back to top
المزيد

    تغييرات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في عهد ترامب وتأثيرها على مواقف إيران الإقليمية

    حوار أجراه غريغوري لوكيانف[1]مع مؤسسة إيراس

    لم تزل إيران تُعَد بمنزلة صندوق أسودَ وغامض إلى حدّ كبير بالنسبة لروسيا وأتباعها، وثمّة أسباب يقدّمها كلُّ من يبدي مثل هذه المخاوف، ففي الوهلة الأولى يُقال إنّ هذا القلق قد نشأ تزامناً مع التعاون الروسي الإيراني المشترك فيما يتعلّق بالملف السوري الذي كان حديث الساعة. إن هذا التعاون لم يتمّ لصالح أمرٍ ما، بل هو ضدّ قضيّةٍ معينة؛ فطبيعة الوضع السياسي والعسكري القائم فرض علينا التحالف مع إيران لنجابه التهديدات والمشكلات المشتركة في سوريا.

    وعلى هذا الصعيد أجرى مركز دراسات إيران وأورسيا (إيراس) حواراً مع غريغوري لوكاينف أستاذ المعهد العالي للدراسات الاقتصادية في موسكو، والمحلل السياسي في مجلس العلاقات الدولية الروسي.

    تغييرات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في عهد ترامب وتأثيره على مواقف إيران الإقليمية

    ……………………

    إيراس: ما الإجراءات الجديدة التي سيتخذها ترامب في السياسة الأمريكية مقارنةً مع الرئيس السابق؟

    غريغوري لوكيانف: إنّ سياسة واشنطن مع مجيء الرئيس الجديد تقضي كالعادة مرحلة خاصة من الإجراءات والتنسيق، ففي هذه المرحلة يتأقلم الفريق الجديد وتتضح آلية التنسيق مع ما تريده الحكومة الجديدة ومع ما هو متاح على أرض الواقع. ولا استثناء في هذا الأمر فيما يتعلق بدونالد ترامب، ففريق عمله منهمك بتطبيع ذاته، والتأقلم مع الوضع القائم، وقد وصل الأمر إلى الحدّ الذي جعلنا نواجه صعوبة في فهم آلية التنسيق والقبول حتّى في أهم القرارات.

    بعد مضيّ ستة أشهر من وصول ترامب للبيت الأبيض قد تبلور تصوّر يفيد بأنّ الخطوط العريضة لسياسته الخارجية في الشرق الأوسط وفي الوضع الراهن تتمثل بتطبيق الوعود التي أعلنها في حملته الانتخابية، وهي استخدام القوّة العسكرية الأمريكية بأكملها وكذلك تفعيل الجهاز الدبلوماسي من أجل القضاء على داعش التي قد لا تُعَد خطراً لأمريكا فحسب، بل خطر بالنسبة لأوروبا وآسيا وحلفاء أمريكا المقربين (بريطانيا واستراليا وكندا ونيوزلندا).

    إنّ مثل هذا النهج يستدعي إجراء بعض الإصلاحات في السياسة الأمريكية، ولكن في الوقت عينه لا يعني العدول عن الاستراتيجية العامّة؛ فهي سياسة تركّز على تخفيض مستوى الحضور الأمريكي في المنطقة إلى جانب السيطرة المستمرة على الوضع بأقلّ التكاليف، وقد شرعت الولايات المتحدة بهذا النهج منذ عهد رئيسها السابق باراك أوباما.

    إنّ تجديد العلاقات مع الحلفاء التقليديين لأمريكا في المنطقة هي خطوات واضحة لتنفيذ مثل هذه السياسة، ففي الوهلة الأولى نشهد توثيق العلاقات مع السعودية وإسرائيل، وكذلك ثمّة محاولات لإيجاد علاقة قريبة مع أنقرة، وقد كان أمراً متوقعاً حتّى قُبيل إجراء الاستفتاء في تركيا، وهذا ما يسوقنا إلى الحديث عن إعادة تركيب تحالف ثلاثي في المنطقة، وستتمكن الولايات المتحدة من إحالة بعض القضايا الخاصة بالمنطقة إلى هذا التحالف، وستكون تركيا إحدى الأطراف المهمّة التي تعوّل عليها أمريكا في هذا التحالف.

