جاكسون ديل: نائب رئيس تحرير صحيفة “واشنطن بوست”
تصب الحكومات في جميع أنحاء العالم اهتمامها على الصراع الواضح في واشنطن حول السياسة الخارجية للرئيس ترامب، وتتساءل: هل ستهيمن القومية العرقية التي يدعو لها ستيفن بانون، أم السياسة المحافظة التقليدية التي يدعو لها نائب الرئيس مايك بنس؟ فمن السهولة إيجاد أدلة للجوء ترامب لكلا الجانبين في خطابه أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، إذ قام بترديد ثناء بنس للحلف الاطلسي وفي الوقت نفسه أعلن -بطريقة مشابهة لبانون- قائلاً “ليس من واجبي أن أمثل العالم”.
بدأ العالم يدرك أن المعركة لن تقتصر على واشنطن، إذ إن حلفاء الولايات المتحدة وخصومها قد يكون لهم دور كبير من أجل تشكيل الاتجاه الذي سيتبعه ترامب في غرفة العمليات في البيت الأبيض.
وبادئ ذي بدء، فإن أهداف بانون تكمن في أن الحرب الحضارية تعد وسيلة للنضال حول قضية ما؛ فالعراق -مثلاً- قد نجح في الحصول على إعفاء من مشروع ترامب الجديد في حظر الزوار من دول محددة ذات الأغلبية المسلمة. وعقب صدور الحظر الأول -وهو أمر من صنع بانون- صوّت مجلس النواب العراقي على فرض حظر مماثل على الأميركيين، في الوقت الذي قام به وكلاء إيران بطرد القوات الأمريكية التي تقاتل تنظيم داعش في العراق.
مما لا شك فيه أن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس قد بيّن لترامب الآثار المترتبة في ضم العراق مع اليمن والصومال والسودان الذي سيؤدي إلى إحباط الجهود الأمريكية في الحرب ضد داعش، ومنح إيران فوزاً على طبق من ذهب، إلّا أن أقوال الحكومة العراقية وأفعالها قد ساعدت بالتأكيد في ترجيح كفة الميزان إلى جانبها؛ فتلقت سياسة الولايات المتحدة -الخاصة ببانون التي تقوم على المواجهة بين الجهة “اليهودية-المسيحية”، والأمريكية و”الإسلام الراديكالي”- ضربة كبيرة حينما رُفِع الحظر عن العراق.
أمّا بالنسبة للمكسيك -التي عادةً ما تكون كبش فداء للظلم الاقتصادي الأمريكي ومكباً للأجانب غير المرغوب بهم- قد بيّنت أيضاً أن لديها وسائل للرد على قرارات ترامب، إذ باستطاعة حكومة إنريكه بينيا نييتو رفض استقبال المرحلين من أمريكا دون وجود دليل على جنسيتهم المكسيكية -الأمر الذي قد يُشغل محاكم الهجرة في الولايات المتحدة لعدة سنوات-؛ مما يؤدي إلى إبطاء عملية ترحيل الأفراد بنحوٍ كبير، أو أنها قد تتوقف عن التعاون في وقف التدفق عبر حدودها الجنوبية من أميركا الوسطى -التي تشكل جزءاً كبيراً من الهجرة غير الشرعية في الوقت الحالي؛ ونتيجة لذلك، قد يقوم ترامب بالحد من “القومية الاقتصادية” -الخاصة ببانون- ليتجنب الموجة الضخمة من الوافدين غير الشرعيين وعملية الترحيل الصعبة من الولايات المتحدة الأمريكية.
إن التأثير على سياسات ترامب الخارجية لن يكون فقط من قبل حلفاء أمريكا، إذ يفترض بانون أن العالم الجديد الذي يتم فيه عقد الأنظمة القومية الثنائية قد تُزيَّف هذه الأنظمة من قبل بلدان خارج نطاق الحلفاء التقليديين، بدءاً بروسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين، ولكن ماذا لو ثبت أن بوتين غير قادر على الوفاء بالتحالف ضد “الإسلام الراديكالي” الذي تم تباحث حوله مطولاً؟ لكي يَنضَم بوتين مع ترامب في سوريا أو العراق، فإن عليه أن يقطع علاقته مع إيران -عدو ترامب- إلّا أن الميليشيات الإيرانية الشيعية هي التي تقوم بالدفاع عن القواعد السورية في روسيا، وهي التي تشتري الأسلحة الروسية بمليارات الدولارات؛ فلهذا لن يستطيع بوتين قطع علاقته مع طهران، ومن دون الشراكة الروسية فإن قطعة أخرى من مخطط بانون الجديد لسياسته الخارجية تتلاشى بعيداً.
تكمن نقطة التحول في سياسة الولايات المتحدة -وربما في تأريخ الغرب- من خلال الانتخابات هذا العام في أوروبا الغربية، مثل: هولندا، وفرنسا، وألمانيا، وربما إيطاليا، وسيكون حلفاء بانون الناخبين الذين ينادون بفرض حظر على الهجرة وتفكيك الاتحاد الأوروبي، وإذا ما فاز أحد منهم أو أكثر، فإن العالم الذي يسعى إليه بانون سيتحقق.
تشير جميع الاحتمالات إلى أن لا شيء من خطة بانون ستتحقق في الوقت الراهن؛ وذلك حينما حلّ السياسي جيرت وايلدر في المركز الثاني في استطلاعات الرأي حول الانتخابات التي أقيمت في هولندا، ويعتقد العديد بأنه لم يكن قادراً على تشكيل الحكومة حتى لو فاز بالانتخابات. أما في فرنسا فقد فازت مارين لوبان بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 23 نيسان للعام 2016، ولكن أظهرت نتائج استطلاع الرأي الأسبوع الماضي أنها تراجعت للمركز الثاني أيضاً وراء إيمانويل ماكرون “حزب الوسط الراديكالي” الذي يصف نفسه مؤيداً للاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. وفي ألمانيا إذا ما خسرت أنجيلا ميركل المؤيدة للاتحاد الأوروبي في انتخابات الخريف، فإن الفوز سيكون من نصيب مارتن شولتز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي اعتمد شعار معارض لترامب بنحوٍ صريح وهو: “لنجعل أوروبا كبيرة مرة أخرى”.
قد يجد ترامب نفسه بحلول فصل الخريف مع اتحاد أوروبي متماسك وأكثر قوة، ومع روسيا غير المتعاونة، واستمرار الحرب مع تنظيم داعش الذي يتطلب مزيداً من التعاون مع العراق وغيرها من الدول ذات الأغلبية المسلمة التي تم وضعها في قائمة الحظر. إن ذلك سيكون عالماً قد تنجح فيها سياسات مايك بنس الخارجية، غير أن الفوضى الرئاسية لدونالد ترامب تشير إلى أن بانون لا تزال لديه فرصة بالنجاح.
المصدر: