آرون ميلر: باحث في برنامج الشرق الأوسط.
ريتشارد سكولسكي: زميل أقدم في برنامج مؤسسة كارنيغي في روسيا وأور آسيا.
من بين جميع أوهام السياسة الخارجية لدى إدارة ترامب الحالية هي محاولة جذب دول الخليج والدول العربية ذات الأغلبية السنية لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
لن يستطيع ترامب إقناع الخليجيين برعاية مصالح الولايات المتحدة دون أن يدفع الثمن غالياً
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -في تجمع انتخابي أجري مؤخراً في ولاية فلوريدا- إنه سيجعل دول الخليج تمول المناطق الآمنة في سوريا؛ “لأن الخليجيين ليس لديهم شيء سوى المال”. وفي لقاء صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث في موضوع إدخال شركاء إسرائيل العرب الجدد “في صفقة أكبر وأكثر أهمية بكثير، إذ إنها ستتطلب مشاركة العديد من البلدان وستغطي مساحة كبيرة من الأراضي”. يخطط ترامب ومساعدوه بنحوٍ مكثف لبناء تحالف عربي لدحر النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يشير إلى وجود بداية جديدة ومشرقة للعلاقات بين الولايات المتحدة والعرب.
هناك العديد من الأمور التي تستطيع أن تتشاركها الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول العربية الخليجية والدول ذات الأغلبية السنية كالمملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، حيث أثمرت الاستثمارات الأمريكية فيها، ولكن تعزيز جدول أعمال ترامب ليست واحدة منها، إذ من المرجح أن يجد الأخير أن رؤيته لمصالح الولايات المتحدة واستراتيجيته لا تتناغم مع العرب الذين يعتمد عليهم؛ ذلك لأن العرب سينتقدون أخطاءه علناً مثلما فعلوا مع إدارة بوش حينما غزا العراق، وفشل إدارة أوباما بفرض حظر على سوريا في استخدام الأسلحة الكيميائية، وفي النهاية، فإنه من الصعب -مثل أي وقت مضى- إخضاع الدول العربية لتلبيه قرارات ترامب.
منذ إعلان الرئيس جيمي كارتر بوجود مصلحة أمريكية حيوية في الخليج العربي عام 1979، أصبح التعاون العسكري والأمني الأمريكي مع الدول العربية في الخليج العربي التزاماً متبادلاً، وخلال هذه الفترة، قدمت تلك الدول للولايات المتحدة المنشآت العسكرية والدعم المادي للدفاع عن الخليج ضد الغزو السوفيتي ودعمت المقاتلين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، وقامت البحرية الأمريكية بحماية الملاحة في مياه الخليج، ومنعت إيران من هزيمة العراق في حربها التي استمرت ثماني سنوات، وتم صد الغزو العراقي للكويت، ودعمت هذه الدول قوات الولايات المتحدة في الحرب على العراق، وساندت عمليات الولايات المتحدة في أفغانستان، والحملة ضد تنظيم داعش.
وفضلاً عن ذلك، استضافت البحرين الأسطول الأمريكي الخامس، وتبادلت واشنطن أيضاً قدراً كبيراً من المعلومات الاستخباراتية حول الإرهاب مع هذه الدول، وعلى الرغم من وجود الخلافات -ولاسيما خلال الغزو الأمريكي للعراق وإسرائيل وممارساتها المحلية- كان عرب الخليج شركاء موثوقاً بهم في حماية المصالح الأميركية الأساسية في الحصول على نفط الخليج، ومكافحة الإرهاب ومنع بلد معاد من الهيمنة على المنطقة.
