عاشت تركيا منذ قيام الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك في عام ١٩٢٣ وحتى بداية عهد تورغوت أوزال عام ١٩٨٣ في ظل سياسات منغلقة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؛ والسبب الرئيس لسياسة الانغلاق -حسب اعتقاد الكماليين- أن الدولة العثمانية التي قامت على أساس الخلافة الإسلامية لستة قرون عانت من مشكلات اقتصادية واجتماعية، لوجود قوميات وأديان كثيرة، وأن الحل كان في انغلاق تركيا على قومية واحدة ودين واحد، والاكتفاء بقدرات البلاد الاقتصادية الذاتية بدلاً من الاعتماد على الدول الأوروبية التي سيطرت على الاقتصاد العثماني منذ حرب القرم بين العثمانيين والروس (١٨٥٣-١٨٥٦) التي تسببت في استنجاد الدولة العثمانية بالبريطانيين والفرنسيين وحصلت على قروض كبيرة لم تستطع تركيا تسديها؛ وبالتالي أعلنت الإمبراطورية العثمانية افلاسها في عام ١٨٧٥ وعدم قدرتها على تسديد الديون الأجنبية والمحلية.
وعلى إثر ذلك، تأسست في عام ١٨٨١ إدارة الدين العثماني ووضعت موارد الدولة العثمانية تحت تصرف هذه الإدارة التي منحت صلاحيات واسعة، وعلى الرغم من أن إدارة الدين العثماني كانت جزءاً من وزارة المالية العثمانية إلا أنها عملت بنحوٍ مستقل تماماً، وتألف أعضاء مجلس الإدارة في إسطنبول من سبعة ممثلين للدول الدائنة (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وبلجيكا والنمسا) فضلاً عن عضو عثماني تم تعيينه من قبل المصرف العثماني الذي كان بدوره يخضع للدول السابقة التي أودعت أموالها في المصرف؛ وصارت إدارة الدين العثماني الأداة الرئيسة للسيطرة المالية الأوروبية على الإمبراطورية العثمانية، حيث اتخذت قرارات اقتصادية في صميم الحياة الاقتصادية تركت أثاراً مدوية في المجتمع التركي وكانت أحد أسباب التأييد الشعبي الواسع لأتاتورك الرافض للتحكم الأجنبي بالاقتصاد ضد السلطنة العثمانية التي أيدت القرارات الأجنبية في التحكم بالاقتصاد التركي(1).
لذا عدّت النخبة الكمالية أن سياسات الحروب والتورط في مشكلات خارج تركيا دفاعاً عن قوميات تركية، أو قوميات مسلمة تسببت في انهيار الدولة العثمانية فضلاً عن عدم تحديث تركيا بالنحو المطلوب بسبب عدم اتباع العلمانية كمنهج أساسي في الحياة التركية. وصار الاعتقاد بإن خلاص تركيا في تبنيها لمنهج القومية الواحدة والدين الواحد والعلمانية «غير الإلحادية»، والاكتفاء الذاتي بالمجالات الاقتصادية كافة، هي الأساس في أن تصبح الجمهورية التركية أكثر استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وصار شعار الحمائية الاقتصادية أحد الأركان الستة للجمهورية (النظام الجمهوري، والقومي، والعلماني، والشعبوي، الإصلاحي، والحمائي)، واستمرت عملية الانغلاق التركي الداخلي حتى الثمانينيات؛ خوفاً من استدراج تركيا للديون الأجنبية، وتكرار مأساة إدارة الديون العثمانية، وفقدان تركيا لسيادتها وكرامتها.