرب في العراق من قبل السعودية وإيران، وقالوا إنَّ هذا الأمر سيكون فرصة للتعاون بين البلدَين، فالمحادثات لحل الأزمة السورية باءت بالفشل؛ لأنّهما غير متورّطين مباشرة في الحرب بالنيابة في العراق؛ فلذلك بعد أنْ اشتدّ التوتّر مع إعدام الشيخ نمر النمر في كانون الثاني 2016 اقترحت الحكومة العراقية بأنْ تكون الوسيط للتقليل من حدّة التوتر.
إنّ كلّاً من هذين البلدَين (السعودية وإيران) يدعمان المجاميع التي تقاتل بالنيابة عنهما، وهذه المسألة تشمل دعم إيران لحزب الله لبنان، ودعم السعودية لعددٍ من المجاميع الجهاديّة السلفيّة التي اتحدّت بصورةٍ رسمية أو غير رسميّة مع جبهة فتح الشام -جبهة النصرة سابقاً-، وتنظيم القاعدة. وإنّ إيران بدورها ترسل بعض القوّات من الحرس الثوري إلى سوريا، في حين تعزز السعودية المجاميع المسلّحة بالسلاح والعتاد.
ومع ذلك فإنّ القوّات العسكرية السعودية تنفّذ عمليات عسكرية في اليمن ضدّ قوّات الحوثي، (هيمن الحوثيون في بدايات سنة 2015 على اليمن). وقد أوضح أحد المشاركين بأنّ السعوديين يعتقدون أنّ إيران تدعم الحوثيين مباشرةً، وإنّ السعوديين يعدّون الحرب في اليمن مواجهة للمدّ الشيعي الإيراني في حدودهم الجنوبية.
عَدَّ مشاركٌ آخَر البحرينَ -التي يحكم فيها ملكٌ سنّى على أكثرية شيعية- منطقة مهمّة تتبلور فيها الحرب بالنيابة بين إيران والسعودية؛ إذ تزعم السعودية بأنّ إيران هي التي دعمت الاحتجاجات في سنة 2011 التي كانت ضدّ العائلة الحاكمة في البحرين، وأن الرياض أرسلت جنوداً وقوّات برّيّة لمواجهة المتظاهرين، وما زال السجال السعودي-الإيراني حول البحرين قائماً، وكلٌّ يتّهم الآخر بالتدخل في شؤون هذا البلد.
نظراً للمؤشّرات الداخلية الدالّة على تزايد الصراع، يبدو أن السعودية شددّت من مواقفها ضد الأقليّة الشيعية في هذا البلد، ففي كانون الثاني 2016 أعدمت السعودية زعيماً شيعياً بارزاً في المنطقة الشرقية وهو الشيخ نمر النمر مع 46 آخرين؛ الأمر الذي أدّى إلى غضب إيران وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويبدو أنّ الملك السعودي الجديد مستعدّ لقمع أيّ احتجاجٍ في البلد، ولاسيما أنّ برنامج 2030 السعودي -المعروف ببرنامج التحوّل الوطني- يتضمّن سياسات خاصة لمواجهة مثل هذه الاحتجاجات بتوفير مزيد من فرص العمل، ودعم القطّاع الخاص الاقتصادي. ولكن على صعيد العلاقات الخارجية فإنّ الملك سلمان يقود بلده إلى حربٍ طاحنة في اليمن؛ وقد صرّح أحد المشاركين بأنّ المملكة العربية السعودية تعتمد النفط كسلاح، فبعدم تخفيضها مستوى الانتاج تمنع إيران من بيع نفطها بسعرٍ أعلى.
وفي المحصلّة النهائية نجد في الجبهة الاقتصادية تنافساً حادّاً بين إيران والسعودية في سوق النفط الدولية، ولاسيما بعد إبرام الاتفاق النووي. وإنّ اعتمدت إيران على الأسواق العالمية فسيزداد هذا التنافس الاقتصادي الذي سيوسع في رقعة التوتّر والصراع بين البلدَين، وفضلاً عن ذلك فإنّ المستقبل الاقتصادي لهذا الصراع سيخلق مشكلات لمجمل التجارة العالمية ولمجلس التعاون الخليجي؛ لأنّ بعض دول الخليج قد تنتفع من زيادة التجارة والاستثمار الإيراني، مما يؤدّي إلى شرخ أكبر في مجلس التعاون الخليجي الذي يتظاهر باتخاذ جبهة مناوئة ضدّ إيران. وخلال السنوات الخمس عشرة القادمة ستتكوّن محاور جديدة من شأنها أن تزيد من الشرخ والفجوة الموجودة بين البلدَين، ولاسيما أنّ الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب ستنتهي صلاحيته في عام 2013.