تتطور رؤية ترامب تجاه دول الخليج بنحوٍ واضح، إذ كان ازدراؤه المستمر للسعودية واضحاً في حملته الانتخابية، فقد كان رافضاً للعلاقة بين البلدين نظراً للمزايا الصغيرة المقدمة لواشنطن -كما كان يظن-، وربما كانت لدى ترامب فكرة بسيطة عن تأريخ العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج واختار عدم التركيز على مليارات الدولارات من المعدات العسكرية التي يشترونها من مقاولي الدفاع الأمريكي، ولكن دفع الحلفاء والشركاء الأمنيون إلى بذل مزيدٍ من الجهد نحو تعزيز نقاط التفاهم مع الرئيس، والجدير بالذكر أن لدى مستشاري ترامب الثلاثة: جيم ماتيس -وزير الدفاع-، وماكماستر -مستشار الأمن القومي-، وريكس تيلرسون -وزير الخارجية- معرفة بسيطة حول دول الخليج، وسوف يحتاجون أيضاً إلى استكشاف ما يمكن القيام به لكسب وإعادة توظيف دعم الدول العربية في خدمة المصالح الأميركية.
يريد ترامب تعميق العلاقات مع دول الخليج العربي في ثلاثة مجالات أساسية هي: مواجهة النفوذ الإيراني، ومكافحة تنظيم داعش، والتفاوض على السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين.
ولكن التناقضات والتحديات نفسها التي أعاقت العلاقة لا تزال موجودة، إذ فشل مجلس التعاون الخليجي -الذي تأسس عام 1981- في تحقيق أي تكامل عسكري ذي معنى، ولم يكن ذلك لعدم وجود جهود من قبل الولايات المتحدة في حثهم بالتقدم في هذا الاتجاه، ولكن السبب كان يكمن في انعدام الثقة والخلافات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن الدعم السعودي والإماراتي الخاص لبعض الجماعات الجهادية التي تسعى لهزيمة الولايات المتحدة، وبشأن هذا الأمر، فإن أقل ما يمكن لإدارة ترامب أن تطلبه من العرب السنة هو تعديل بعض السياسات والميول الخاصة بهم.
يقال إن البيت الأبيض يريد تشكيل تحالف عسكري معادٍ لإيران؛ وقد بدأ التشاور مع الحكومات العربية السنية حيال ذلك، وتشير المساعدات العسكرية الأمريكية للحملة التي تقودها السعودية في اليمن لإثبات هذه الشراكة الجديدة. وكانت حملة السعودية والإمارات لهزيمة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن كارثية، وتركت دماراً واسع النطاق في عدد الضحايا من المدنيين، فضلاً عن المعاناة الإنسانية، وكانت الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إيجاد حل تفاوضي قد فشلت أيضا؛ً وهذه بالطبع ليست المشكلات التي تريد واشنطن أن تؤدي فيها دوراً محورياً.
لا تمتلك الحكومات السنية أي تأثير أو إمكانية الوصول للحلفاء في العراق للمساعدة في القتال ضد تنظيم داعش، أو لإبعاد الفصائل الشيعية عن المعارك، وللمساعدة في تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار العراق بعد أن يتم طرد التنظيم المتطرف من الموصل، وبالمقابل فقد يُكتب لدول الخليج مزيد من النجاح في منع توسع النفوذ الإيراني في البحرين، ولكن فقط إذا كان هناك ضغط على البحرين لتخفيف الضوابط الداخلية القمعية، التي تعطي إيران فرصاً واسعة للتحريض بين شركائها الشيعة.
لم يكن السعوديون على استعداد للقيام بهذا خوفاً من أن أي حل وسط مع المعارضة في البحرين من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى انهيار النظام المجاور، وقد قوبلت المقترحات الأمريكية لدول الخليج في العمل المشترك في الدفاع البحري في الخليج باستجابة يسيرة.
باختصار: إن دحر النفوذ الإيراني في المنطقة، دون أن يُعرِض الأهداف الأمريكية المهمة الأخرى للخطر، هو أمر صعب لأنه شئنا أم أبينا، فإن الإيرانيين وعملاءهم يتمتعون بمزايا مهمة على أرض الواقع.
وبالمثل، فإن الاستعانة بالدول العربية الرئيسية لتأدية دور أكبر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا لا تزال تجربة فكرية أكثر من كونه واقعاً عملياً، وترحب دول الخليج بتعهد ترامب بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، ولكنها ليست على استعداد لقبول روسيا كشريك كبير في تحديد ما يحدث داخل البلاد، وكذلك فيما يخص السكوت على بقاء الأسد وتقليص دعم المعارضة السورية.
إن تعامل دول الخليج مع اقتراح ترامب في تمويل مناطق آمنة في سوريا سيكون على أنها فكرة محفوفة بالمخاطر وغير مدروسة الأهداف؛ إذ تترد دول الخليج في تقديم أي دور فعّال في سوريا، ويعتقدون بأن الاشتراك في عملية تحرير سوريا من التنظيم المتطرف هو أمر محفوف بالمخاطر، كونهم أقل عدة وسلاحاً من الروس والأتراك ووحدات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، وتتمثل الشكوك لدى الأنظمة السنية في أن جدول أعمال ترامب الرئيس هو تدمير داعش؛ الأمر الذي سيسمح لنظام الأسد وإيران بملء الفراغ وتهديد مصالح دول الخليج؛ إن فكرة تمدد الهلال الشيعي ليغطي المنطقة كلها مبالغ فيها، ولكن الأمر في سوريا يبدو حقيقياً.
نوجد منطقة أخرى حيث يفوق التفاؤل الواقع وتتعلق بدعم الدول العربية لعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن الواضح أن هذا يستحق الاختبار، ولاسيما في ضوء الاتجاه الإيجابي في العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج التي يقودها الخوف المشترك من إيران والمتشددين السنة، إن مفهوم توسيع دائرة صنع السلام -وذلك بتقيدم تنازلات من جميع الأطراف في صفقة أقل إيلاماً وأكثر أمناً- ولا تزال هي الفكرة القديمة نفسيها ولكنها قدمت بصورة جديدة. ويمكن أن تكون الجهود مثمرة إذا كان كل من إسرائيل والفلسطينيين على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة في بعض القضايا الجوهرية، مثل الحدود والقدس، ولكن ليس هناك دليل على ذلك. من الواضح أنه من الصعب أن نصدق أن الدول العربية ستتخلى عن مبادرة السلام العربية 2002 وستقوم بالضغط على الفلسطينيين من أجل شيء غير ملموس في المقابل.
ستكتشف واشنطن عاجلاً أم آجلاً -ونأمل أن يكون ذلك قبل إلحاق ضرر حقيقي بمصالح الولايات المتحدة- أن العرب السنة سيكونون مشكلة للشراكة الأمنية، وسوف تتعقد خطط التعاون الإقليمي، إذ إن لهذه الدول سجلاً سيئاً جداً في العمل معاً بنحوٍ جيد، وتفتقر إلى كثير من الأساسيات العسكرية لعمليات التحالف الفعالة، وينبغي على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما بوسعها للتهدئة بدلاً من تأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة المستعر في جميع أنحاء المنطقة.
في نهاية المطاف، ستصاب إدارة ترامب بالإحباط مثل سابقتها؛ لأن بعض السياسات مثل: فرض قيود على هجرة المسلمين، ودعم العناصر المتشددة في إسرائيل، ليس من شأنه سوى جعل التعاون أكثر صعوبة.
تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على توقعات منخفضة للعمل بنحوٍ وثيق مع دول الخليج، فهناك مجالات ممكنة للتعاون في الدفاع وحماية البنية التحتية الحيوية في الخليج ضد الهجمات الإيرانية البحرية والصواريخ الباليستية، ولكن رؤية التقارب الجديد مع السنة كتحرك ضمن استراتيجية الولايات المتحدة على نطاق أوسع في الشرق الأوسط تشوبها العيوب؛ فقد تسحبنا نحو مزيدٍ من الصراعات، مثل الذي حدث في اليمن، وهو أمر لا يؤثر على مصالحنا الحيوية. وإذا مضينا قدماً في ذلك فإن حلفاءنا في الخليج العربي سوف يجبرون واشنطن على قبول التزامات مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على تلبيتها؛ وبالتالي تقويض القيادة الأمريكية وتشويه سمعتها. وما إذا وافقت الحكومات السنية باستمرار العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن واشنطن ستتحمل كامل العبء -وستهتف دول الخليج لنا من مقاعد المتفرجين- إذا كانت الأمور تسير بنحوٍ صحيح، وحينما تسوء الأمور فإنهم سيلقون باللوم علينا.
المصدر: