سيمون كير، مراسل في صحيفة فايننشال تايمز.
قطعت السعودية وثلاث دول عربية أخرى علاقاتها الدبلوماسية، وجميع وسائل النقل مع قطر؛ في محاولة استثنائية لعزل الدولة الخليجية، وذلك حسب ادعاءاتهم بأن سياساتها الإقليمية تؤجج التطرف والإرهاب، وهذا التحرك غير المسبوق ضد الدوحة من قبل كل من الرياض ومصر والإمارات والبحرين يُصعِّد من الخلاف حول دعم قطر للجماعات الإسلامية السياسية، وخلق تصورٍ بأنها منفتحة لفكرة توثيق العلاقات مع إيران -المنافس الأول للسعودية-.
نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر رسمي أن المملكة قد قطعت علاقاتها مع قطر “لحماية الأمن القومي من مخاطر الإرهاب والتطرف”، ومن جانبها وصفت الحكومة القطرية تصرفات الدول المجاورة بأنها غير مبررة، مشيرة إلى أنها تواجه حملة إعلامية غير مسبوقة لتشويه صورة الدوحة، وأضافت “من الواضح أن الحملة الإعلامية كان هدفها منذ البداية أن تمارس ضغوطاً على الحكومة القطرية لكي تتخلى عن سيطرتها على عملية صنع القرار والسيادة والسياسة الوطنية”.
صرّحت الدول الأربع التي قطعت علاقاتها مع قطر -التي تستضيف أهم قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط- بأنها ستغلق روابط النقل الجوي والبحري؛ ومن الجدير بالذكر أن قطر هي واحدة من أغنى الدول في العالم، وهي المورِّد الأكبر للغاز الطبيعي المسال لآسيا وأوروبا، ومستثمر كبير في المملكة المتحدة وأوروبا من خلال صندوق الثروة السيادية الخاصة بها.
منعت دول الخليج الثلاث مواطنيها من السفر إلى قطر وأعطت القطريين مهلة أسبوعين لمغادرة بلدانها، وصرحت بأنها ستسلك مساراً قانونياً لمحاولة منع الشركات والدول الصديقة التي تنتقل من وإلى قطر عبر مجالها الجوي. ويذكر أن إغلاق الحدود البرية الوحيدة مع المملكة العربية السعودية من شأنها أن تقطع إمدادات الغذاء الى الدولة المعتمدة على الواردات التي من المقرر أن تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
تعترف قطر -المعروفة باستقلالها الإقليمي ولطالما ما تسعى إلى تحقيق أهدافها الخاصة- بأنها تدعم بعض الحركات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وحماس، والجماعات الفلسطينية المسلحة، إلّا أنها أنكرت دعمها للإرهاب؛ وأعربت الدوحة عن أسفها للقرار، إذ صرّحت بأن تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة؛ وقال بيان صادر عن قناة الجزيرة إن هذه الإجراءات لن تؤثر على الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين.
انخفض سوق الأسهم في قطر بنسبة 5.5% كرد فعل للخلاف الدبلوماسي؛ وارتفع خام برنت لأكثر من 1% ليصل إلى 50.46 دولاراً للبرميل.
يعتقد المحللون أنه من غير المرجح أن تتأثر صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال؛ لأنها ستتطلب من المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين حصار الممرات البحرية لإيقاف الشحنات، وهو تصاعد كبير في الأحداث لن يكون موضع ترحيب في واشنطن.
قال ريتشارد مالينسون المحلل في شركة “إنيرجي آسبكتس” في لندن: “لا أعتقد بأن أحداً قد لمح بشأن فرض الحصار؛ إذ تعتمد كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة اعتماداً كبيراً على تجارة النفط من خلال البحر، وأنا لا أستطيع حقاً أن أتخيل قيامهم بمخاطرة من شأنها أن تعطل ذلك”، فالإمارات العربية المتحدة -مثلاً- هي مستورد ومصدر للغاز الطبيعي، وبإمكانها إيقاف استيراد الغاز القطري وإعادة توجيه إنتاجها للغاز إلى الاستهلاك المحلي في خطوة تؤدي إلى إعاقة قطر من تصدير الغاز الطبيعي المسال.
أصدر ميناء الفجيرة الإماراتي مذكرة تحظر رسو جميع السفن القطرية في الميناء، وذلك على وفق ما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز؛ إذ تعدُّ الفجيرة نقطة التزود الرئيسة لناقلات النفط في الخليج العربي، وأن منع قطر من الرسو في أرصفتها يمكن أن يزيد من عدد مرات الشحن والنفقات؛ وقال وسطاء الشحن إن قطر قد رتبت بالفعل نقاط توقف أخرى في جبل طارق وسنغافورة لست ناقلات للغاز الطبيعي المسال التي كان من المقرر أن تزود بالوقود في الفجيرة.