    ومع ذلك فإنّ التحولات والأحداث التي شهدها نظام أردوغان وكذلك عجز ترامب في الوقت الراهن عن تلبية المطالب التركية كلّ ذلك سبّب تأخيراً في إيجاد التقارب التركي الأمريكي؛ إذن نحن في الوقت الحالي نشهد تقارباً أمريكيا سعودياً إسرائيلياً تكون الغاية منه في الوهلة الأولى تقليل التكاليف التي تتكبدها الولايات المتحدة في المنطقة وكذلك بناء هيكل جديد لملف الأمن في الشرق الأوسط، وفي هذه الأثناء تبرز النوايا الرامية إلى تصميم معادلة في طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط لتكون في الدرجة الأساس ملائمة مع المصالح الأمريكية، وفي الدرجة الثانية مواكبة لمصالح الدول المتحالفة مع أمريكا، وأخيراً متماشية مع أطرافٍ مجاورة أخرى كالاتحاد الأوروبي.

    وفي مثل هذه الظروف نرى أنّ الولايات المتحدة قد قللت إلى حدّ كبير من حضورها في حلّ المشكلات والنزاعات، وأن سياستها في سورية هو استثناء في هذا الأمر، إذ إن الحضور الأمريكي في سوريا بارز وفعّال، وهذا ما يوضّح أنّ القضاء على داعش مجرد أولوية لتحقيق غايات انتخابية وهي متقدّمة على الأهداف والغايات الاستراتيجية. ولو كانت إيران ترغب في توسيع دائرة علاقاتها مع روسيا فيجب عليها أن تعتمد سياسة أكثر مرونة وأنْ تأخذ بالحسبان المصالح الروسية على المستويَين الإقليمي والعالمي.

    وإذا كنّا نرى الولايات المتحدة مستعدّة لتفويض خياراتها للسعودية وللتحالف الواقعي أو بالأحرى الهَشّ الذي قد تألّف بإشرافٍ من الرياض، إلا أن هذا لا يعني أنْ تكون بعيدة عن المشهد السوري وأن تفوّض هذا الملف للحلفاء، بل لا بدّ له من حلّ أمريكي مباشر بحسب الرؤية الأمريكية، وفضلاً ذلك فإنّ الولايات المتحدة ليست داعمة للقوة ولنظام سياسي عربيّ، بل إنّها تدعم القوى الكردية مثلاً؛ وبهذا النهج قد تضعضع نظام التحالف الذي يبدو عليه الانسجام، وساق الأمريكيين لا إرادياً إلى صراع مكشوف.

    في الوضع الراهن نرى أن الحرب على داعش قد طال أمدها كثيراً، ولم نشهد حتّى الآن حرباً خاطفة ضدّها، فحتّى عملية استرجاع الموصل لم تكن من خلال حملة سريعة، وإن استرجاع الرقّة أيضاً لا يمكن أن تتم بحملة خاطفة؛ وفي مثل هذا الوضع لا يستطيع ترامب أن يحرز نصراً ساحقاً على داعش، وهذا الوضع سيبقى قائماً.

    إيراس: إذا لم ينتصر ترامب على داعش، وإذا كانت داعش ما تزال باقية فما الذي يمكن أن نسمّيه نصراً؟ هل يمكن التخلّص من داعش بصورة نهائية؟

    غريغوري لوكيانف: إن التغلّب على داعش يجب أن يرافقه صخب إعلامي وبأضواء مسلّطة على الدور الأمريكي في إحراز هذا النصر، فهذا النصر يجب أن يُعَدَّ نصراً عسكرياً، إذ إن الحل العسكري وإنجاحه سيجلب لترامب مجموعة من الحلول لقضايا أمريكية داخلية.

