يهدد صعود دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بحدوث تغيير جذري في معالم السياسة الخارجية الألمانية التي وُضِعَت حينما تم تأسيس الجمهورية الألمانية الاتحادية عام 1949. استفادت ألمانيا من تكوين نظام دولي ليبرالي خاص بها حينما وفّرت الولايات المتحدة الأمن والطلب، وأدت دور الملاذ الأخير لألمانيا بشأن الطلب. خلال العقد الماضي أصبحت الولايات المتحدة -بنحوٍ تدريجي- أقل استعداداً لتقديم هاتين السلعتين ومن المحتمل أن تكف عنهما تماماً؛ وبالتالي فإن ألمانيا معرضةٌ بنحوٍ أكبر للتخلي عن “القيادة” الأمريكية -مقارنة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا والمملكة المتحدة-؛ وعليه فإن التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب من الممكن أن يكون صدمة تؤثر على ألمانيا بنحوٍ كبير.
إن الاستجابة الألمانية المنطقية للوضع الجديد الناشئ عن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية يكون باتخاذ خطوات للحد من الضعف الذي ستتعرض له بالسعي لإيجاد بديل عن الولايات المتحدة؛ لضمان الأمن وتقليل الاعتماد على الصادرات لتحقيق النمو الاقتصادي؛ إلّا أن ألمانيا أصبحت ترى نفسها -على نحو متزايد- بأنها قوة لحفظ السلام “Friedensmacht”، وتعدُّ نفسها دولةً مصدرة “export nation”؛ وبالتالي فإن “التداول دون دفع الرسوم” أصبح أمراً متجذراً في الهوية الوطنية الألمانية، وهذا يصعِّب على ألمانيا تغيير سياسة الأمن أو الاقتصاد الخاص بها؛ ونتيجة لذلك من المرجح أنها ستتبع سياسة التأني والانتظار لسياساتها في الوقت الحاضر، متمنية حصول الأفضل.
ينبغي أن تكون أوروبا الحل الأمثل للمعضلة التي تواجهها ألمانيا الآن، إذ بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يكون البديل عن الولايات المتحدة في توفير الأمن؛ وهذا يعني أن وجود صفقة كبرى بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي -التي ترتكز إلى إيجاد حل وسط بين فرنسا وألمانيا- هو أمر ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى، ولكن ألمانيا لا تزال غير مستعدة لتقديم التنازلات -ولاسيما فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية-، في غضون ذلك فإن انعدام اليقين بشأن ضمان الولايات المتحدة للأمن في عهد الرئيس ترامب قد تتسبب بتغير موازين العلاقات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ويضعف موقف القوة في أوروبا التي طورتها ألمانيا منذ نهاية الحرب الباردة، وعلى وجه الخصوص منذ بداية أزمة اليورو.