فعلى الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة الاهتمام بمصادر التوتّر بين إيران والسعودية، ولاسيما الحروب بالنيابة، وأن تدير ذلك وقاية من المشكلات المستقبليّة.
الخيارات المتاحة للولايات المتحدة وأوروبا
اتفق المشاركون في الورشة على أنّ الحرب الباردة بين إيران والسعودية ستشدد في السنوات القادمة؛ لأن الصراع والاقتتال في الشرق الأوسط لم يتوقّفا حتّى الآن. وإن المصلحة الأمريكية الأوروبية المشتركة تكمن في الوقوف دون تحوّل هذه الحرب الباردة إلى حربٍ ساخنة؛ لأنّ مثل هذه الحرب تربك نظم المنطقة، وتترك آثاراً مدمّرة ومستمرّة على الأمن الدولي.
إنّ الإجراءات الوقائية التي تقلل من المخاطر الجديدة والمحتملة التي تنتجها طبيعة العلاقة بين هذين البلدين والتي تدعم نشر الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربي تشمل صفقات بيع السلاح، والمساعدات والضمانات الأمنية، والسيطرة على السلاح، والمساعدة الاقتصادية، ومأسسة منطقة الشرق الأوسط؛ فقد أكّد أحد المشاركين أنّ على الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة إدارة الحروب بالنيابة والمتنامية والسيطرة على مصادر التوتر بين السعودية وإيران، فإذا فشلت هذه الجهود فعلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية دفع الأضرار التي يسببها هذا الصراع، الذي يترك أثراً سيئاً على أمنها القومي.
لقد ناقش المشاركون في الورشة الاستراتيجية الواسعة التي يمكن أنْ تتخذها الولايات المتحدة وأوروبا لإدارة الصراع بين إيران والسعودية على المدى القصير والطويل.
الخيارات المتاحة للسنوات الخمس القادمة:
– التعريف بالتحفيزات الإيجابية لتشجيع السلوكيات المسؤولة لدى إيران، ولاسيما فيما يتعلّق بتقليل دعمها لحزب الله في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا.
– استكشاف الخيارات المحتملة لمواصلة المحادثات الراهنة وتوسيع المحادثات الثنائية.
– دعم محادثات السلام في اليمن. فعلى الرغم من أنّ إيران والسعودية منشغلتان بمحادثات السلام في سوريا في الوقت الحاضر، ولكنّ هذه الجهود لم تكن كافية للتقليل من حدّة الصراع، فالتعاون الإيراني السعودي في موضوع الصراع اليمني من شأنه أن يغيّر في رؤية السعودية للحوثيين.
الخيارات المتاحة من خمس إلى عشر سنوات قادمة:
– العمل على إيجاد قواعد للوقاية من الاصطدام المحتمل والخطير بين إيران والسعودية، ولاسيما في النشاطات العسكرية الجوّية والبحرية، وفيما يتعلّق بتوسيع القوّة الصاروخيّة البالستيّة، والحرب الإلكترونية، والصراع السياسي والمعلوماتي، والأحداث الدينية كموسم الحج، وغيرها.
– تشجيع العمل على إيجاد مؤسسات إقليمية، والتعاون في المجالات المشتركة كإدارة مصادر الطاقة، وتحسين البيئة وحمايتها، وتنمية البُنى التحتيّة الإقليمية.
– تحفيز اللاعبين الدوليين المهمّين (مثل الأمم المتحدة، وكذلك القوى المهمّة التي تكون لها مصالح في منطقة الخليج، مثل الصين والهند) للمشاركة في إيجاد الأمن والثبات في المنطقة.
المصدر:
http://www.css.ir/fa/content/112615
[1] الإغراق المعلوماتي (Information Overload) هو مصطلح قام بتعميمه آلفين توفلر، ويشير إلى صعوبة فهم الشخص لمسألة ما، واتخاذ القرارات المناسبة بسبب وجود الكثير جداً من المعلومات.