روبن ميلز، زميل سابق غير مقيم لشؤون لطاقة في مركز بروكنجز الدوحة، ومؤسس شركة قمر للطاقة.
إن الزيادة في الطلب والأسعار في السنوات العشر الماضية على وشك أن تتغير.
من البديهي القول إن الطلب على الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط سيستمر في الازدياد، إذ ارتفع استهلاكه بمقدار 25 مليار قدم مكعب يومياً في العقد الماضي -أي أكثر من نسبة الاستهلاك في الولايات المتحدة والصين بنحوٍ كبير-، وقد أشارت توقعات شركة بي بي البريطانية للطاقة (BP) لعام 2017 إلى أن الطلب سيتزايد من 47 مليار قدم مكعب يومياً في عام 2015 إلى 73 مليار قدم مكعب بحلول عام 2035؛ لأن شركات النفط الوطنية ومصدري الغاز الطبيعي المسال يعتمدون على طلب المنطقة المتزايد للغاز لرسم خططهم الطموحة في توسيع أعمالهم، ولكن ذلك على وشك أن يتغيّر.
إن الطريق الذي قادنا إلى هذه المحطة هو الازدهار الاقتصادي الذي حدث في المنطقة؛ نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، الذي أدّى بدوره إلى النمو السريع، وبناء مدن جديدة، وزيادة الطلب على إنتاج مكيفات الهواء في الصيف، وأجهزة التدفئة في الشتاء، ومحطات تحلية المياه، وجميع التجهيزات الأخرى لتوفير حياة كريمة.
واصلت الحكومات اعتماد الصناعات التي تلجأ إلى الاستعمال المكثف للطاقة؛ سعياً إلى تنويع اقتصاداتها في القطاعات التي تتمتع فيها بميزة تنافسية، مثل: البتروكيماويات، والألومنيوم، والصلب، والسمنت؛ وإدراكاً منها للضغوط الاجتماعية، قامت الحكومات بدعم قطاع الغاز الطبيعي والكهرباء والمياه؛ مما أدى إلى تراجع الطلب عليها.
وفي الوقت نفسه، فإن الغاز الرخيص -وهو نتاج ثانوي لعملية إنتاج النفط- يتم استعماله بكفاءة، وأدّت الاختلافات السياسية والتجارية إلى تعطيل مشاريع التصدير في حقل غاز الشمال القطري وحقل فارس الجنوبي في إيران، وتم تخريب خط أنابيب الغاز الذي يمتد من مصر إلى الأردن وإسرائيل وسوريا مراراً وتكراراً، ومن ثم توقفت عن العمل؛ لأن مصر لم تستطع توفير الغاز اللازم لتلبية احتياجاتها الخاصة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدول والعواصم التي تقع في المنطقة -التي تعد من إحدى المناطق الغنية بالغاز الطبيعي- قد بدأت باستيراد الغاز المسال، وتلك الدول هي: الکویت في عام 2009، دبي في عام 2010، وإسرائیل في عام 2013، ومصر والأردن في عام 2015، وأبو ظبي في عام 2016، وتخطط مدينتا الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، والبحرين لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في عامي 2018 و2019 على التوالي، فضلاً عن رغبة السعودية مؤخراً في استيراد الغاز الطبيعي المسال.
ومع ذلك، فإن لكل فعل ردَّ فعل معاكساً له؛ فلا ينبغي لمنتجي ومصدري الغاز الذين يوجهون طاقاتهم إلى سوق الشرق الأوسط أن ينظروا إليها كمنطقة لا ينتهي فيها الطلب على الغاز، إذ يأتي الرد المعاكس على ثلاث جهات، هي: الاقتصاد، والكفاءة، والمنافسة؛ فقد أدّت أسعار النفط المنخفضة نسبياً إلى تراجع النمو، وركودها في بعض البلدان، وتم تقليص عدد العمالة الوافدة في أجزاء من الخليج إذ طُلِبَ من أرباب العمل في تلك الدول توفير المال.
