سارة معصومي
أردوغان: سنتعاون للتصدّي إلى (PKK) و(بيجاك)
المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية: العلاقات الإيرانية-التركية تدخل في مرحلةٍ جديدة
(في الوقت الحاضر ليس من الضروري التحدّث كثيراً عن هذه الزيارة، وعلينا أن نصبر ونتأنى كثيراً، ففي المستقبل سنشهد الأثر الإيجابي لهذه الزيارة على العلاقات الثنائية بين البلدَين فيما يتعلّق بالقضايا الإقليمية).
هذه هي العبارات التي ذكرها المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في معرض ردّه على سؤال مراسل صحيفة (اعتماد) حول تفاصيل الاتفاقات المبرمة بين إيران وتركيا خلال الزيارة الأخيرة للواء “محمّد باقري” رئيس أركان القوّات المسلّحة الإيرانية إلى أنقرة، وتزامناً مع تصريحات الخارجية الإيرانية أعلن الرئيس التركي “رجب طيّب أردوغان” في مؤتمرٍ صحفيّ أقيم قُبَيل سفره إلى الأردن عن تعاونٍ مشترك قادِم بين إيران وتركيا للتصدّي إلى المجاميع المسلّحة، وعلى الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل هذه الزيارة غير المعهودة لمسؤولٍ عسكريّ إيراني رفيع المستوى إلى تركيا، التي استغرقتْ ثلاثة أيّام، ولكن يبدو أنّ الأمر -بحسب تصريح بهرام قاسمي- سيتّضح أكثر بمرور الزمن، وأنّ ثمار التعاون بين طهران وأنقرة سيكشفه مرور الأيّام.
بحسب ما قاله “أردوغان” فمن المرجَّح أنّ القادة العسكريين الأتراك تحدّثوا مع اللواء باقري خلال زيارته إلى تركيا حول (مدى إمكانية القيام بعملياتٍ مشتركة ضد الجماعات الإرهابية)، وإن قائد الأركان في القوّات المسلّحة التركية أيضاً تحّدث عن بعض التفاصيل المتعلّقة بهذا التعاون العسكري. وفي جزءٍ آخَر من حديثه أكّد الرئيس التركي أنّ التعاون العسكري المشترك بين إيران وتركيا ضد حزب العمّال الكردستاني (PKK) وفرعه الإيراني المسمّى بـ (بيجاك) ممكن الحصول. لقد تصدّرت تصريحات أردوغان -هذه- قائمة الأخبار والصحف العالمية، والكلّ عدَّ ذلك من أبرز ثمار المحادثات الثنائية وغير المعهودة بين رئيسَي أركان القوّات المسلحّة الإيرانيّة والتركيّة. لقد أكّد أردوغان في جزءِ آخَر من تصريحاته أنّ العلميات العسكرية المشتركة مع إيران ضدّ الجماعات الإرهابية التي تهدد البلدَين هي من ضمن قائمة المهام المشتركة التي يُراد إنجازها من خلال هذه العلاقة الثنائية، وقد استأنف حديثه بالإشارة إلى الخسائر التي تكبّدتها كلٌّ من تركيا وإيران جرّاء نشاطات قوّات الـ(PKK) و(بيجاك)، مؤكّداً على أنّ الطرفَين اتّفقا على ضرورة التصدّي للتهديدات المشتركة من خلال إيجاد علاقاتٍ ثنائية على المدى القصير.
إنّ نشاطات الـ(PKK) في داخل الأراضي التركية وخارجها أضحت من أبرز مخاوف أردوغان خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما مع بدء الأزمة السوريّة. إذ كانت قوّات الـ(PKK) مستقرّة في سورية حتّى عام 1998، ولكنّها الآن متواجدة في جبال القنديل في شمال العراق، حيث يقع مركز قيادة عملياتها العسكرية، وهذ القوّات مسجّلة لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ضمن المجموعات الإرهابية، وأنّها منذ 40 عاماً تقود عمليات مسلّحة ضد الحكومات التركية المتعاقبة التي راح ضحيّتها مئات المواطنين الأتراك، مما دعا بأنقرة أن تتصدى لهذه القوّات بجدّية، إذ شهدت مقرّات الـ(PKK) في شمال العراق خلال السنوات الأخيرة قصف المدفعيّة التركيّة لعدّة مرّات.
أمّا فرع حزب العمّال الكردستاني في إيران المسمّى بـ (بيجاك) فقد نفّذ بعض العمليات الإرهابية في داخل إيران، وقد اشتبكّت قوّات بيجاك مع قوّات الحرس الثوري الإيراني عدّة مرّات، ففي الصيف الماضي اشتبكّت في منطقة سردشت الإيرانية. وفي الوقت الحاضر يبدو أن القادة في طهران وأنقرة بعد مضيّ ستّ سنوات على الأزمة السورية قرّروا على إيجاد تقريبٍ بين وجهات النظر في موضوع محاربة الإرهاب وإدارة ملفّ الحرب السوريّة؛ وقد أُضيفَ في الآونة الأخيرة موضوع انفصال إقليم كردستان العراق إلى قائمة التعاون الإيراني التركي.
إنّ موجة العمليات الإرهابية الواسعة التي تتبناها داعش، وكذلك نشاطات حزب العمّال الكردستاني جعلت من الحكومة التركية تبادر إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية ضماناً لأمنها الداخلي؛ فمن ضمن هذه الإجراءات هي مشروع بناء الجدار الأمني على حدودها المشتركة مع إيران وسوريا.
التعاون لمحاربة الفصائل المسلّحة الكردية
أوردت وكالة الأنباء الفرنسية في تقريرٍ لها حول التعاون الإيراني التركي المشترك، قائلة: إنّ تصريحات أردوغان التي ركّزت على التعاون الإيراني التركي فيما يتعلّق بالتصدّي للفصائل المسلّحة الكردية المنتمية لحزب العمّال الكردستاني (PKK) وفرعه الإيراني (بيجاك) جاءت بعد بضعة أيّام من انتهاء زيارة اللواء باقري إلى تركيا، فبعد عودة القائد العسكري الإيراني إلى طهران نشرت صحيفة تركيّة تقريراً ادّعت فيه بأنّ إيران قد ناقشت مع القادة العسكريين والسياسيين في تركيا موضوع التعاون العسكري لمحاربة الفصائل المسلّحة الكردية في مناطق قنديل وسنجار في داخل العراق؛ في حال صحّة هذا الأنباء فإنّه يحصل بعد أن كانت تركيا تنقد إيران دوماً لتقاعسها عن التصدّي للـ(PKK)، فضلاً عن انتقادات أردوغان المكررة عبر أجهزة الإعلام التركيّة التي تناولت موضوع إجراء الاستفتاء لاستقلال إقليم كردستان في العراق في الخامس والعشرين من أيلول القادم.
على الرغم من الأصداء الواسعة التي أعقبت تصريحات أردوغان حول التعاون العسكري بين طهران وأنقرة للحرب على الـ(PKK) و(بيجاك)، ولكنّه لم يذكر شيئاً عن التفاصيل، ولم يذكر المنطقة التي ستشملها العمليات العسكرية في الوهلة الأولى.
وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في موضعٍ آخَر من تقريرها بعد الإشارة إلى الأكثرية الشيعية في إيران والأكثرية السنية في تركيا: بالنظر لتباين الموقفَين الإيراني والتركي الكبيرين بإزاء الأزمة السورية؛ لذلك كانت العلاقة بين طهران وأنقرة متشنّجة جدّاً، فقد سبق وأنْ اتهم أردوغان إيران لسعيها في بسط نفوذ القومية الفارسية في المنطقة أو محاولاتها لنشر التشيع، وهي اتهامات واجهت الرفض من طهران في كلّ مرّة. وبالنظر لماضي العلاقات الثنائية يمكن القول إن زيارة اللواء باقري وتصريحات المسؤولين السياسيين في البلدَين بعد انتهاء الزيارة ساقت العلاقات القائمة إلى مرحلةٍ جديدة من التعاون في الجوانب الأمنية والسياسية التي قد تعيد على المدى البعيد عملية تكوين التحالفات الإقليمية.
فبعد مضيّ 7 أشهر من تولّي ترامب مهام رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة توصلّت تركيا إلى نتيجةٍ مفادّها أنّها لا تستطيع أنْ تثق بسياسة ترامب الغامضة؛ وفي الوقت نفسه نجد واشنطن مستمرّة بتسليح الأكراد في سوريا، وغير مكترثة باعتراض أنقرة؛ ففي مثل هذا الظرف لجأت أنقرة للحلول البديلة وأخذت بحذر تجرّب حظّها في الاصطفاف إلى جانب التحالف الروسي-الإيراني. وعلى صعيدٍ متّصل نسمع انتقادات جديدة وجهها أردوغان لواشنطن في تصريحاته الأخيرة، إذ تناول فيها قضية تسليح الأكراد من قبل الولايات المتحدة قائلاً: إنّ هذه الأسلحة توزّع في سوريا والعراق باسم محاربة داعش، ولكنّها تستخدم في العمليات التي تشنّها قوّات الـ(PKK) ضد تركيا، نحن نعلم أنّ سلاح أيّ دولة تصل إلى قوّات الـ(PKK) وإلى قوّات (حزب الاتحاد الديمقراطي السوري)، وهناك أكثر من ألف شاحنة محمّلة وصلت إلى العراق وسوريا، والآن تستخدم هذه الأسلحة في سوريا، ومن ثمّ في تركيا، وقد أبلغنا الرئيس الأمريكي بذلك، ولكن ما الخطوات التي قام بها لحلّ هذه المشكلة؟ نحن نطالب باسترجاع هذه الأسلحة.
مخاوف تل آبيب من التحالف الإيراني-التركي
إن التحالف بين إيران وتركيا -أو بعبارةٍ أدق (إزالة التوتر) بين البلدَين وردم الفجوات- تبعث المخاوف والقلق لدى كثيرٍ من لاعبي رقعة الشطرنج السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، وإن أحد أبرز هؤلاء اللاعبين هو كيان إسرائيل. فعلى هذا الصعيد دعا “مارتن شرمن” رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الكيان الصهيوني إلى إبعاد إيران وتركيا عن بعضها الآخر للمضيّ في مشروع تأسيس دولة كردية مستقلّة في العراق. ونشرت وكالة أنباء (فارس) الإيرانية ترجمة تصريحات مارتن شرمن التي شبّه فيها عملية الاستفتاء في كردستان العراق بمادّة لاصقة أدت إلى التقارب بين إيران وتركيا، وقد قال في سياق حديثه: لقيام مثل هذه الدولة يجب الحدّ من مخالفة إيران وتركيا مع هذا المشروع. وقد ادّعى بأنّ التقارب الإيراني التركي يستطبن خلافاً سياسياً لافتاً بين الشعبَين التركي والإيراني. وقد أعرب هذا المحلل السياسي الإسرائيلي عن أمله لتكون المواقف المتباينة مؤديةً إلى التغيير في المصالح؛ وبالتالي تؤدّي إلى تغيير في التحالف الإيراني التركي. وقد أكّد شرمن أنّ التحالف الإيراني التركي جاء بعد قرار حكومة إقليم كردستان في العراق لإجراء استفتاء حول الاستقلال، وإنّ هذا التحالف هو أمرٌ مخيف وغير مرغوب فيه بالنسبة لإسرائيل.
وفي معرض حديثه عن التحالف الإيراني التركي عدَّ مارتن شرمن هذا التحالف بأنه قد يفتح أبواباً لإيجاد تعاونٍ مشتركٍ بين إسرائيل والدول العربية، ولكنّ القلق الحقيقي هو أنّ هذا التحالف من شأنه أن يمنح إيران حريّة أكثر في العمل، وقد ذكر في نهاية حديثه أن التحالف الإيراني التركي يُزعج إسرائيل كثيراً، وبالطبع أن هذا الأمر هو كدرس لمن يريد أن يعرف بأنّه لا يمكن الاعتماد على طبيعة العلاقات الدولية الراهنة لإيجاد تحالفات استراتيجية طويلة الأمد.
المصدر:
صحيفة اعتماد الإيرانية – العدد 3886 – الثلاثاء 22/آب/2017.