    إنّ العسكريين يمثلون إحدى الفئات التي صوتت لترامب، ولا أقصد قادة الجيش طبعاً، بل الجنود الذين كانوا يرغبون بإنهاء الحرب؛ ومع ذلك يُحتَّم عليهم العودة منتصرين، فالنصر الذي يحتاجه ترامب هو تحرير المدن الكبيرة من هيمنة العدو ضماناً لعدم سيطرة داعش عسكرياً على الأراضي العراقية والسورية، وفيما إذا انكمشت داعش وانحسرت وعادت إلى النشاط السرّي كما حصل لطالبان في أفغانستان خلال عامَي 2002 و2003، فيما لو تحقق ذلك سيكون نصراً بالنسبة لترامب.

    إيراس: أي: إنّ مجرد تحرير الموصل والرقّة من احتلال داعش لا يمكن أنْ نعدّه نصراً؟

    غريغوري لوكيانف: هذا ليس نصراً؛ لأنّ لداعش بعض الخصائص التي تجعلها تمتاز عن طالبان، منها الأرض والعمل الاستراتيجي والرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها دولة الخلافة؛ فكلّ هذه الأمور جعل كثيراً من المتعاطفين مع داعش والمؤمنين بهذا الفكر أن ينضمّوا إلى صفوفها، وبمجرد ما أنْ تفقد داعش سيطرتها على هذه الأرض ستتبدد واحدة من أهمّ شعاراتها، وتفقد الخاصيّة الرئيسة التي اتصف بها هذا التنظيم؛ ولذلك لا أستبعد أن يلتحق أنصار داعش في كل أنحاء العالم الذين ينتمون إلى تنظيمات سابقة، ولاسيما أن مثل هذه الخاصية هي بمنزلة الشرعية التي تلفت انتباه كلّ المؤمنين بهذا الفكر.

    إيراس: ما الدور الذي تؤديه إيران في بلورة السياسة الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط؟

    غريغوري لوكيانف: هذا سؤال معقّد إلى حدّ ما؛ مع ذلك يمكن أنْ أشير إلى الدور الإيراني في الوقت الحاضر على المدى القريب وعلى المدى البعيد، ففي الوقت الذي نرى ترامب قد ربط آماله بإسرائيل والسعودية، وقد عوّل كثيراً على مصادر هاتين الدولتين وفرصها وإمكانياتها من أجل التأثير على أوضاع المنطقة، نراه في الوقت نفسه أسيراً لمصالح حلفائه، إذ إنّ كلّاً من إسرائيل والسعودية لا تستطيعان -ولا تريدان- أن تقدّما تعريفاً لهيكلية المنظومة الأمنية الجديدة مع بقاء إيران كما هي الآن؛ الحديث هنا عن إيران بما هي نظام سياسي ومضمون أيديولوجي، فإسرائيل والسعودية معاً لا تعملان على تحديد سياساتهما الإقليمية من دون افتراض المواجهة مع تهديد إيران؛ إذن، توخيّاً لرؤية ترامب نفسه وللمصالح الأمريكية فإنّ الأخير مجبور على إيجاد تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية باتجاه إيران؛ على أنّ هذا الأمر لا ينفي الحقيقة القائلة بأن الولايات المتحدة تستطيع التراجع عن مثل هذا النهج في أيّة لحظة وأن تكفّ عن التصريح ضدّ إيران. ففي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تساند في إحدى الفترات التصريحات المناوئة لإيران فقد عملت على بعض الخطوات التي تشير إلى وجود تنسيق مع أعداء إيران، وعلى الرغم من أنّ هذا الأمر لم يكن في البداية بسبب العداء مع إيران، بل من أجل جلب دعم إقليمي واستحسان سعودي-إسرائيلي.

