بقلم بن جوده، كاتب مساهم في مجلة البوليتيكو.
فاز الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عاماً وذو الخبرة اليسيرة بالسياسة الخارجية بمفاتيح قصر الأليزيه من دون أن يلقي خطاباً رئيساً حول الشؤون الدولية، إذ إن آراءه غير واضحة إلى الآن على الرغم من إحاطته بعدد كبير من مستشاري السياسات الأجانب والفرنسيين، فضلاً عن الاستماع إلى أقرب مستشاريه في السياسة الخارجية، فالجدير بالذكر أن هذه الحملة المريرة لماكرون واجهت خصوماً موالين لموسكو تمثلوا بمارين لوبان؛ وحينما يتعلق الأمر بموسكو، ستستجيب فرنسا الآن لمعتقدات ماكرون.
قال مستشار السياسة الخارجية الرسمي لماكرون أورليان ليشيفالييه: “سنحمل مبدأ الانتقام حينما يتعلق الأمر بالهجمات الإلكترونية الروسية أو أي نوع آخر من الهجمات. إن هذا يعني أننا مستعدون للانتقام من الهجمات السيبرانية، ليس فقط في النوع، ولكن أيضاً مع أي مقياس تقليدي أو أداة أمنية أخرى”.
إن ليشيفالييه صديقٌ شخصيٌ للرئيس المنتخب حديثاً منذ أيام المدرسة الوطنية للإدارة، وقد عمل كمستشار دبلوماسي سابق لرئيس بلدية باريس، وملحق ثقافي سابق في بيروت.
وتعتقد حملة ماكرون “إلى الأمام” أنها كانت ضحية حملة دعائية رقمية روسية مستمرة تهدف إلى نشر أخبار وهمية وتشويه سمعة ماكرون وأداة لمؤامرة “روتشيلد” -في إشارة إلى عمله كمصرفي في روتشيلد بباريس-، وقد توجت هذه العمليات باختراق عملاق لحركة “إلى الأمام”، حيث تم إزالة الوثائق من على الإنترنت قبل ساعات فقط من بدء التعتيم الرسمي لوسائل الإعلام الانتخابية في فرنسا، وقد قال موظفو الحملة: إن بصمات موسكو الإلكترونية واضحة.
وصرح رئيس مجلس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فرانسوا هيسبورغ الذي يقوم بتقديم المشورة لماكرون بشأن سياسات الدفاع والأمن: “أن الهجمات الإلكترونية والمعلوماتية يمكن أن تجعلك تقوم بنظرة خاطفة جداً للشخص الذي يحكم روسيا، حتى لو لم يكن لديك أي تحيز قبل أن تبدأ الحملات”.
لم تكن للمرشح نفسه آراء قوية تجاه الكرملين، حسب ما قال لي أقرب مستشاري السياسة الخارجية لماكرون في بداية الحملة، وقد تردد الكلام نفسه على لسان هيسبورغ الذي قال: “على حد علمي، لم يكن لديه أي آراء قوية في ما يتعلق بالشؤون الخارجية عموماً، إذ لم يصدر أي تصريح خاص عن الصين أو روسيا، ولم يعرف نفسه بأنه من مدرسة مبنية على القيم أو مدرسة واقعية، وقد جاء مع قاعدة معرفة غير مكتملة وغير متحيزة”.
يقول نائب مدير مؤسسة “لا ريشيرتش ستراتيجيك” برونو ترترايس -الذي عملت مؤسسته بنحو وثيق مع جماعة ماكرون المختصة بالسياسة الخارجية والدفاع-: “لقد تسببت الهجمات الروسية بنتائج عكسية، لقد غيرت تفكيره ووجهات نظره حول روسيا”.
ماكرون غير الجاهز؟
إن الرئيس الجديد لفرنسا يعرف الاتحاد الأوروبي جيداً، ويدرك كذلك مدى معرفته بالسياسة الخارجية.
يرى ترترايس “أن ماكرون مستعد نحو جيد لمتابعة الشؤون الأوروبية والمالية وشؤون الاقتصاد، وربما هو أفضل رئيس مستعد في الآونة الأخيرة، لكن هذا الاستعداد ينتهي حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية”.
يتباهى فريق ماكرون بفهمه لبروكسل، وخبرته في الجغرافيا السياسية في منطقة اليورو، والنقاط الدقيقة للتمويل الدولي التي أغرقت عدداً كبيراً من القادة الأوروبيين منذ الانهيار المالي عام 2008.
إن مؤتمرات القمة ليست شيئاً جديداً لماكرون، الذي مثّل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في التجمعات الحرجة للاتحاد الأوروبي حول أزمة الديون اليونانية وخلال قمة مجموعة السبع ومجموعة العشرين، يقول ترترايس: “ومع ذلك، أعتقد أنه قد قام بالتقليل من أهمية الوقت والمدة التي سيستغرقها العمل على سياسات الدفاع والسياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب، التي تشكل كلها نصف متطلبات الوظيفة؛ فلن يكون هناك وقت طويل للتحضير”.
سيجتمع ماكرون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أقل من ثلاثة أسابيع في قمة الناتو ببروكسل يوم 25 مايو، وللتحضير لهذا اللقاء، لن يقتصر اعتماد ماكرون على الدبلوماسيين الفرنسيين فقط، ولكن أيضاً على ستة أشهر من المناقشات التي أجريت من قبل عدة مجموعات من المستشارين غير الرسميين.
يذكر أن ليشيفاليرييه قاد فريقاً للسياسة الخارجية والأمن قوامه 5٠ شخصاً خلال النصف الأول من العام الماضي، مع قيادة هيسبورج لملفات الدفاع والأمن القومي، وتولى مستشار الشؤون الأوروبية لماكرون كليمنت بيون توجيه مجموعة موازية حول شؤون الاتحاد الأوروبي، وقال هيسبورغ: “فكر في ذلك كجيش غير نظامي”.
ولكن قائمة مستشاري ماكرون حول الأمن والشؤون الخارجية لا تؤدي دورها كجيش غير نظامي، بل إنها تعمل كما يعمل مؤسسو السياسة الفرنسية، إذ تضم هذه الفرق الرئيس السابق للخدمة السرية الفرنسية جان كلود كوسران، ورئيس تخطيط السياسات بوزارة الخارجية جوستين فايس، ورئيس مكتب المناخ بوزارة الخارجية أنطوان ميشون، والمدير العام السابق لوزارة الخارجية ناثالي لويزاو، ومدير لجنة مكافحة التطرف موريل دوميناش، ورئيس الأركان لوزير الخارجية غيوم أولاغنييه، والسفير الفرنسي في واشنطن جيرار أرود.
وقد سعى ماكرون بنحوٍ غير رسمي للحصول على مشورة المستشار الدبلوماسي السابق للرئيس فرانسوا ميتران ووزير الخارجية فى وقت لاحق هوبير فيدرين، ووزير الخارجية السابق لجاك شيراك دومينيك دو فيليبان، فضلاً عن قيام وزير الدفاع الحالي جان إيف دريان بتقديم المشورة إلى حركة “إلى الأمام”، مع احتمالية بقائه في منصبه.
وعلى الرغم من هذه الأسماء، كان ينظر إلى مجموعة السياسة الخارجية من قبل الذين شاركوا في الاجتماعات على أنها مجموعة فاشلة، وقال كثيرون إنها ساهمت في الأداء الضعيف لماكرون خلال الحديث عن السياسة الخارجية من المناظرات الرئاسية، وقال مستشار كبير للحملة: “إن أجراس الإنذار دقت بعد ذلك، لكن لم يتم عمل الكثير لتغيير الأمور”. لمرتين، كان من المقرر إجراء مقابلة مع صحيفة أجنبية، إلا أنه تم إلغاؤها، مع وجود مصادر تشير إلى أن الفريق لم يكن واثقاً بما فيه الكفاية للقيام بالمقابلة.
وقال أحد كبار مستشاري الحملة: إن المجموعة تفتقر إلى شخصية قوية ومحترمة تفرض نفسها، وكانت أوراق البيانات الموجزة تتطاير في الأرجاء؛ مما أدى إلى إرباك ماكرون”.
وذكرت عدة مصادر أن الرتب العليا لمن يقدمون المشورة والرتب الأقل لإولئك المقربين من ماكرون خلقت احتكاكات وصدامات فى الحملة بشكل متكرر، وقد تم اعتبار العمل على الدفاع والأمن القومي أكثر نجاحاً، إذ يشعر ماكرون بالثقة الكافية لإلقاء كلمات رئيسة حول هذه القضايا والبدء في الحديث عنها خلال المناظرات، وحينما يتعلق الأمر بالإرهاب، قرر حزب “إلى الأمام” أن يحضر ماكرون جلسات طويلة مع رجال الشرطة والمعلمين والأطباء النفسيين وغيرهم من الذين يرون التطرف عن قرب.
يقول هيسبورغ: “اسأل ماكرون عن نظام المعاشات التقاعدية الجديد وسوف يشرح ذلك في خمس دقائق بشكل جميل ومضيء، لكن اسأله ما سياسته في سوريا ستراه يتحدث لمدة خمس عشرة دقيقة بطريقة يجد الناس صعوبة في فهمها، وهذا ما يظهر على شاشة التلفزيون”.
ونظراً لعدم الإلمام النسبي للرئيس الجديد بالعديد من القضايا، فمن المتوقع أن وزير الخارجية هو من سيشكل سياسة ماكرون الخارجية، ولم يتخذ بعد قراراً بشأن من سيكون رجل ماكرون في كواي دورساي، لكن المصادر تقول إن الذين سيتم اختيارهم في نهاية المطاف سيعتمدون على الانتخابات التشريعية المقبلة في حزيران / يونيو المقبل.
إن الشخصية المفضلة لشغل منصب المستشار الدبلوماسي البارز هو السفير الفرنسي السابق في واشنطن، وتتوقع عدة مصادر أنه في حال فوز حزب “إلى الأمام” بأغلبية في انتخابات شهر حزيران\يونيو المقبلة، فإنه سيتم تحرير أيدي ماكرون لتعيين مبتدئين سياسيين في مناصب رفيعة.
ومع ذلك، إذا لم يفز الحزب بالأغلبية، فإن الكابينات الوزارية لماكرون ستصبح رهينة لبناء التحالفات، وترى المصادر أن ماكرون قد يستخدم وزارة الخارجية لإغراء الأطراف الجمهورية، ويقال إن رئيس الوزراء السابق جان بيير رافاران قد يكون مرشحاً لمنصب وزارة الخارجية.
ماكرون يلتقي ترامب
قال ليشيفاليرييه: “لدينا جدول أعمال كامل فيما يخص الولايات المتحدة”، فهو يرى أن فرنسا تريد اقتراح “مبادرة أمنية جديدة حول ليبيا”، ومناقشة أزمتي سوريا وأوكرانيا، إذ إن “هذه هي القضايا الأمنية الأساسية”، وفي الوقت نفسه سيسعى ماكرون للحصول على “توضيح” من البيت الأبيض حول موقف الأخير من التجارة الحرة، والاتفاق النووي الإيراني، واتفاقات باريس حول المناخ.
وقال ليشيفاليرييه: “سنكون قلقين قليلاً إذا ما قامت الولايات المتحدة بمراجعة مشاركتها في اتفاقيات باريس، فنحن نريد بقاء الولايات المتحدة في هذه الاتفاقات؛ فنحن من الممكن أن نكون أكثر مرونة لكننا نريد أن تبقى الولايات المتحدة في الاتفاق”.
وتابع القول: “حينما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي الإيراني فإننا نريد العمل عن كثب على المتابعة للتأكد من أنه لا يزال قائماً ويتم تنفيذه بجدية، إننا نفهم أن هناك مراجعة للسياسات في مكانها ونريد اختبار بعض الخيارات”.
ستكون الحرب ضد الإرهاب أولوية لفرنسا في قمة الناتو التي ستنعقد في بروكسل، وستتصدر جدول أعمال الاجتماع الأول لماكرون في المجلس الأوروبي في شهر حزيران القادم، وفي الوقت نفسه، في باريس ستكون إحدى الأعمال الأولى للرئيس هي إنشاء قوة عمل 24/7 لمكافحة داعش وتنسيق العمليات الفرنسية في العراق وسوريا مع الحلفاء الدوليين.
يقول ليشيفاليرييه: “إن الرئيس يواجه تحدياً واحداً: فنحن لدينا الكثير من الإصلاحات التي يجب أن نقوم بها فى فرنسا، ولدينا جدول زمني معبأ جداً لأول مئة يوم”.
المصدر:
http://www.politico.eu/article/emmanuel-macrons-foreign-policy-doctrines/