بريان وينتر: رئيس تحرير صحيفة أمريكاز كوارتارلي، كتب هذا المقال لصحيفة الفورين أفيرز.
قبل ستة عقود من الزمن -أي قبل وقت طويل من تصويت مجلس الشيوخ البرازيلي في آب من العام 2016 على عزل الرئيسة ديلما روسيف عن منصبها- استبعد أحد أكبر الزعماء المرغوب فيهم في تأريخ البلاد من منصبة بسبب فضائح تسبب بها لنفسه، وقد منح الرئيس جيتوليو فارغاس حقوقاً جديدة -بما في ذلك إجازة مدفوعة الأجر- لجيل من العمال في الثلاثينيات والأربعينيات، ولكن بعد تولي فارغاس السلطة في عام 1951، فإن أحد كبار مساعديه اتهم بالقتل، وواجه فارغاس ادعاءات بأن بنك البرازيل الذي تديره الدولة قد منح قروضاً ميسرةً جداً لصحفي مؤيد للحكومة، وبعد اجتماع لمجلس الوزراء في وقت متأخر من الليل في 24 آب 1954 -الذي فشل في حل الأزمة فضلاً عن أن العديد من الجنرالات طالبوا باستقالته- انسحب فارغاس إلى غرفة نومه، وأمسك مسدس كولت، وأطلق رصاصة على نفسه أصابت قلبه.
ومنذ ذلك الحين استمرت سلسلة فضائح الفساد في الارتفاع بنحوٍ روتيني في السياسة البرازيلية، ففي عام 1960 فاز جانيو كوادروس بالرئاسة من خلال حملته التي استخدم فيها مكنسة، متعهداً بطرد اللصوص من البرازيل، ولكن بعد إنهاء خدماتهم لثمانية أشهر صاخبة حصل انقلاب عسكري عام 1964؛ وهذا الغضب الواسع ضد فساد السياسيين المدنيين ساعد جنرالات البرازيل على تولي السلطة لعقدين من الزمن، ففي عام 1992 استبعد فرناندو كولور دي ميلو أول رئيس ينتخب بعد استعادة الديمقراطية من منصبه على خلفية مزاعم مفادها بأنه وأصحابه المقربين قد اختلسوا الملايين.
وفي آب من العام الماضي أصبحت روسيف -وهي أول رئيسة في البلاد- آخر سياسي برازيلي يرى مسيرته مهدمة جزئياً أمامه من خلال الكشف عن مكاسب غير مشروعة؛ وكانت الأسس المبينة على إقالتها هي أنها استغلت الميزانية الاتحادية لإخفاء حجم العجز المتصاعد في البلد، لكن الواقع يرى غير ذلك إذ إن الإقالة كانت مدفوعة بغضب عام على شخص كان مشرفاً على رئاسة شهدت أسوأ ركود في البلاد خلال أكثر من قرن من الزمن، وكشف فضيحة فساد بملايين الدولارات التي جعلت من بحيرة فرجاس تبدو وكأنها بركة صغيرة، وكشفت عملية غسيل السيارات، وكشف كذلك التحقيق عن الكسب الهائل غير المشروع الذي شارك فيه مسؤولون حكوميون، وقادة رجال الأعمال، وشركة النفط بتروبراس التي تديرها الدولة والتي تترأسها روسيف نفسها قبل أن تصبح رئيسةً للبلاد في عام 2011. على الرغم من عدم اهتمام روسيف بالاستفادة من مخطط الفساد إلا أن المدعين العامين يقولون إن العائدات غير المشروعة استخدمت لتمويل انتصاراتها الانتخابية في عامي 2010 و2014، لكن روسيف تنفي وجود أي مخالفات، وقد حكم على العديد من الناشطين من حزب العمال، بمن فيهم أمين الخزانة السابق، والمعلم الإعلامي لروسيف، وسيناتور سابق، بالسجن بتهمة غسيل الأموال وغيرها من التهم.