    في الوقت الحاضر نحن نشهد تنسيقاً تكتيكياً بين المستشارين الأمريكيين والفصائل المسلّحة الشيعية الموالية لإيران لإنجاز مهام مشتركة المتمثلة بمحاربة داعش. في أفغانستان أيضاً نرى وضعاً لافتاً، حيث تكون الولايات المتحدة في وضعٍ حرج، فالنظام السياسي الأفغاني الذي تشكّل على يدها يواجه خطر الانهيار. وعلى الرغم من كلّ ذلك فإنّ إيران لا تعمل على زعزعة الثبات القائم، بل على العكس من ذلك، بادرت إلى تقوية منافذها الحدودية لفرض مزيد من الأمن والاستقرار؛ بمعنى أن ما تنتجه السياسات الإقليمية الواسعة لا تشمل دوماً تلك المناطق التي تكون الجماهير فيها طرفاً لحلّ المشكلات.

    إيراس: إنّ هدف ترامب الرئيس يتمثّل بالقضاء على داعش، وقد ركّز جهوده من أجل ذلك، بحسب رأيك إذا كانت جهود ترامب تقتصر على ذلك هل يمكن أن نعدّ تصريح وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون) الأخيرة التي قال فيها إن أمريكا تعمل على تغيير النظام الإيراني تصريحاً واهياً؟ ألا تؤدي مثل هذه التصريحات إلى أفعال على صعيد الواقع؟

    غريغوري لوكيانف: بالطبع، فمثل هذه التصريحات هي مجرد أقوال يُراد منها أن تصل من واشنطن إلى أسماع الرياض وتل أبيب، ولمثل هذه التصريحات تكون السعودية مستعدّة لدفع مبالغ طائلة، وتعمل إسرائيل على أنْ تكون وفيّة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي الداخل الأمريكي أيضاً لا تسبب جماعات الضغط اليهودية النشطة إزعاجاً لترامب، وبهذا يحصل الرئيس الأمريكي على مزيد من المنافع وبأقلّ التكاليف.

    ومع ذلك فإنّ التصريحات المناوئة لإيران في الولايات المتحدة أخذت بالانتشار والتدوير. إنّ المصالح التي ينشدها ترامب شيء، والمصالح التي ينشدها سائر السياسيين والخبراء ومراكز الدراسات التي تسهم في تكوين الخطاب السياسي وصناعة القرار الأمريكي شيء آخر؛ فقد أصبح إعادة تدوير الخطاب المناهض لإيران بالنسبة لكثير منهم بمنزلة عامل للبقاء، ومثل هذا التيار المناهض لإيران كان في فترةٍ من الفترات [في الولايات المتحدة] موجّهاً للسعودية، ووقتئذ كان جزء كبير من تصريحات الخطباء والمحللين السياسيين ضد السعودية.

    لقد لمسنا ذلك في أحداث الربيع العربي، حين طفح التيّار المناهض لليبيا في الأوساط السياسية الأمريكية، على الرغم من أنّ ليبيا لا يبدي عليها بأنّها قد تسببت بالمتاعب للولايات المتحدة؛ فلذلك إنّ بروز مثل هذا الوضع المتهستر المناهض لإيران بين المحللين السياسيين الأمريكيين نابع من السياسة الأمريكية التي تروم إرضاء الأطراف المتحالفة من خلال التصريحات المناوئة لإيران؛ وهذا بطبيعة الحال يتطلب أقلّ قدر ممكن من التكاليف للحصول على عائدات كثيرة.

    إيراس: حين فاز ترامب في الانتخابات وأصبح رئيساً للولايات المتحدة أبدى المحللون والخبراء الإيرانيون قلقهم؛ لأن فوز مثل هذا الشخص -الذي لم يتوقّعه أي أحد- قد يتسبب باستئناف المحادثات بين أمريكا وروسيا ويؤدي إلى تقارب بين هذين البلدين، وكانت لطهران مخاوف من أن موسكو باقترابها من واشنطن في الملف السوري ستدير وجهها عن المصالح الإيرانية، ولكن حتّى الآن لم يتحقق أي جزء من هذه السيناريو، ولكن فيما لو كان هناك احتمال لحدوثه فكيف سيتمّ مثل هذا التحوّل؟

    غريغوري لوكياتف: أرى أنّ المخاوف ستشدد في مثل هذه الأيّام، ولا يمكن أن نعدّ مثل هذا القلق من دون أساس جملةً وتفصيلاً، فعلى الرغم من أنّ المواقف الروسية والأمريكية في الملف السوري خلال الأشهر الماضية لم تكن متقاربة، ولكن مع ذلك فإنّ هذا الاحتمال قائمٌ حتّى الآن. وفضلاً عن ذلك فإنّ روسيا تستطيع أن تحقق تقارباً في بعض الجوانب مع الجانب التركي، وإنّ مثل هذا الأمر يوضّح إمكانية حدوث خلاف في وجهات النظر حول سوريا بين موسكو وأنقرة، ومن جانب آخر مع إيران، والجدير بالذكر أنّ هذه المخاوف عينها موجودة لدى روسيا أيضاً.

    إنّ إيران بالنسبة لروسيا وحلفائها لا تزال بمنزلة (صندوقٍ أسود) غامض وإلى حدّ كبير، وثمّة أسباب يقدّمها كلُّ من يبدي مثل هذه المخاوف، ففي الوهلة الأولى يُقال إنّ هذا القلق قد نشأ تزامناً مع التعاون الروسي الإيراني المشترك فيما يتعلّق بالملف السوري الذي كان حديث الساعة. إن هذا التعاون لم يتمّ لصالح أمرٍ ما، بل هو ضدّ قضيّةٍ معينة؛ فطبيعة الوضع السياسي والعسكري القائم فرض على روسيا الاتحاد مع إيران لتجابه التهديدات والمشاكل المشتركة في سوريا. لقد تحقق تقارب بين وجهات النظر على مستوى المسؤولين ومراكز اتخاذ القرار في البلدين وفيما يتعلّق بالمصالح؛ مع ذلك إن هذا المستوى من التعاون ليس كافياً بعد لتعضيد العلاقات بيننا ولجلب مزيد من الثقة للتقارب بين الدوائر الحكومية. لذلك توجد كثير من المخاوف تكمن في العلاقة بين روسيا وإيران.

    بالاطلاع على بعض العوائق التي حالت دون إعادة العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة نستطيع القول بأن الوضع القائم سيبقى على مدى المتوسط على ما هو عليه، وفي أقلّ تقدير سيبقى كما هو فيما يتعلّق بالملف السوري.

    على الرغم من بعض التصريحات التي تشير إلى رؤية الولايات المتحدة الإيجابية لسير محادثات الأستانة، ولكن موسكو غير واثقة فيما لو استطاعت التوافق حول جزء كبير من مطالبها المطروحة للنقاش مع واشنطن، وهذا أمر لا يمكن أن نذكره حين الحديث عن العلاقة مع طهران، بعبارة أخرى ثمّة تفاؤل ونظرة إيجابية أكبر بكثير في العلاقة مع إيران.

    فضلاً عن ذلك فإنّ فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعث روحية الاطمئنان لدى النخبة السياسية الروسية التي تدعو إلى توسيع دائرة العلاقات والتعاون مع طهران؛ ولاسيما أن حسن روحاني جدير بالثقة ويمكن التنبؤ بقراراته وسلوكياته، وهو طرف جيّد وواضح في التعاقد والتحالف، وبالتعاون معه يمكن إنجاز الكثير من الأمور النافعة للطرفين. ومع ذلك لا يمكن أنْ نغفل الحقيقة القائلة إنّ الولايات المتحدة تستطيع أن تمارس نشاطاً دبلوماسياً أوسع وأنْ تقدّم لروسيا مقترحات وخيارات أكثر من تلك التي تقدّمها إيران؛ لذلك فيما لو كانت إيران ترغب في توسيع دائرة العلاقات مع روسيا يجب عليها أن تبدي سياسة أكثر مرونة، وأنْ تأخذ بالحسبان المصالح الروسيّة على المستويَين الإقليمي والعالمي؛ فإدراك مصالح الطرف المقابل واحترامها هو أفضل ضمان لازدهار التعاون الإيراني الروسي، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في منطقة أورآسيا كلّها.