إن موجة التغويز[1] العظيمة في إيران قد وصلت تقريباً إلى نهاية مسارها؛ فقد تم ربط القرى النائية بالشبكة المستحدثة، ولم تعد الصناعات الجديدة في المنطقة تعتمد على الغاز الرخيص لتكون مجدية وفعالة، وهو ما يتناقض مع الولايات المتحدة، إذ يحافظ الصخر الزيتي على انخفاض الأسعار.
أدركت الحكومات التكلفة الباهظة لإعانتها بسبب تراجع أسعار النفط والغاز، ومن خلال تقليص الفجوة بين المعدلات المحلية والأسعار الدولية، أصبح من السهل إجراء الإصلاحات، إذ قامت إيران بدعم أسعار الغاز والكهرباء والوقود في عام 2010، لكن التضخم والعقوبات الاقتصادية المفروضة أدّيا إلى تراجع تأثير ذلك الدعم، وحذرت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين ومصر والأردن وغيرها من الدول المسار عينه.
أدّى تخفيض الدعم على الغاز الطبيعي إلى تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة، إذ تم استبدال توربينات الغاز البخارية -التي تحول 25% فقط من الوقود إلى كهرباء- بمحطات الدورة المركبة بكفاءة تبلغ 50% فأكثر، وتقوم الحكومات في جميع أنحاء المنطقة بإدخال معايير الكفاءة في المباني والأجهزة المنزلية، فقد أصبح المستهلكون أكثر وعياً بالنفايات وطرق تدويرها.
وأدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ونقص المعروض المحلي إلى لجوء الحكومات في الشرق الأوسط لمصادر طاقة بديلة، إذ من المقرر أن يبدأ برنامج الطاقة النووية الضخم التابع للأمم المتحدة في توليد الطاقة قريباً.
بدأ استعمال الطاقة الشمسية -وطاقة الرياح في بعض الأماكن – بالازدياد؛ وذلك لأنخفاض أسعارها -محققة رقماً قياسياً حول العالم- فبإمكان مصدر الطاقة هذا تلبية 20% من الطلب على الكهرباء في المنطقة، مع بلوغ ذروة إنتاج الطاقة الشمسية دون الحاجة إلى أساليب التخزين المكلفة، وتشير أبحاثنا إلى أن المملكة العربية السعودية بإمكانها أن تحقق حاجتها الكهربائية لعام 2032 بحرق كميات أقل من النفط، بسعر التكلفة نفسه الذي تتكبده الآن. وقد لجأت عُمان إلى استعمال ألواح الطاقة الشمسية لتكوين البخار اللازم لعمليات استخلاص النفط، بينما لجأت دبي وتركيا ومصر نحو استعمال الفحم المليء بالكربون والأرخص سعراً.
لن تقل أهمية الغاز الطبيعي في المستقبل، فهذا النوع من الوقود رخيص نسبياً ونظيف للبيئة، وله قاعدة ضخمة من المستخدمين، وأن الصناعات القائمة على الغاز لن تتوقف عن العمل؛ فلدى إيران العديد من مصانع البتروكيماويات التي تنتظر رؤوس الأموال ليتم إكمال بنائها بعد رفع العقوبات، وستعزز بعض الدول -كالعراق ولبنان وقبرص- استخدام الغاز المحلي بنحوٍ كبير، إلّا أن نمو الطلب على الغاز الإقليمي -ولاسيما واردات الغاز الطبيعي المسال- سيتباطأ كثيراً؛ لذلك على الشركات التي تستهدف هذه السوق النظر إلى المستقبل -وليس الماضي- لرسم خططها.
المصدر:
https://www.bloomberg.com/view/articles/2017-08-16/natural-gas-heads-for-middle-east-doldrums
[1] التغويز: هو عملية تحويل المواد التي تحوي في تركيبها على الكربون مثل الفحم والكتلة الحيوية إلى أول أكسيد الكربون والهيدروجين وذلك بتفاعل المواد الخام عند درجات حرارة عالية مع كميات من الأكسجين متحكم بها؛ ينتج عن هذه العملية مزيج غازي يدعى غاز الاصطناع، وتعد عملية التغويز من العمليات الفعالة لاستخراج الطاقة من المواد العضوية.