تولى الرئيس ميشال تيمر منصبه على أمل بدء صفحة جديدة، لكن دون جدوى، ويُزعَم أن بعضهم داخل حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية الوسطى الذي ينتمي اليه تيمر بمن فيهم عدد من أعضاء مجلس الوزراء شاركوا بالفساد في بتروبراس، وبعد أسابيع قليلة من تولي تيمر منصبه اضطر وزير الشفافية فابيانو سيلفيرا إلى تقديم استقالته بعد تسريب تسجيل سري ظهر فيه أنه ينصح رئيس مجلس الشيوخ بشأن كيفية تجنب الملاحقة القضائية، وفي استطلاع لشهر شباط الماضي قال إن 65% من البرازيليين الذين شملهم الاستطلاع أنهم يعتقدون أن حكومة تيمر كانت أكثر فساداً من حكومة روسيف، وقد وافق 10% فقط على أداء حكومته؛ مما جعل بقاء تيمر السياسي في خطر.
ومع تصاعد الغضب الشعبي واستمرار الركود الاقتصادي، فإن الديمقراطية البرازيلية هي الآن في أقوى نقطة ضعف منذ عودة الحكم المدني قبل ثلاثة عقود، فهي تخاطر في الوقوع بالخلل على المدى الطويل أو في “الاستبدادية الناعمة” التي تجتاح العالم حالياً؛ لذلك أن نضال روسيف و تيمر -والتي قام بها أسلافهم- توضح لماذا حان الوقت للبرازيل أن تتخذ نهجاً جديداً جذرياً لمنع الفساد، ولن يتمكن السياسيون في البرازيل من درء الكارثة واستعادة ثقة الجمهور إلا من خلال التخلي عن امتيازاتهم الخاصة والالتزام بإصلاح حقيقي.
تنظيف الطريق:
لقد كان تأريخ الفساد في أمريكا اللاتينية بصفة عامة أحد العناوين الرئيسة المثيرة للعواقب، ولكنه لم يترتب عليه سوى عواقب قليلة على المذنب، فمثلا حين كان رئيس الأرجتين في حقبة التسعينيات كارلوس منعم يقود بفخر سيارته الفيراري الحمراء التي استلمها كهدية من رجل أعمال يعكس سلوكه هذا اعتقاد العديد من السياسيين بأنهم سُيحمون من الغضب الشعبي، إما من خلال النمو الاقتصادي وإما من قبل المؤسسات المتشددة. أما في المكسيك، فقد كان الحزب الثوري المؤسسي يسيطر على المحاكم ووسائل الإعلام؛ وكان يحمي رؤساء البلاد من فضائح كانت قد تنهي مهنتهم لو ظهرت إلى العلن.
وحينما نتكلم على البرازيل فسنرى أن الفساد قد أطاح بحكومة تلو الأخرى، حتى جعل ذلك بعض المحللين يلومون مساحة البرازيل الكبيرة ومراكزها الإقليمية القوية في السلطة التي أنتجت عدداً كبيراً من الأحزاب السياسية في وقت واحد، إذ كان تحالف روسيف في الكونغرس يضم أكثر من 20 حزباً، وأن الأحزاب نفسها لديها هويات أيديولوجية ضعيفة وسلطة ضعيفة لنفوذ الولاء بين أعضائها التي غالباً ما تلزم الرؤساء بالتفاوض مع المشرعين بنحوٍ فردي للحصول على قوانين ممررة؛ وهذا بدوره يخلق حوافز قوية للسياسيين للجوء إلى الرشوة للمساعدة في إقامة تحالفات.
ويقول باحثون آخرون إن البرازيل لم تَعُدْ ملتوية أكثر من نظيراتها الإقليمية، مشيرين إلى دراسات استقصائية مثل مؤشر تصورات الفساد الدولية للشفافية الذي صنف البرازيل بأنها أقل فساداً من الأرجنتين والمكسيك، وأن الفساد البرازيلي هو -ببساطة- أكثر عرضة للاكتشاف كما يدعون، وأن لدى البرازيل صحافة حرة قوية، وهيئة قضائية مستقلة ومزودة بموارد جيدة، وطبقة عمل كبيرة ومهمشة تأريخياً، في ظل مستويات من عدم المساواة مرتفعة حتى بمعايير أمريكا اللاتينية، تكاد تكون دائماً على استعداد لتغيير قادتها بسرعة.