    وروسيا أيضاً كلّما زاد انهماكها بقضايا الشرق الأوسط عرفت أكثر من قبل ضرورة إيجاد علاقات طويلة الأمد مع دول المنطقة، ولتوسيع هذه العلاقات تكون إيران بالنسبة لروسيا الشريك الأوّل، فإيران تخطو لتحقيق مزيد من التعاون في منظمة شانغهاي للتعاون؛ ومن هنا تُناقَش الموضوعات المتعلّقة بالتعاون الأوسع نطاقاً بين إيران والمنظمات الاقتصادية في أورآسيا؛ وبهذا نشهد تمتيناً وعمقاً في العلاقات بين البلدين.

    وعلى الرغم من الصعوبة البالغة التي تكمن في هذا الأمر، ولكن يجب أن نضع جانباً حمل الماضي الثقيل الذي تسبب في الابتعاد بيننا؛ ولو أنّ هذا الأمر يكون أصعب لإيران بالمقارنة مع روسيا، ولكن المجتمع الروسي في الوقت الحاضر قد نسي كل ذلك التأريخ وتلك الأيّام التي كانت روسيا بلداً متجاوزا ومحتلّاً لإيران، ولكن مثل هذه الصورة لا تزال موجودة في الذاكرة التاريخية لدى جزء غير قليل من المجتمع الإيراني، فالإيرانيون يتذكّرون جيّداً أحداث سنة 1920 وسنة 1940، وقتئذ هدد البلاشفة والحكومة السوفيتية سيادة بلدهم. إنّ مهمة السياسيين الروس والإيرانيين في هذا المجال ليست تجنّب هذه المشكلات، بل مهمتهم تتمثل في السعي نحو التفوّق على مثل هذه الخلافات القديمة، وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الثنائية، ويتحقق ذلك في التعاون في المجال الاقتصادي والثقافي والسياحي والتجاري. بتحقيق مثل هذه العلاقة المتينة تمنع من حدوث أيّ (انقطاع فجائي في العلاقات) مثل الذي حدث في الماضي. إذن يفترض ببَلَدينا أن يحوّلا هذا التحالف المؤقت في الملف السوري إلى تحالف طويل الأمد، على أنّ لهذه القضية أيضاً مخاطرها الخاصّة بها؛ إذ إنّ نظرة كلّ منّا للملفّ السوري مختلفة، وكذلك مستوى حضورنا ومشاركتنا في مستقبل هذا البلد بيّنٌ ومتفاوت.

    إيراس: هل الولايات المتحدة -ولاسيما ترامب- تستطيع أنْ يسوق روسيا وإيران إلى تقارب أكثر وعلاقات أمتن؟

    غريغوري لوكيانف: إنّ الولايات المتحدة تستطيع أن تمارس بعض التحركات التي ستعدّها كلٌّ من موسكو وطهران بمنزلة التهديد المباشر ضد مصالحهما، وبمثل هذا التهديد تستطيع أنْ تسوق البلدين إلى مزيد من التقارب.

