إلدار ماميدوف، عمل مستشاراً سياسياً للديمقراطيين الاجتماعيين في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، وهو مسؤول عن بعثاته للعلاقات البرلمانية مع إيران والعراق وشبه الجزيرة العربية والمشرق.
في بداية شهر تموز الحالي شنَّ العضوان في برلمان أذربيجان (قدرات هاسانغوليف وفاضل جيزنفروجلو) هجوماً لفظياً ضد إيران، واتهما طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية لجنوب القوقاز ودعم جمهورية أرمينيا التي تحتل الأراضي الأذرية في سياق الصراع على جمهورية ناغورني-كاراباخ. وفي المنوال نفسه، أعلنت رئيسة تجمع إسرائيل في البرلمان يفدا أبراموف، أن إيران ليس لها الحق في انتقاد أذربيجان لعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل؛ كونها قدمت مساعدات اقتصادية لأرمينيا.
ليست هذه المرة الأولى التي يخاطب فيها النواب في أذربيجان إيران بإساءة، فحينما أعربت طهران عن استيائها من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لباكو في كانون الأول 2016، هدد حسن كوليف إيران بانقسام كبير، واعداً إياها بظهور “خمس ولايات جديدة” بدلاً منها.
ولكن هذه المرة، وجه النقد اللاذع ضد إيران بالاستجابة الفعالة من آية الله سيد حسن آملي خطيب صلاة الجمعة في بلدة أردبيل في أذربيجان الإيرانية والممثل الشخصي للمرشد الأعلى هناك، ففي خطبة حماسية وبّخ آملي أعضاء البرلمان بسبب إهاناتهم “للأمة الإيرانية وقادتها”، وأشار إلى حد كبير إلى الدور الإيراني في حماية ناخيتشيفان -وهو إقليم بأذربيجان الذي يحصر بين أرمينيا وإيران- وأشار إلى الجهود الإيرانية للتوسط في نزاع ناغورني-كاراباخ فى أوائل التسعينيات، حينما رفضت الحكومة القومية في باكو، كما قال آملي: “إرضاء الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل”.
وفي نظام سياسي خاضع لسيطرة صارمة مثل أذربيجان، من المستبعد جداً أن يثير بعض النواب عمداً الجدل حول واحدة من أكثر قضايا السياسة الخارجية تعقيداً في البلاد -كالعلاقات مع إيران- دون موافقة ضمنية على الأقل من القيادة الحاكمة.
استهداف الشيعة في عقر دارهم
إن موقف إيران من ناغورني-كاراباخ لا علاقة له بهذا الانفجار الأخير بالتصريحات، وعلى الرغم من الضغط الشديد الذي تمارسه أذربيجان، لم تتخذ أي دولة حتى الآن خطوات ملموسة لمساعدة باكو على استعادة استقلالها الإقليمي، والسبب الحقيقي الذي يحدق بإيران هو الخوف الذي تشعر به المؤسسة الحاكمة في باكو نحو تمكين الجهات الفاعلة الشيعية المحلية، على الرغم من أن الشيعة يشكلون ما يقرب من 70% من سكان أذربيجان، فإن الحكومة تدعم القول إن الشيعة هم في الأساس من إيران.
مع النمو السريع في عدد المعتقدين بهذا، فإن لدى النخبة الحاكمة أسباباً للقلق، إذ نجحت في إضعاف المعارضة السياسية من خلال تعميم القومية التركية العلمانية، وهي أيديولوجية قادت حركة أذربيجان المؤيدة للاستقلال في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وفي بعض الأحيان اقتبست هؤلاء من المفردات الليبرالية المؤيدة للغرب، إلا أن هذا لا يمكن أن يتناسب مع الخطاب الإسلامي؛ فكل ركائز النظام الإيراني هي نقيض الحكم الاستبدادي العلماني لإدارة الرئيس إلهام علييف.
أما ما يخص التعامل مع التحدي الشيعي، فقد تبنت الحكومة نهجاً ذا شقين، فمن ناحية يحاول أن يعزل “رجال الدين المتعصبين” -أمثال تالة بغير زادة وهو داعي متعلم من الشباب الإيرانيين الذي سجن في عام 2015 بعد اشتباكات وقعت في قرية نارداران بالقرب من باكو-، ومن ناحية أخرى، فإنه يعزز بتروي رجال الدين المشهورين الذين يركزون على الوفاء الديني بدلاً من النشاط السياسي والاجتماعي، وتشبه هذه الحالة حالة حاجي شاهين حاسانلي خطيب مسجد مشادي داداش التأريخي في باكو، الذي شجع الجانبين الروحاني والديني في نفوس المسلمين في جنوب القوقاز -وما تبقى من الحقبة السوفياتية التي أُعِدت من أجل السيطرة على الحياة الدينية للمسلمين الأذربيجانيين- مؤخراً ليكون ممثلاً عن منطقة ناسيمي في باكو، إحدى أكبر مدن العاصمة.