لقد منح دستور البرازيل لعام 1988 حكماً استقلالياً استثنائياً للمدعين العامين؛ مما أتاح لهم حرية التحقيق وسجن أعضاء رجال الأعمال والنخبة السياسية دون خوف يذكر من الانتكاس أو الانتقام، وكما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، فإن التطور التكنولوجي بما في ذلك ظهور فيسبوك وتويتر، جعل من السهل على الجهات الرقابية جمع الأدلة، ونشر الادعاءات، وحشد مظاهرات مكافحة الفساد، وخلق الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به البرازيل في العقد الأول من هذا القرن، والذي يغذي جزءاً من الطلب الصيني على سلعها، إذ قبل عقد من الزمن احتلت البطالة والجوع المرتبة الأولى في معظم اهتمامات الناخبين، أما اليوم فإن الفساد هو الذي يحتل المراتب الأُوَل ولاسيما بين الناخبين من هم تحت 40 عاماً.
وقد جاءت هذه العوامل في المقدمة في فضيحة غسيل السيارات، ففي عام 2013 اكتشفت الشرطة البرازيلية أعمال تحويل لأموال غير مشروعة مخبأة وراء محطة وقود، وقد قال أحد رجال غسيل الأموال الذين ألقي القبض عليهم -وهو رجل يدعى ألبرتو يوسف- للمحققين عن دوره في مخطط تم بواسطته تحويل مليارات الدولارات من شركة بتروبراس وغيرها من الشركات العملاقة إلى السياسيين البرازيليين وشركائهم، ومنذ ذلك الحين، قام فريق من المدعين العامين ببناء أدلة تستند إلى صفقات إضافية للتفاوض، فضلاً عن شبكة واسعة من السجلات المصرفية المحلية والدولية، وذكرت مجلة فوربس أن العديد من فاحشي الثراء البرازيليين قد سجنوا، بما في ذلك تاجر البترول أيك باتيستا الذي صنف على أنه سابع أغنى شخص بالعالم في عام 2012، إذ إن المدعين العامين -ومعظمهم في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر- يأتون من الجيل الأول من البرازيل ويعرفون الديمقراطية جيداً ويقدرون سيادة القانون، واحترام السلطة.
ظلت المؤسسة السياسية القديمة في البرازيل تقلل باستمرار من مثابرة المدعين العامين والدعم الذي يتمتعون به من الجمهور البرازيلي، فحينما تولى تيمر -صاحب الـ76 ربيعاً- منصبه كان من الممكن قد عين مساعدين له لم يفلتوا من فضيحة غسيل السيارات، وفضلاً عن ذلك جمع في الكابينة الوزارية كل الذكور ذوي البشرة البيضاء على الرغم من أن أكثر من 50% من البرازيليين يعرفون أنفسهم على أنهم أصحاب بشرة سمراء أو مختلطة العرق، والفكرة -على ما يبدو- هي أنه من خلال تجميع فريق من النجوم من السياسيين من ذوي الخبرة -إن لم يكونوا مشهورين- سيكون بمقدور تيمر إصدار تشريع، بما في ذلك إصلاح نظام المعاشات التقاعدية السخية في البرازيل الذي من شأنه أن يعيد ثقة المستثمرين، وبمجرد عودة النمو الاقتصادي، يعتقد تيمر ومساعدوه أن الغضب العام على الفساد سينحسر.