    إيراس: هل يمكن أنْ نعدّ الهجوم على سوريا من مثل هذه المبادرات؟

    غريغوري لوكيانف: نعم، ولكن ليس هذا فقط، فتجنّب الولايات المتحدة من الحضور في بعض الموضوعات والقضايا الإقليمية يصبّ في صالح هذه القضيّة، والتقارب الروسي الإيراني يؤدّي إلى حدّ بعيد إلى إدراك كلّي لأصولٍ وضوابط يجب اعتمادها في المنظومة الأمنية والجهد العالمي في عملية بسط الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

    نحن ندعو إلى المساواة بين الأطراف المعنيّة في المنطقة، وكذلك التقليل من مستوى حضور القوى الخارجية والحدّ من تدخلها في شؤون دول المنطقة، وإنّ مثل هذه المواقف تختلف إلى حدّ كبير مع أساسيات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وإنّ أثر مثل هذا الاختلاف في وجهات النظر بين أمريكا وروسيا قد لا يقتصر على التقارب بين روسيا وإيران فحسب، بل قد يؤدّي إلى تقاربٍ مع دولٍ أخرى كتركيا أيضاً، وثمّة فوارق كثيرة بين هذه الدول الثلاث، ولكن فترة التعاون المشترك في الشرق الأوسط ساهمت كثيراً في التقارب بينها.

    حينما تكون الشعارات المثالية في الدرجة الثانية من الأهميّة ستبرز أهميّة حلّ المشكلات والقضايا العالقة من خلال العمل المشترك، ويمكن توقّع ظهور تحالفات لما كان يتوقّع ظهورها مطلقاً، لقد شهدنا كيفية اقتراب إيران وروسيا بوجهات النظر في الأزمة السوريّة بعد أن كانا غير متحالفين، ونرى أيضاً كيفية التعاون والتنسيق مع تركيا التي هي من أعضاء حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، ولطالما كانت حارسة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وفضلاً عن ذلك فقد حدث تقارب -وبحذرٍ تام- بين إيران وقطر، التي كانت حتّى عهد قريب من أكبر الداعمين لأعداء إيران وروسيا في المنطقة.

    في مثل هذا الظرف قد يؤدّي السلوك الأمريكي في عهد الحكومة الحالية إلى امتناع دول المنطقة من ممارسة السلوك المطلوب، وأن تسير نحو اتخاذ سبل جديدة في العلاقات المبنية على التعاون المشترك، واحترام السيادة والمصالح الوطنية، ومثل هذا الأمر يمكن أنْ يكون طريقاً نحو مجال جديد في الشرق الأوسط.

    إيراس: ما التغيير الذي طرأ على المواقف السعودية في الشرق الأوسط بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض؟

    غريغوري لوكيانف: إنّ السعودية في عهد باراك أوباما أقيلت من السياسة الأمريكية، ولم تتوسع العلاقات الأمريكية السعودية في ذلك الحين، أمّا في الوقت الحاضر فقد أصبحت العلاقة بين البلدين ذات قوّة، وهذا يُعَدّ دعماً معنوياً للأمر، إذ لا يتدخل فيما يتعلّق بمصالح الرياض الإقليمية.

    إيراس: وهل كان أوباما يتدخّل في مصالح الرياض الإقليمية؟

    غريغوري لوكيانف: بتوقيع أوباما على الاتفاق مع إيران فإنه قد عمل ضد المصالح الاستراتيجية السعودية، فهو لم يذكر شيئاً عن الحرب ضدّ الرياض، ولكنّ خطواته كانت على خلاف مصالح السعوديين، وفي الوقت الحاضر يُعدُّ الحياد الأمريكي الإيجابي في صالح السعودية، فقد حان وقت الزعماء الجُدد، وإنّ وريث العرش السعودي يريد أن يحقق قفزة في ازدهار البلد؛ لذلك سيكون تنفيذ الرؤية السعودية [2]2030 التي تركّز على تأهيل القطّاع الاقتصادي ملزماً، على أنّ الأمر لا يقتصر على تنفيذ هذا البرنامج، بل يجب إيجاد تغيير في ماهية العلاقة في الشرق الأوسط، فهذه القضية في الوهلة الأولى مرهونة بالأوساط المقرّبة من الملك السعودي -العوائل الحاكمة في شبه الجزيرة العربية-، وفيما لو لم يكن هذا الحياد الإيجابي من جانب الولايات المتحدة لما تحقق ما نشهده اليوم من طبيعة العلاقة بين السعودية والإمارات والاختلاف مع قطر الذي شهدناه في حزيران الماضي.

