آرون مجيد، صحفي في عمان، ويكتب في مجلة “الشؤون الخارجية”، وموقع “المونيتور”، وصحيفة “ديلي ستار” اللبنانية.
تقطّعت السبل بعبد السلام حميد البالغ من العمر 52 عاماً في مخيم ركبان، وهو مخيم للاجئين يقع في الصحراء الحارقة على حافة الحدود الشمالية الشرقية الأردنية مع سوريا منذ آذار عام 2016. وقد فرَّ من حمص إلى هنا للهرب من الحرب الأهلية السورية ولإيجاد المكان الآمن لأسرته، لكن المخيم الذي يسكنه -والذي يضم نحو 80 ألف نازح سوري نزحوا مسافة 100 ميل من أقرب مدينة- لم يشهد سوى توزيع شحنة غذائية واحدة تابعة للأمم المتحدة منذ كانون الثاني للعام 2017، ولم يشهد وجود مرفق طبي مهني واحد، إذ يقول حميد “إن الوضع فى ركبان كارثي”، على وفق الأرقام التي ذكرتها الأمم المتحدة فإن حوالي 80% من الذين تقطعت بهم السبل في مخيم ركبان هم من النساء والأطفال؛ وقد طالب حميد -وهو أب لثمانية أطفال- بالحصول على إذن من الحكومة الأردنية لتلقي علاج أحد أبنائه الذي يعاني من مشكلة قلبية مستمرة، لكنَّ الحكومة الأردنية رفضت طلبه بعلاج ابنه، وأعرب عن أسفه بعدم وجود تعليم رسمي في المخيم؛ مما أدّى ذلك عدم معرفة بعض أولاده كيفية كتابة أسمائهم، واصفاً الحال بــ”كما لو كنا نعيش في العصر الحجري”.
بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، فتح الأردن أبوابه أمام اللاجئين السوريين، وقد استوعبت البلاد ما لا يقل عن 659 الف لاجئ سوري على مدى السنوات الست الأخيرة على ووفق أرقام الأمم المتحدة، وتأتي هذه النسبة لاستيعاب اللاجئين بعد كل من تركيا ولبنان فقط، في حين أكدت الحكومة الأردنية أن العدد الحقيقي هو حوالي 1.4 مليون شخص، إلا أن عمّان غيرت نيتها في تموز من العام 2014، وبدأت في منع الآلاف من طالبي اللجوء السوريين من دخول البلاد، وتركهم بالقرب من ركبان المنطقة الدولية الحرام التي يطلق عليها مسؤولو المساعدات “البيرم”؛ ونظراً لقربهم من الحدود الأردنية، فرَّ السكان إلى هذا المعسكر الصحراوي المعزول هرباً من نظام الأسد والضربات الجوية الروسية.
وخلافاً للمخيمات الرسمية للاجئين داخل الأردن، مثل الزعتري أو الأزرق الذي توفر فيه القوات الأردنية الأمن إلا أن مخيم ركبان يخلو من أي فرقة عسكرية أردينة أو قوات من الشرطة تعمل بانتظام داخل المنطقة؛ فنتيجة لذلك وإلى حد ما، ستسود الفوضى، فخلال العام الماضي انفجرت على الأقل ثماني قنابل في البيرم، وكان آخرها في 16 أيار، وأدّت الاشتباكات المتكررة بين المليشيات داخل المخيم،كداعش، والجيش السوري الحر، وجماعات متمردة سورية أخرى، إلى مزيد من التوترات؛ وبالنظر إلى عدم وصول وسائل إعلامية موثوقة إلى البيرم لخطورة الأمر فإنه من المحتمل أن يكون عدد الهجمات أعلى بكثير.
قاد تنظيم داعش في حزيران عام 2016 شاحنة مليئة بالمتفجرات إلى نقطة حدودية بالقرب من ركبان؛ وقد أسفر ذلك عن مقتل سبعة من أفراد الأمن الأردنيين، الأمر الذي أثار صدمة كثيرين من أبناء البلاد، وعلى الرغم من أن الملك عبد الله وعد في مطلع عام 2016 بالسماح لـ 20 ألف سوري بالهجرة من ركبان إلى الأردن -وذلك بسبب الضغط من الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك- إلا أن تفجير يونيو غير تماماً من حسابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إذ أعلن الأردن من أن المنطقة كاملة هي منطقة عسكرية مغلقة وأصرَّ على قطع المساعدات الغذائية والطبية حتى أغسطس من عام 2016، مدعياً بأن أزمة البيرم لم تعد مشكلة البلاد على الرغم من أن الأمم المتحدة والمانحين الغربيين يمولون البرنامج الإنساني بأكمله؛ وعليه فقد أدى القطع إلى سوء التغذية الحاد، مع انتشار أمراض التهاب الجهاز التنفسي والإسهال الحاد ولاسيما بين الأطفال.
على الرغم من أن عمّان سمحت في نهاية المطاف بمساعدات محدودة للغاية، فإن الوضع لا يزال غير جيد هناك، إذ أشار أحد مسؤولي المساعدات الدولية -الذي لم يكشف عن هويته خوفاً من أن يُزعج الحكومة الأردنية- إلى أن أكثر من 12 طفلاً في الركبان وافتهم المنية منذ بداية أزمة البيرم؛ لعدم حصولهم على الرعاية الصحية، حيث وثقت صور مرئية للأقمار الصناعية وجود وجود مقابر مؤقتة، وبعد كلِّ ما حصل هناك من أمور إنسانية للاجئين رفضت عمّان السماح للاجئين بإعادة التوطين في الأردن، وهذا الأمر يشير إليه مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمان عريب الرنتاوي خلال مقابلة معه إذ قال: “الأردن لن يسمح مطلقاً للسوريين العالقين على الحدود بالدخول إلى البلاد، نحن لن نخاطر بأمننا، ومثل هذا الرأي منتشر على نطاق واسع في المملكة الهاشمية”.
قبل مدة يسيرة على الهجوم الذي طال الحدود، قال الملك عبد الله لقناة بي بي سي البريطانية إن الأردن وصل إلى “درجة الغليان” من حيث قبول اللاجئين، محذراً بقوله بإنه “عاجلاً أم آجلاً، يرى أن السد سوف ينفجر”، وفضلاً عن حديث العاهل الأردني فإن الأردنيين يُعادون ما يرونه بإلقاء الإشاعات المغرضة حول أهمية حقوق الإنسان.
منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، استوعبت الولايات المتحدة على ما يقارب 18 ألف سوري يبحثون عن اللجوء، وهو جزء صغير مقارنةً بالعدد الذي استوعبته المملكة الهاشمية فقيرة الموارد؛ فلذا قال الرنتاوي: “إذا كان هناك أي شخص مهتم بحل هذه المشكلة، فبإمكانه أن يأتي ويأخذ [اللاجئين] إلى أوروبا أو كندا”.
يرى عالم السياسة بجامعة تمبل (شون يوم) -مهمته الحفاظ على الاتصال المنتظم مع كبار المسؤولين الأردنيين- أن عمان “لا توجد لديها استراتيجية طويلة الأمد” لحل أزمة البيرم، وبدلاً من ذلك قال إن الحكومة الأردنية “ستواصل التلكؤ -طالما أنها قادرة- حتى يستقر الوضع في سوريا”، لكن بالواقع يقول إن عمّان تواجه معضلة، إذ تخشى خلق السماح للسوريين بالدخول رسمياً من ركبان للأردن موجة جديدة وكبيرة من اللاجئين؛ لأن الناس من سوريا سيتدفقون مرة أخرى إلى حدود الأردن من أجل تأمين الحماية، وفي الوقت نفسه -ومن خلال إبقاء 80 ألف سوري عالق- ستخلق المملكة الهاشمية تهديداً أمنيا كبيراً لنفسها، حيث يصبح المخيم ساحة لجذب المسلحين، ويشعر الأردن بقلق بالغ إزاء التهديد بشن هجوم آخر على قواته، وأن التفجيرات العديدة التي وقعت مؤخراً في ركبان زادت من حدة قلق الأردن؛ وأخيراً أكد الملك عبد الله أن داعش قام بإنشاء موطئ قدم منيع داخل المخيم.
أعلن قائد قوات الحدود في الأردن العميد سامي كفاوين في شباط أن وجود داعش قد يعزز في البيرم، لكن -الباحث في هيومن رايتس ووتش- آدم كوغل انتقد الخطاب الرسمي الذي يربط علاقة 80 ألف لاجئ سوري مع داعش، وقال إن مثل هذه التصريحات “يمكن أن تستخدم لإخفاء حقيقة أن هؤلاء هم العوائل الذين يعانون بالفعل”، مضيفاً أن اللاجئين “هربوا من الاضطهاد الشديد وطلبوا المساعدة الإنسانية”.
