back to top
المزيد

    الاستفتاء التركي والعلاقات الثنائية مع العراق

    سيصوت الأتراك في السادس عشر من نيسان الحالي على الاستفتاء الذي يخولهم بتغيير دستور بلادهم في حال رغبوا بذلك؛ وهذا من شأنه تغيير الطريقة التي ستدار بها البلاد منذ نشأتها بنحوٍ جذري، إذ إن التعديلات الرئيسة ستغير نظام الحكم في تركيا من رئاسة الوزراء إلى نظام رئاسي يسمح للرئيس إصدار القرارات وإعلان قانون الطوارئ وتعيين الوزراء وحل البرلمان، وتُعَدُّ الخطوة نحو قيام رئاسة تنفيذية هي الأولى في تأريخ تركيا فهي -بحسب رأي النقاد- ستقود إلى نظام حكم استبدادي أكثر يقوده الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.

    ماذا يعني التصويت لأردوغان؟

    سيكون هذا التغيير في أوج التطور السياسي لأردوغان الذي حكم تركيا بداية كرئيس للوزراء، ومن ثم رئيساً للجمهورية لتركيا لأكثر من 14 سنة، إذ إن التصويت بــ”نعم” على تغيير الدستور من شأنه أن يتيح الفرصة له في الحفاظ على السلطة حتى عام 2029؛ وذلك بعد قيام الانتخابات الرئاسية في عام 2019، فالرئيس في الدستور التركي مؤهل لتسلم فترتي حكم مدة الواحدة منها خمس سنوات، وفي حال لم تحدث هذه التغييرات فسيكون ذلك اختباراً حقيقياً للمؤسسات الديمقراطية للدولة، وكذلك استعداد أردوغان للتنحي عن السلطة حينما تشارف ولايته الرئاسية على الانتهاء.

    بعد المأزق الذي أعقب الانتخابات الأولى لعام 2015 -حينما خسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته في البرلمان- اتهم النقاد أردوغان بتجديد العنف بين الحكومة التركية وحزب العمل الكردستاني (PKK) للحد من دعم الحزب الديمقراطي الشعبي ذي الأكثرية الكردية (HDP) الذي يمتلك أغلبية أصوات الناخبين المتأرجحين أو المتقلبين، وقد خلقت أعمال العنف المتجددة والانهيار المتلاحق في عملية السلام ولاسيما في جنوب شرق تركيا مناخاً خانقاً للصحفيين والسياسيين المعارضين، إلّا أنَّ حزب العدالة والتنمية استعاد أغلبيته في الانتخابات العامة الثانية التي جرت في وقت لاحق من العام نفسه.

    احتمالية التصويت بنعم أو لا:

    نعم –   Evet

    أوضحت مؤشرات استطلاعات الرأي الحالية انقسام الأصوات بالتساوي، إذ يقف في جهة “الموافقين” حزب العدالة والتنمية (AKP) وشعارهم الرسمي “قرارنا هو نعم”، وقد أبدى العديد من المنتمين للحزب موافقتهم بالتصويت بــ”نعم” إلّا أنَّ بعض الأعضاء قد أظهروا سخطهم لذلك القرار ولاسيما بين شخصيات الحزب القدماء مثل (ميليه غوكشك) الذي كان قلقاً بنحوٍ متزايد حول القومية السامة التي يتبناها حزب العدالة والتنمية، أمّا موقف حزب الحركة القومية (MHP) بقيادة (ديفليت بهجلي) الذي حصل على 12% من الأصوات في انتخابات عام 2015 فيعدُّ أمراً مربكاً، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى إنقسام الحزب بين التصويت بــ”نعم” أو “لا” مع توجه العديد من المؤيدين المتشددين بتزايُد نحو حزب العدالة والتنمية، وكان التحوُّل الحاصل داخل حزب الحركة القومية في التصويت بــ”لا” متمثلاً في شخصيات مثل (ميرال أكسينر) الذي رفض وبنحوٍ قاطع دعم التغييرات المقترحة من قبل أردوغان وتشجيع الناس للتصويت بــ”لا” 80 مليون مرة.