حدث هذا النزاع الإقليمي بعد أن تم تشجع المملكة العربية السعودية وحلفائها الإقليميين من قبل دونالد ترامب الذي اختار الرياض في أول زيارة له في الخارج كرئيس للولايات المتحدة؛ إذ التقى السيد ترامب خلال زيارته الزعماء العرب بمن فيهم أمير قطر، وأيّد حملة الرياض لتحدي النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بصفقة أسلحة تصل قيمتها إلى 110 مليارات دولار.
قام ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي يوم الاثنين بالتقليل من أهمية النزاع القائم بين حلفاء الولايات المتحدة في تأثيرها على الحرب ضد تنظيم داعش بينما يحث جميع الأطراف على حلِّ خلافاتهم؛ وقال السيد تيلرسون خلال زيارته في سيدني: “لا أتوقع أن يكون لهذا الأمر أي تأير مهم في الحرب ضد الإرهاب في المنطقة أو على الصعيد العالمي”.
إن الخطوط الجوية القطرية مهددة بتعطيل شبكتها الجوية إذا لم تتمكن الرحلات الجوية من الوصول إلى المجال الجوي لأقرب ثلاث دول مجاورة لها، فقد صرّح الاتحاد للطيران -شركة طيران في أبوظبي-، وطيران دبي -شركة طيران في الإمارات- بأنهما سيعلقان جميع الرحلات الجوية إلى قطر حتى إشعار آخر.
اتهمت الإمارات العربية المتحدة قطر بنشر أيديولوجية تنظيم القاعدة من خلال وسائل الإعلام وإيواء متطرفين مطلوبين، واتهمت البحرين قطر بتمويل الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران لتنفيذ هجمات “تخريبية” في المملكة البحرينية.
واتهم أحد المراقبين الخليجيين قطر بتمويلها للإرهاب في سوريا وليبيا واليمن ومصر، وقال إن رغبة البلاد في الانفتاح على إيران “مسألة مثيرة للقلق”.
بينما تتهم السعودية والإمارات والبحرين إيران ذات الأغلبية الشيعية بتغذية الصراعات والاضطرابات في الشرق الاوسط، وعلى الرغم من أن قطر تعد دولة سنية، فإنها تتمتع بعلاقات أفضل مع طهران من دول الخليج المجاورة لها، وقد دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدول العربية إلى حل هذا النزاع عبر الحوار، وأكّد في تعليق له حول الأزمة القطرية “أن الإكراه ليس هو الحل أبدا”.
إن محاولات عزل الدولة القطرية على الصعيد الدولي تعد تصعيداً لخلاف دبلوماسي مماثل عام 2014 حينما اتحدت الرياض وأبو ظبي والمنامة ضد الدوحة على دعمها للحركات الإسلامية، وانقطعت العلاقات في بداية شهر حزيران الحالي حينما نشرت وسائل إعلام إماراتية وسعودية تصريحات تزعم أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر قد أدلى بها، وقد فُسِرَت بأنها تدعم إيران والحركات الإسلامية، لكن الحكومة القطرية من جانبها بيّنت أن التصريحات كاذبة وكانت نتيجة حادث اختراق إلكتروني.
أدّى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر إلى إثارة حالة الذعر في شراء السلع الأساسية، فقد قال أحد الموظفين التنفيذيين المغتربين: “إن جميع المواطنين يتواجدون في المحال التموينية للتسوق، وهم قلقون بشأن ترتيبات السفر”، وأشار الاقتصاديون إلى أن هذه الخطوة تعد خطراً على القطاع المالي القطري؛ فقد قامت البنوك القطرية بزيادة فروعها خارج البلاد في السنوات الأخيرة، إذ يمتلك بنك قطر الوطني حوالي 210 فرعاً في مصر، و27 فرعاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، في حين يمتلك البنك التجاري القطري 40% من أسهم البنك العربي المتحد لدولة الإمارات العربية المتحدة.
إن تكلفة الاقتراض قد ترتفع الآن في قطر وذلك على وفق ما ذكره بنك سيتي، الذي قال في بيان له: إن السيولة في القطاع المصرفي في قطر “تأثرت بشدة”؛ بسبب انخفاض أسعار النفط.
المصدر:
https://www.ft.com/content/dc24473c-499e-11e7-a3f4-c742b9791d43