    بعد سفر ترامب إلى السعودية حازت السعودية على كامل الصلاحيات من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، وقد بدأت هذه المصالح من شبه الجزيرة العربية، حيث توجد مشكلتان أساسيتان: الأولى: قطر التي هي خارجة عن سيطرة السعودية، ولكنّها تمتلك مصادر هائلة، والأخرى: مشكلة اليمن التي يجب حلّها في أسرع وقت، وبعدها ستتوسع دائرة مصالح السعوديين أكثر من قبل، فكلما كانت هذه المصالح أبعَد من شبه الجزيرة العربية كان على السعودية أن توسّع من دائرة تعاملها مع اللاعبين في المنطقة. النخبة السعودية الحاكمة تعي هذا الأمر. بالطبع قد يمكن تجاهل إيران، ولكن السعودية مضطرّة للتعاون فيما يتعلّق بالعلاقة مع تركيا ومصر وروسيا.

    من المقرر سفر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى روسيا، وخلال فترة وجيزة سيذهب الملك سلمان إلى روسيا أيضاً؛ وكلّ هذه الأمور توضّح آليات التغيير في الدور الروسي، إذ إنّها مستعدّة للتحاور مع جميع الأطراف، بما فيها قطر والسعودية وسائر دول المنطقة، فالقوّة الروسية على اللعب في الساحة السياسية القائمة تطوّرت كثيراً؛ لأنّ السياسة الأمريكية تعرض القليل من إمكانية التنبؤ والانجذاب للاعبين في المنطقة.

    إنّ خلق نظم متعددة الأقطاب في الوضع الراهن مفيد لروسيا ولدول المنطقة معاً؛ فحتّى الصين والاتحاد الأوروبي من داعمي هذه الفكرة. وإنّ الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لمثل هذه التغييرات، مع ذلك أخذ الأمريكيون يدركون هذا الأمر شيئاً فشيئاً، فحتّى الناخب الأمريكي أيضاً أدرك هذا الأمر وطالب بالحدّ من تدخّل بلاده في شؤون الدول الواقعة (خلف البحار)، ووصول ترامب للسلطة خير دليل على وجود مثل هذا الوعي؛ لذلك أستبعد إعادة الوضع إلى الوراء. فضلاً عن ذلك فإنّ ترامب أدرك الوضع القائم جيّداً، ولا يخطو على خلافه، بل سيسير على وفق التيار، وفي مثل هذه الظروف يمكن أن نتنبّأ فقط بأنّ التغييرات في المنطقة ستكون مستمرّة، أمّا سير الوضع وهذه التغييرات نحو مزيد من التأزّم فلا واقعية له.


     

    المحاورة: نيكيتا اسما غين، طالبة ماجستير في العلاقات الدولية

    ترجمة الحوار من الروسية إلى الفارسية: رقية كرامتي نيا، طالبة ماجستير قسم الدراسات الروسية في كلية الدراسات العالمية، جامعة طهران

    ترجمه من الفارسية للعربية: حسن زهير

    الرابط:

    http://www.iras.ir/fa/doc/interview/3233

    (1) أستاذ الدراسات السياسية والاقتصادية بمعهد الدراسات الاقتصادية في موسكو، ومحلل سياسي في لجنة العلاقات الدولية الروسية.

    (2) رؤية السعودية 2030 هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية تم الإعلان عنها في 25 نيسان 2016، وتتزامن مع التأريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم 80 مشروعاً حكومياً عملاقاً، تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال سعودي وتصل إلى 20 مليار ريال كما في مشروع مترو الرياض. نظَّمَ الخُطَّة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان حيث عرضت على مجلس الوزراء برئاسة الملك السعودي.