ولربما كان هذا النهج قد يبعث على التفاؤل، ففي خضم سيل متواصل من الادعاءات الجديدة الناشئة عن قضية بتروبراس وغيرها من التحقيقات، استقال خمسة وزراء آخرين من حكومة تيمر أو فقدوا وظائفهم، وفي كانون الأول الماضي اندلعت مظاهرات شوارع كبيرة بعد أن حل سياسيون برازيليون مشروع قانون لمكافحة الفساد، وقد أعاق عدم الاستقرار السياسي قدرة تيمر على تنفيذ جدول أعماله التشريعي وخاف كثير من المستثمرين المحليين والأجانب، ومعظم الاقتصاديين يتوقعون الآن أن ينمو اقتصاد البرازيل بالكاد في نهاية 2017، والشخصية العامة الوحيدة في البرازيل التي يقف تصنيفها على الدوام أعلى من 50% هي سيرجيو مورو القاضي البالغ من العمر 44 عاماً الذي يشرف على عملية غسيل السيارات.
ومع انتهاء مدة تيمر في كانون الأول من العام 2018، ربما يكون من السابق لأوانه إعادة إطلاق حكومته في قالب أكثر شفافية، ولكن ستكون فرصة ذهبية لخلفه كي يتعلم الدروس من عملية غسيل السيارات؛ ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعطاء الأولوية لمكافحة الفساد النظامي وجعل الشفافية مبدأً توجيهياً لسياسة الحكومة، ومن هذا المنطلق يمكن لسياسيي البرازيل استعادة الدعم من ناخبيهم، وإثارة الثقة بين المستثمرين، ووضع حد للأزمة الاقتصادية في البلاد؛ وهذه الاستراتيجية -التي تسميها “الشفافية المتطرفة”- تحظى بأفضل أمل للبلاد.
المكافح الأفضل للفساد:
يجب أن تبدأ الشفافية الجذرية من قمة الهرم، وتتطلب إصلاحات عميقة، فضلاً عن تدابير رمزية ترمي إلى استعادة ثقة الجمهور، ففي البدء يتعين على الرئيس البرازيلي القادم تسمية مجلس وزراء لم تمسه الفضائح تماماً في السنوات الأخيرة؛ ولتعزيز التزامه بإحضار شخصيات جديدة في السياسة الوطنية، ينبغي للرئيس الاحتفاظ بنصف المناصب الوزارية المخصصة للنساء وحصة أصغر للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، ويجب على الحكومة أيضاً نشر بيانات تضم كل الأوليات الخاصة بالوزير والدخل الحالي على الموقع الرسمي للرئاسة.
ولكن للحد من الفساد بنحوٍ كبير يجب على المشرعين البرازيليين إجراء إصلاحات سياسية أكثر جدية وعمقاً كإلغاء ما يسمى بـ”المكانة المتميزة في البرازيل” وهو قانون لا يمكن بموجبه للمحكمة العليا إلا أن تحكم على كبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم الرئيس، ووزراء الحكومة، وأعضاء الكونغرس، بتهمة ارتكاب جرائم، ويهدف هذا الحكم، الذي يعود أصله إلى الحكم الاستعماري البرتغالي في القرن التاسع عشر، إلى حماية الموظفين العموميين الرفيعي المستوى من الأحكام المسيئة من قبل المحاكم الدنيا، ولكن بالنظر إلى أن المحكمة العليا تتعامل مع أكثر من 100000 قضية في السنة، فإن محاكمات السياسيين عادةً ما تستمر لعدة سنوات؛ والنتيجة هي بالقرب من الإفلات من العقاب لما يقدر بنحو 22,000 شخص يتمتعون حالياً بالمكانة نفسها من هذا الامتياز؛ مما يساعد على تفسير لماذا تم سجن عدد أكبر من المديرين التنفيذيين من السياسيين حتى الآن في فضيحة غسيل السيارات، وإن تعديل ذلك الأمر يتطلب من الكونغرس تعديل الدستور، وذلك من شأنه أن يحسن بنحوٍ كبير من احتمالات السياسيين الفاسدين الذهاب إلى السجن دون تأخير مفرط.