وفي خطوة أخرى للحد من تأثير المتطرفين المزعومين، حظرت الحكومة الأئمة المتعلمين الأجانب من دخول مساجد البلاد، غير أن هذه الخطوات أخفقت إلى حد كبير في تحقيق أهدافهم، في حين يبدو الحاج شاهين موالياً للنظام، فإن تركيزه على إعادة إسلامية المجتمع بنت جمهور لسياسة إسلامية واضحة أكثر، التي تتناقض بنحوٍ حاد مع العلمانية الجازمة للنظام. إلى جانب ذلك، هناك حدود لمدى قربه من الارتباط مع المؤسسة دون أن يفقد جاذبية قاعدته المتينة.
وفي الوقت نفسه، تتجاهل المساجد في المحافظات -بنحوٍ روتيني- الحظر المفروض على المبشرين المتعلمين الأجانب، لكن الحكومة تشعر بالقلق إزاء شعبية هؤلاء الأئمة “غير الرسميين”، حيث تتخذ الحكومة أحياناً إجراءات باعتقالهم، كما فعلت في نيسان 2017 مع حاجي سردار حاجي حاسانلي -رجل الدين الذي يلقى احتراماً شديداً في إيران- فقامت الحكومة باعتقاله في بلدة جليل أباد جنوب البلاد، ومع ذلك فإن السلطات تغض الطرف عن مثل هذه الممارسات، لكنها تخشى من إشعال لهيب مواجهة مفتوحة مع المعتقدين بالمذهب الشيعي.
وتزود أنشطة المركز الثقافي الإيراني في باكو الحكومة بمأزق آخر غير مريح، وكجزء من سفارة إيران، يتمتع المركز بالحصانة الدبلوماسية، ولكنه ينشر الرسالة الدينية الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية، إذ إن معاداة أميركا والشكوك العامة من الفكرة الغربية للديمقراطية هي موضوعات بارزة، وإن الخطب للمبشر أو الواعظ الأذربيجاني ذا الشخصية الكاريزمية في المركز (سيد علي أكبر أواغنيجاد) تحظى بشعبية متزايدة بين الشباب الشيعي في باكو، غير أن الحكومة مترددة في مواجهة طهران بشأن هذه الأنشطة، منذ أن استخدم أواغنيجاد -صهر إيه الله الإيراني آية الله مصباح يزدي- لتمرير رسائل إلى طهران حينما تكون العلاقات بين البلدين رديئة.
لقد تراجع واقع الحكومة بسبب نقص الأعضاء المتمكنة، فالأعضاء الأيديولوجيون في العصر السوفيتي لا يتطابقون مع الواعظين ذوي الشخصيات الكاريزمية الذين يتكلمون لغة واضحة وجذابة وعاطفية، وفي بعض الأحيان هناك استثناءات مثل إلشاد إسكنداروف -رئيس سابق في لجنة الدولة للعمل مع المنظمات الدينية- إذ كان من النشطاء الشيعة، لكن قدرته في بناء علاقات قائمة على الثقة مع المجتمعات الدينية أجبرته في نهاية المطاف على الاستقالة من وظيفته، حيث اتهمته وسائل الإعلام الموالية للحكومة -على نحو غير معقول- بأنه يتبع الخميني وهو من أتباع طائفة فتح الله غولن التركية! على الرغم من عدم التوافق المتبادل بين هذين التيارين.
التقسيم والسلطة؟
داخل هذا الطريق غير المقنع، هناك خطر لعودة الحكومة إلى سياسة حقيقية ومجربة من الانقسام والحكم من خلال دعم الفئة ذات الجانب الأضعف في الانقسام الطائفي بالبلاد، وقد اتبعت هذه السياسة في التسعينيات حينما كان السنة -حتى المعتقدين بالمذهب السلفي- يتم تفضيلهم على الشيعة، ومنذ ذلك الحين يميل ميزان القوى لصالح الشيعة.
ومن ضمن الجهود لتحقيق التوازن بينهما هناك حديث عن إعادة فتح مسجد أبو بكر في باكو الذي كان -حتى إغلاقه قبل بضع سنوات- نقطة محورية للنشاط السلفي في البلاد، وعلى الرغم من ذلك، تسامحت الحكومة مع إمام المسجد جاميت سليمان -المتعلم في السعودية- منذ أن حرص على الاعتراف مراراً بسلطة الرئيس علي علييف.
ويخشى بعض المراقبين -الذين يتخذون من باكو مقراً لهم- من ميل الحكومة إلى إعادة توجيه السلفيين في أذربيجان والعودة إلى ديارهم من سوريا والعراق بعد هزيمة داعش على يد شيعة البلاد. وعلى الرغم من أن تنافس المتطرفين السنة والشيعة ضد بعضهم بعضاً قد يصرف النظر عن بعض الضغوط من النخبة الحاكمة، فإن العواقب طويلة الأمد على البلاد ستكون كارثية، ويحذر ألتاي جويوشوف -خبير الإسلام الأذربيجاني البارز- في الوقت الحاضر من عدد الإسلاميين السياسيين في أذربيجان، من مقلدي المذهبين السني والشيعي والبالغ عددهم أكثر من 20% من مجموع السكان؛ بيد أن المواجهة سترغم مزيداً من الناس إلى تعريف أنفسهم في المقام الأول على وفق هويتهم الطائفية المحددة؛ مما يؤدي إلى نزاع طائفي كبير، مع عواقب تزعزع الاستقرار لا يمكن التنبؤ بها.
المصدر
http://lobelog.com/is-sectarian-strife-brewing-in-azerbaijan