وفيما يخص المساعدة الإنسانية فإنها لم تُقدم حتى الآن، وعلى الرغم من إنشاء عيادة تابعة للأمم المتحدة بالقرب من ركبان، إلا أنها تعاني من قصور شديد، وعلى وفق مسؤول إنساني دولي مطلع أكد أن الحكومة الأردنية تسمح المرفق الطبي التابع للأمم المتحدة باستقبال فقط ما يتراوح بين 20 إلى 30 مريضاً يومياً، وهو معدل لا يلبّي سوى 10% من الاحتياجات الطبية لسكان المخيم، وقد أوضح كوغل أن الوصول إلى المرفق الطبي يخضع لسيطرة مجموعة من الميليشيات داخل المخيم؛ مما “ينتهك المبادئ الإنسانية في كثير من النواحي”، حيث من المفترض توفير الرعاية لجميع من يحتاجون إليها. وأشارت خيرون دالا -الخبيرة لدى منظمة العفو الدولية على منطقة البيرم- إلى أن الحصول على الغذاء محدود جداً بحيث يلجأ بعض السكان إلى ممارسة المحرم من أجل البقاء، وشددت دالا على أنها وغيرها في المنظمات التي تقدم المساعدات يتفهمون “المخاوف الأمنية المنطقية” للأردن، ولكنهم يطالبون الحكومة على الأقل “بإيصال المساعدات الإنسانية من دون قيود للاجئين في رمخيمي كبان وحدلات”، إلا أن الحالة لا تزال محبطة الآن، فعملية الأمم المتحدة في ركبان هي الآن من أثمن العمليات، على وفق ما ذكره أحد المسؤولين الذين تحدثت إليهم؛ ومع ذلك يتهم سكان المخيمات الميليشيات القبلية المحلية باختلاس المساعدات، أما انعدام الأمن في المنطقة فيضمن عدم قدرة الجهات المانحة الغربية من التأكد أن مساعدتها تصل إلى أهدافها المقصودة.
وحتى لو سمحت عمان بوصول مساعدات الأمم المتحدة من دون قيود إلى داخل البيرم، فإن المسؤولين في المجال الإنساني سيواجهون تحديات هائلة، فقد ذكر سفير أوروبي -الذي طلب عدم الكشف عن هويته-: “أن هناك خطر الاختطاف والقتل، فأيُ منظمة غير حكومية أو دولية ستغامر بإرسال شعبها في بيئة كمنطقة البيرم!؟”، وفضلاً عن التعقيدات المتواجدة في البيرم، وضح مسؤولون أوروبيون بأن الحكومة الأردنية ناقشت إبعاد اللاجئين من أربعة إلى ستة أميال عن الحدود لإنشاء منطقة عازلة، ومنع تكرار هجوم يونيو 2016؛ ومع ذلك فإن مثل هذا الاقتراح سيكون تحدياً لوجستياً هائلاً على أقل تقدير، وقد ينتهك أيضاً القانون الدولي؛ مما قد يؤدي إلى مشكلات واسعة النطاق في العلاقات العامة للأردن.
وعلى الرغم من مقابلة 11 شخصاً مطلعين من بينهم دبلوماسيون غربيون كبار، ومسؤولون عن حقوق الإنسان وسوريون عالقين في البيرم لأغراض هذه المقالة، إلا أن المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني رفض التعليق على تعامل الأردن مع الأزمة الإنسانية في المنطقة هناك.
وعلى أقل تقدير، ينبغي على الأردن أن تسمح بتقديم مساعدات غذائية، وأن تزيد من إمكانية وصول السوريين إلى مرفق طبي قريب تابع إلى الأمم المتحدة، وإحالة طالبي اللجوء الذين بحاجة إلى معالجة طبية طارئة إلى المستشفيات الأردنية؛ فغياب بعض التغييرات في سياسة عمان أو نتائج الحرب الأهلية السورية التي استمرت ست سنوات، والتحديات الإنسانية إلى جانب التهديد المتصاعد للتطرُّف في البيرم، جميعها تعدُّ قنبلة موقوتة على عتبة الأردن.
المصدر:
https://www.foreignaffairs.com/articles/jordan/2017-05-24/ammans-refugee-waiting-game