    لا- Hayır

    يقف في جهة المعارضين حزب الشعب الجمهوري (CHP)، والحزب الديمقراطي الشعبي. كان حزب الشعب الجمهوري في الحالة السابقة حزباً معارضاً أساسياً لأكثر من عقد لكنه فشل بنحوٍ متكرر في تقديم الدعم الكافي وسط التصدعات الداخلية والضغوط الخارجية على سياسات الحزب، وقد أعرب القائد الحالي للحزب (كمال كليكداروغلو) عن مخاوفه من أن جهاز الدولة التركي يتم تحشيده خلف حملة التصويت بــ”نعم”، بينما يقوم بقمع أحاديث وروايات السياسيين والناخبين المصوتين بــ”لا”، قال كليكدار اوغلو في مقابلة له عبر صحيفة نيويورك تايمز “لقد كررنا الشيء نفسه 100 مرة ولكن بسبب الإعلام لم نستطع إيصال رسائلنا للجماهير”، وهو أمر مشابه لما حصل مع حزب الشعب الديمقراطي، إذ تم سجن ما يقارب 12 نائباً في الحزب ويُحاكم آخرون غيرهم بدعوى ارتباطهم مع جماعات إرهابية؛ مما زاد من العدائية بين الحزب والحكومة، ويشكِّلُ هذان الحزبان مع بعضهما بعضاً مجموعة ضخمة، حيث حصل كلاهما على مجموع تصويت ما نسبته 36% في انتخابات عام 2015، لكنَّ كثيراً من المشاهدين لم يكونوا مقتنعين بأن دعمهم كافٍ لجمع المؤيدين للتصويت بــ”لا” ولاسيما في ظل الدعم اليومي الذي يحظى به أردوغان والدعم الشعبي واسع النطاق، وجاذبية شخصيته على خشبة المسرح فضلاً عن الحرية المحدودة التي يقدمها للشخصيات المعارضة.

    كيف وصل أردوغان وتركيا إلى هذا الهدف؟

    تُعَدُّ المعارضة لأردوغان والتغييرات الدستورية المقترحة مؤشراً على تقارب نتائج التصويت، إذ كان ذلك نهجاً يتبعه بنحوٍ تدريجي استطاع من خلاله التخلص من المنشقين والتغلب على العديد من الخصوم السياسيين ولاسيما في محاولة الانقلاب التي حصلت في تموز من العام 2016 التي وصفها أردوغان “بهدية من الله”، فبعد عدة أيام من الانقلاب أعلنت الحكومة التركية حالة الطوارئ؛ لتتمكن من إزالة جميع العناصر المشاركين في محاولة الانقلاب بنحوٍ سريع، وشمل ذلك إقالة أكثر من 100 ألف شخص، وإلقاء القبض على 37 ألفاً آخرين وتغيير المنتسبين في الجيش الذي كان ينظر إليه كمُدافع عن الجمهورية العلمانية؛ مما سمح ذلك لأردوغان على تعزيز سلطته.

    في الآونة الأخيرة استغل أردوغان ما عدَّه بالعداء المتزايد من أوروبا ولاسيما بعد أن تراجعت العديد من المدن الألمانية في تقديم دعمها لإقامة سباق الاستفتاء العام، فكان أردوغان حازماً في استنكار هذا القرار، مدعياً أن تلك الممارسات لا تختلف عن ممارسات النازية في السابق، متهماً أوروبا بمنع السياسيين الأتراك الشرعيين من التحدث، بينما تم السماح لقادة حزب العمال الكردستاني عبر هذه الدول ولاسيما ألمانيا بمخاطبة مؤيديهم عبر الأقمار الصناعية؛ ولذلك قام أردوغان بتفعيل هذا العداء مع أوروبا لتصوير الاستفتاء وكأنّه واحدٌ من صراع الحضارات، فضلاً عن وصفه للناخبين الذين صوتوا بــ”لا” بالإرهابيين.

     كيف سيؤثر هذا على العلاقات الثنائية مع العراق؟

    منذ بروز تنظيم داعش الإرهابي واستيلائه على مساحات واسعة من الأراضي العراقية عام 2014، سعت تركيا حينها لتأدية دور مهم في المنطقة، ففي كانون الأول من عام 2015 نشرت تركيا قوات كبيرة في قاعدتها العسكرية في بعشيقة الواقعة شمال الموصل، التي هدفت ظاهرياً لدعم العراق في محاربته لتنظيم داعش، وتم إرسال المئات من القوات العسكرية إلى القاعدة؛ مما أدى إلى انطلاق نداءات واسعة من الجانب العراقي للمطالبة بانسحاب “قوات الاحتلال” التركية، ليؤدي إلى إشعال شرارة الحرب الكلامية بين الحكومتين.

    استمرت التشنجات بين الطرفين وقادت إلى انتقاد العبادي للتوغل التركي على الحدود العراقية، مبيناً أن وجود القوات التركية يقلّلُ من السيادة العراقية، ومن الممكن أن يقود ذلك إلى حرب إقليمية، وقد ألقى العراق اللوم أيضاً على تركيا لسماحها بانضمام مقاتلين أجانب في صفوف داعش الإرهابي عبر سوريا، أما أنقرة فقد زعمت قيام بغداد بدعوة القوات التركية لدعم مقاتلي البيشمركة الكردية ومناصرتهم في معركة القضاء على داعش، وحتى إن كان ذلك هو المغزى فإن لدى تركيا دوافع أبعد وراء تقديمها الدعم العسكري في الحرب ضد مليشيات داعش الإرهابي.

    يقعُ التهديد “بنشاط إرهابي” من قبل حزب العمال الكردستاني على رأس اهتمامات أردوغان السياسية، إذ تستطيع تركيا اغتنام فرصة تواجدها على الأراضي العراقية كذريعة لاستهداف المنشقين الأكراد في الشمال، وفضلاً عن ذلك يسعى أردوغان إلى تبرير تصرفاته في شمال العراق طالما فكرة تهديد حزب العمال الكردستاني لا تزال حاضرة في مخيلته، ويدعم مسار هذا السلوك جهات سياسية في كردستان العراق الذي يوفّر للوجود التركي شعوراً بشرعية تواجده في المنطقة.

    كما يصوّر أردوغان نفسه “بالحامي للسنّة” في مواجهة بشار الأسد العلوي السوري والأغلبية الشيعية في العراق وإيران، ويرى أن هناك فرصة لكشف التوترات الطائفية على مرأى الجميع في شمال العراق؛ لزيادة شعبيته بين سنة الموصل ولاسيما الشعب التركماني.

    وقد عملت القوات الخاصة التركية مع الجبهة التركمانية العراقية منذ عام 2003 في محاولة لمواجهة حزب العمال الكردستاني وتوسيع النفوذ التركي، وبالنسبة لأردوغان فإن وجود قوى سنية قوية يُعدُّ أمراً ضرورياً لحماية السنّة في المنطقة بعد الخلاص من داعش، وتجنُّب دخول موجة أخرى من اللاجئين إلى تركيا؛ ولكنَّ هذا الأمر يضعف الجهود التي يبذلها رئيس وزراء العراق حيدر العبادي لتوحيد الجماعات الدينية والعرقية في بلاده، ولاسيما في ضوء عمليات تحرير الموصل وجميع أنحاء محافظة نينوى إذ تتوحد مختلف الجماعات لمحاربة العدو المشترك المتمثل بتنظيم داعش.

    كنتيجة للدعم التركي استطاع الكرد تحت ظل قوات البيشمركة من زيادة مجموع الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم بنسبة 40% منذ عام 2014؛ وبالتالي ساهمت تركيا -من دون دراية- بزيادة المطالبات الجديدة حول استقلال كردستان، إلا أن العبادي يرفض هذه النوايا ويرغب ببقاء إقليم كردستان جزءاً من العراق.

    إنه لمن غير المحتمل أن تتحسن علاقة العراق بتركيا كثيراً في الوقت الذي ما زالت تتواجد فيه القوات التركية في شمال البلاد، إذ ستسعى تركيا للحفاظ على موطئ قدمها لغايات احتواء نشاط حزب العمال الكردستاني والحد من النفوذ الإيراني في الوقت نفسه، وسيستمر العبادي باتخاذ إجراءات مشددة ضد التوغل التركي على الأراضي العراقية، ومع اقتراب الانتخابات العراقية في عام 2018 فإن هزيمة داعش الإرهابي وإجبار تركيا على الانسحاب من الأراضي العراقية يدعم وبنحوٍ كبير رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي.