back to top
المزيد

    مساواة الجنسين في الموازنات الوطنية

    قسم المالية والاقتصاد من صحيفة الإيكونومست

    إن تصميم السياسات المالية لدعم المساواة بين الجنسين أمرٌ جيدٌ للنمو

    على غرار العديد من الحكومات في البلدان الغنية، تفتخر بريطانيا بانتهاجها سياسات تعزز من المساواة بين الجنسين، إلّا أنه وبحسب ادعاء مجموعة ميزانية المرأة (Women’s Budget Group) -وهي مجموعة نسوية فكرية تقوم بالتدقيق في السياسة الاقتصادية البريطانية منذ عام 1989- فإن المملكة المتحدة قد فشلت في تحقيق ادعائها بتعزيز المساواة بين الجنسين؛ فقد أشار تقرير نُشِر في عام 2016 من دار مكتبة العموم -التي تقدم خدمة الأبحاث المحايدة- إلى أنه في عام 2010 تحملت 15 امرأة تكلفة 85٪ من مدخرات الخزينة بقيمة 23 مليار باوند إسترليني (29 مليار دولار أمريكي) من تدابير التقشف، بسبب تخفيض قيمة استحقاقات الرعاية الخاصة على وجه التحديد. أثرت تلك التخفيضات على النساء بنحوٍ غير متكافئ مع الرجال، ويعود ذلك لكونهن يكسبن رواتب أقل، وهنّ أكثر اعتماداً على الفوائد، ولأنهن قد يكن أمهات.

    تقول ديان إلسون الرئيسة السابقة لمجموعة ميزانية المرأة: إن الحكومة لا تخطط للتمييز بين الجنسين، فهي عوضاً عن ذلك تنحاز إلى الجانب الذي يعود إليها بالمنفعة دون أن تكلف نفسها عناء تقييم تأثير سياساتها على النساء؛ فمن المفترض أن تكون الميزانيات الحكومية “محايدة بين الجنسين” إلّا أنها في الحقيقة “تتجاهل تأثير سياساتها على الجنسين”. تعد السيدة أليسون إحدى مبتكري تقنية تدعى “ميزانيات النوع الاجتماعي” -وهي تقنية تستخدمها الحكومات لتحليل تأثير سياساتها المالية على الرجال والنساء-، تحدد ميزانيات النوع الاجتماعي السياسات ذات التأثير غير المتساوي على الجنسين، فضلاً عن دراسة الفرص الاقتصادية لإنفاق المال على مساعدة النساء اللاتي لهن عائد مرتفعأ اتبعت كل من السويد وكوريا الجنوبية هذه التقنية، في حين تم رفضها من قبل الحكومة البريطانية.

    تعتقد السيدة أليسون وزملاؤها أنه ما أن يتم إيقاف الإنفاق العام فإن الفرص ستبرز على أرض الواقع؛ فإذا قامت الحكومة البريطانية بتحويل استثمار نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي من قطاع البناء إلى قطاع الرعاية، فهذا من شأنه أن يخلق 1.5 مليون فرصة عمل عوضاً من 750 ألف فقط.

    تعد العديد من الحكومات الإنفاقَ على البنية التحتية كنوع من الاستثمار، بينما ترى الإنفاق على البنية التحتية الاجتماعية -رعاية الأطفال مثلاً- كتكلفة، إلّا أن مثل هذا الإنفاق يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والنمو على حد سواء؛ يعود ذلك جزئياً إلى زيادة عدد النساء في القوة العاملة.

    في البلدان الأكثر فقراً، كان التحيز أكثر وضوحاً، حينما بدأت أوغندا لأول مرة بالنظر من منظور النوع الاجتماعي في ميزانيتها، واكتشفت أن الإنفاق القليل على الزراعة كان يذهب لدعم المزارعات، على الرغم من أنهن عملن بنحوٍ أكبر من الرجال.

    إنّ ما قد يبدو ببساطة “تدخل الحركة النسوية” في السياسة المالية فهناك موضوع مخفي يتعلق بالكفاءة. إذ ترى جانيت ستوتسكي -التي ترأست الدراسة الخاصة بصندوق النقد الدولي لهذه الجهود في جميع أنحاء العالم- أن ميزانية النوع الاجتماعي بين الجنسين تعد ميزانية جيدة؛ لأنه ليس عليك أن تكون من أنصار الحركة النسائية لترى أن الاستثمار في تعليم الفتيات أو في مشاركة القوى العاملة النسائية ستؤدي إلى ارتفاع العائد على الاستثمار.

    إن مثل هذه النداءات التي تدعو لاتباع النهج النفعي لتمويل الوزارات قد تبدو وكأنها طريقة “لتمكين المرأة”، فقد فشلت الوزارات في استعياب الكيفية التي تؤثر بها ميزانياتها على النساء والفتيات، وفي البلدان النامية -مثلاً- فإن الاستثمار في المياه النظيفة والكهرباء يخفف من الأعمال المنزلية؛ وبالتالي منح الأمهات الوقت الكافي لكسب المال وللفتيات بالذهاب إلى المدرسة، ولكن قطع التمويل بالاستثمار في تلك القطاعات قد يوفر المال على المدى القصير، ولكن حينما ينشغل وقت النساء في جلب المياه سيؤدي بلا شك إلى تعثر النمو.

    هناك العديد من الأمثلة على هذه الفكرة في أرض الواقع ففي جمهورية رواندا -مثلاً- هدَفَ الإنفاق إلى إبقاء الفتيات في المدارس، من طريق توفير البنية الأساسية للصرف الصحي؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة أعداد الفتيات بالالتحاق في المدارس. أمّا في الهند، فكان أثر استخدام تقنية ميزانية النوع الاجتماعي أكبر في التحاق الفتيات بالمدارس من زيادة الدخل، في حين تراجع رعاية الأطفال في كوريا الجنوبية قد أجبر النساء على الاختيار بين العمل وأسرهم.

    إن عوامل مثل انخفاض مشاركة القوى العاملة النسائية ومعدلات الخصوبة عند الإناث لها أثر كبير في أن تصبح الدولة أكبر سناً وأكثر شيخوخة.

    ساعدت ميزانية النوع الاجتماعي الحكومة في تصميم برامج للحد من عبء الرعاية على النساء، وقد حضيت ميزانية النوع الاجتماعي بدعم المؤسسات المالية الدولية، إذ انتقدت السيدة أليسون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتحيُّزهما، بحجة أن التقشف الذي فُرِض على البلدان التي تسعى للحصول على الأموال في الثمانينيات، والتي قد فَرَضت أعباء كبيرة على النساء. أمّا الآن فيدعم البنك الدولي ميزانية النوع الاجتماعي، في حين لا يرى صندوق النقد الدولي أن من وظيفته تعزيز المساواة بين الجنسين، ولكن كريستين لاجارد  -المديرة الإدارية في صندوق النقد الدولي- تريد الآن أن تؤدي ميزانية النوع الاجتماعي دوراً في النصائح التي تعطى للبلدان الأعضاء.

    إنَّ اللجوء إلى ميزانية النوع الاجتماعي في بعض البلدان لم يجرِ بنحوٍ جيد، إذ أثبتت بعض المبادرات أنها فاترة، وقصيرة الأجل، أو كانت ضحية لسياسة حزب ما. أدخلت مصر مفهوم ميزانية النوع الاجتمماعي في عام 2009، بتشجيع من الجهات المانحة الدولية؛ وحينما غادرت تلك الجهات تلاشى العمل بالميزانية. وكانت أستراليا أول دولة تستخدم ميزانيات النوع الاجتماعي، لكن الحكومة المحافظة اليوم اعتبرت أن الميزانية تحمل توجهات يسارية وتعادي برنامج التقشف مما أدى إلى التخلي عنها في عام 2014، بعد عام من تولي الحكومة الجديدة للسلطة.

    الالتزام بالقوانين القديمة:

    أصدر العديد من البلدان الأخرى تصريحات حول المساواة بين الجنسين وبدأت العمل بجمع البيانات، ولكن دون أن تغيّر من مخصصات ميزانياتها؛ ويكمن ترددهم في القصور البيروقراطي والصعوبة الهائلة لعملية تتبع من يحصل على المال.

    تعتمد السياسة المالية على اقتصاد السوق -التي تولد الأموال- وتتجاهل العمالة غير المأجورة للمرأة، والمسببات التي تحد من عملهم في اقتصاد السوق. وبدلاً من إعادة التفكير في النظام، تعتمد الحكومات على قوانين تكافؤ الفرص لخفض عدم المساواة على الرغم من أن ما يجري حقاً هو عكس ذلك، إذ ترى أليسون أن: “الجميع حريصون على تحقيق المساواة بين الجنسين فقط حينما يكون هناك تغييرات هامشية، وأن التغييرات الجذرية لطريقة التفكير في كيفية قيام النظام المالي بدعم المساواة بين الجنسين هي أكثر صعوبة”.


    المصدر:

    http://www.economist.com/news/finance-and-economics/21717404-designing-fiscal-policies-support-gender-equality-good-growth-why