ويمكن لرئيس البرازيل القادم أن يكمل هذا التغيير من خلال توجيه مزيد من الموارد نحو الشرطة الاتحادية، وزارة الشفافية والإشراف والضوابط، والمحكمة الانتخابية العليا، والهيئات الأخرى التي تقوم بالتحقيق في جرائم الكسب غير المشروع والاحتيال؛ إذ إن البرازيل لديها بالفعل بعض تشريعات مكافحة الفساد الأكثر صرامة في المنطقة، بما في ذلك قانون حرية المعلومات لعام 2011، وقانون عام 2013 يحكم سلوك القطاع الخاص، وقانون عام 2016 الذي يفرض مزيداً من الشفافية المالية في الشركات التي تديرها الدولة مثل بتروبراس، وعادةً بسبب فشل الحكومة في توفير الموارد لإنفاذها، فعلى وفق نقابة موظفيها فإن الشرطة الاتحادية مربوطة جداً بالنقد؛ لأن لديها موظفاً واحداً فقط لكل 200 حالة؛ فطلبت النقابة مضاعفة حجم القوة لمواكبة الطلب؛ وعلى هذا المنوال اتخذت دول أخرى هزتها عملية غسيل السيارات التي تابع التحقيق أموالها خارج حدود البرازيل إلى كولومبيا وبيرو خطوات مماثلة، فعلى سبيل المثال في فبراير أعلن رئيس بيرو أنه سيزيد ثلاثة أضعاف تمويل المدعين العامين لمكافحة الفساد.
وإذا كانت الحكومة ترغب في القضاء على نوع الفساد الذي كشف عنه في بتروبراس، فينبغي أن تركز على الأماكن التي يتقاطع فيها القطاعان الخاص والعام، وهذا يعني نشر جميع الشروط والعطاءات والنتائج لمشتريات البنية التحتية ومشاريعها، ووضع غرامات أشد على الشركات حينما تأخذ مشاريع العمل وقتاً إضافياً أو أموالاً أكثر من الميزانية، ومن شأن الاقتراح الذي سينظر فيه الكونغرس أن يجبر الكيانات الحكومية -بما في ذلك الشركات التي تديرها الدولة- على تخصيص ما لا يقل عن 10% من ميزانياتها الإعلانية لتثقيف الجمهور بشأن مخاطر الفساد ونشر المنافذ للمبلغين عن المخالفات، وهذه فكرة جيدة، وينبغي للحكومة أيضاً أن تعمل مع الكونغرس لوضع إطار جديد لتمويل الحملات الانتخابية، في أعقاب قرار المحكمة العليا لعام 2015 بإلغاء تبرعات الشركات تماماً حتى يمكن إنشاء نظاماً أكثر شفافية.
وأخيراً يجب على الحكومة المقبلة أن تعمل مع الكونغرس من أجل إصدار تشريع من شأنه خفض عدد الأحزاب السياسية، ومعها فرص الفساد، وحتى كانون الأول من العام 2016، كان هناك 28 حزباً ممثلاً في الكونغرس البرازيلي، وكانت الطلبات معلقة لدى السلطات الانتخابية لإنشاء 52 حزباً إضافياً، فإدخال حد أدنى من الأصوات لدخول الكونغرس يمكن أن يقلل من عدد الأحزاب الرئيسة -على سبيل المثال ثمانية أو عشرة- دون تقييد لا مبرر له للتنوع السياسي.
التطهير:
ويرفض العديد من السياسيين البرازيليين هذه المقترحات كونها غير قابلة للتطبيق في المناخ السياسي الحالي، ويصرون على أن المصدر الحقيقي للاستياء العام ليس الفساد، بل الاقتصاد الذي انكمش بنسبة 10% تقريباً على أساس نصيب الفرد منذ عام 2014؛ ولذلك ينبغي على الحكومة أن تنقذ رأسمالها السياسي؛ لتمرير التشريعات التي من شأنها أن تعزز فرص العمل وتوفرها، وتسهيل قانون الضرائب البيزنطي الشهير، وتحسين دمج البرازيل -الاقتصاد الرئيس الأكثر انغلاقاً في أمريكا اللاتينية- مع بقية العالم.
على الرغم من أن استعادة الديناميكية التي رفعت الملايين من البرازيليين من الفقر أمر بالغ الأهمية إلا أن الحكومة ستكون متهورة لرفض غضب الجمهور على الفساد، ففي دراسة استقصائية أجريت عام 2016، وافق 32% فقط من البرازيليين الذين شملهم الاستطلاع على أن الديمقراطية هي دائماً أفضل شكل من أشكال الحكم -أي بانخفاض قدره 22% عن العام السابق، وإذا ظل عدم الرضا الشعبي مع الطبقة السياسية مرتفعاً جداً، فإن الديمقراطية البرازيلية ستواجه تهديداً وجودياً، ولن يكون خطر ذلك انقلاباً عسكرياً، فتلك الحقبة في البرازيل انتهت مع الحرب الباردة، وبدلا من ذلك يمكن أن يُغضِبَ الجمهورَ زعيمٌ مدنيٌ استبداديٌ يدفع الكونغرس جانباً ويقيد الحريات الديمقراطية؛ وبهذا سيظل البلد محاصراً في دورة يقاوم فيها السياسيون الذين لا يحظون بالشعبية على الدوام الشفافية، حتى مع استمرار فضائح جديدة، وهي وصفة للركود على المدى الطويل.
ومن المؤكد أن حملة مكافحة الفساد ستحمل بعض المخاطر، والرؤساء الذين يتعهدون بالقضاء على الفساد كثيراً ما يلجأون إلى الغوغائية، ومحاولة دفع التحقيقات أنفسهم بدلاً من تمكين المؤسسات القضائية المستقلة، ويجب على السلطات أن تكفل قيام أجهزة إنفاذ القانون بإنفاق أموال إضافية على نحو فعال، وعلى كل حال تنفق البرازيل بالفعل أكثر من نظيراتها في المنطقة على القطاع القضائي، ولكن الكثير من الأموال تذهب نحو الرواتب والامتيازات الفخمة للقضاة، حتى حينما تشكو الشرطة أنها لا تستطيع تحمل تكاليف ملء سياراتهم بالغاز، وأخيراً فإن الجهود الرامية إلى زيادة الشفافية كثيراً ما تنتهي بخيبة أمل؛ ولذلك ينبغي للحكومات أن تدير التوقعات العامة؛ والهدف هو الحد من الفساد، وليس القضاء عليه تماماً.
ومع ذلك، فإن قادة البرازيل لديهم فرصة غير اعتيادية، وهناك الآن المزيد من الدعم للتغيير السياسي الشامل من أي وقت مضى في جيل واحد، وتظهر استطلاعات الرأي أن البرازيليين مقتنعون بأن الفساد تسبب بأسوأ أزمة في حياتهم؛ ففي دراسة على مستوى البلاد في نهاية عام 2016، قال 96% من المستطلعين إنهم يريدون عملية غسيل السيارات أن تستمر “بغض النظر عن التكلفة”، ويقال إن 70% منهم لديهم ثقة بأن الفساد سينخفض في المستقبل بفضل التحقيقات.
في الأشهر الأخيرة قبل إقالة روسيف قالت إنها كلفت استطلاعات داخلية سرية لقياس مكانتها السياسية، وفوجئت بأن الرقم الأكثر شعبية في البرازيل لم يكن لها أو لويز إيناسيو لولا دا سيلفا (المعروف باسم لولا) سلفها المحبوب، بل كان للبابا فرنسيس، الذي جاء مثاله على التقشف والنزاهة صدى في وقت أزمة أخلاقية هائلة، والذي دعا في عام 2015 الفاتيكان للعمل “بشفافية مطلقة”، وينبغي للقائد المقبل للبرازيل أن يأخذ دروساً من ذلك.
المصدر: