توفّر التقارير العراقية لمعهد الدراسات الإقليمية والدولية تحليلاً على أرض الواقع للقضايا الأكثر إلحاحاً في العراق، وتهدف إلى رفد صانعي القرار والخبراء بالبحوث والتحاليل المحكمة حول سياسة العراق، إن هذه التقارير فريدة من نوعها؛ كونها تصنع داخل العراق وترتكز إلى العمل الميداني في البلاد، فضلاً عن البحوث ذات المصادر المفتوحة.
إن التقارير العراقية لمعهد الدراسات الإقليمية والدولية هي بنات أفكار كل من “أحمد علي” و”كريستين فان دن تورن”، وكليهما لديه سنوات من الخبرة في إجراء البحوث والكتابة عن العراق وإقليم كردستان في العراق.
تمرَّ على إقليم كردستان العراق السنة الثالثة من الركود الاقتصادي، فبعد قطع المدفوعات من بغداد إلى حكومة الإقليم في النصف الأول من عام 2014، تلقت التعاملات المالية في كردستان ضربة قاضية؛ بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية عام 2014، التي تراجعت أكثر من 50٪ في النصف الثاني من ذلك العام، وأدَّى انهيار إيرادات حكومة إقليم كردستان إلى انعكاس مفاجئ للنمو السريع الذي تمتعت به المنطقة في السابق، وترك هذا الاقتصاد في حالة من أزمة من المحتمل أن تتفاقم قريباً(DeWeaver, 2015).
إنَّ الوضع في الإقليم أكثر خطورة مما تمر فيه العديد من الدول المصدرة للنفط؛ وهذا يرجع إلى المدى الذي تعتمد فيه حكومة إقليم كردستان على النفط -سواء أكانت بمفردها أم مع الحكومة الاتحادية في العراق- والأهمية النسبية للقطاع العام.
اعتمدت الحكومة الإقليمية قبل الأزمة على حصتها من الموازنة الاتحادية العراقية في الحصول على 90٪ من ايراداتها، 70٪ منها ينفق على المرتبات والمعاشات والرواتب للمستفيدين مثل السجناء السياسيين السابقين وأسر الشهداء. (World Bank Group, 2016, 1, 9) إن 44٪ من القوى العاملة موظفة من قبل حكومة الإقليم، (World Bank Group, 15) – على سبيل المثال البنية التحتية وتوليد الطاقة الكهربائية- أو موظفوها – على سبيل المثال تطوير العقارات السكنية وأسواق الجملة.
تتفاقم هذه الاختلالات الهيكلية تحت حقيقة أن حكومة إقليم كردستان تفتقر إلى أدوات السياسة المعاكسة المتاحة للبلدان ذات سيادة في حالات مماثلة، إذ إنها لا تصدر عملة خاصة بها؛ لذلك لا يمكن أن تغطي العجز من طريق طباعة النقود -ربما يعد هذا نعمة بالنظر إلى التجربة الأخيرة في فنزويلا، وعلى عكس المملكة العربية السعودية ودول الخليج، فإن الإقليم لم يمتلك صندوق الثروة السيادية في الوقت الذي انهارت فيه أسعار النفط -تم تشريع واحد فيما بعد في نيسان عام 2015-، وتترك الضرائب القليلة حكومة إقليم كردستان مع القليل من مصادر الدخل البديلة، فلم تكن حكومة الإقليم قادرة على جمع المال عن طريق إصدار السندات.
نظرا للقيود المذكورة آنفاً يجب بذل الجهود لتغطية نفقات إقليم كردستان لتشمل في المقام الأول خفض التكاليف، في بداية الأمر حدث هذا لكن بشكل عشوائي، إذ توقفت الحكومة عن الدفع لدائنيها حينما نفد منها المال، وبما أن الوضع ازداد سوءاً بنحوٍ طردي، بدأت حكومة الإقليم تفكر من الناحية الاستراتيجية بنحوٍ أكبر، يعدُّ خلق التوازن في الموازنة أحد الجهود طويل الأجل لإصلاح القطاع العام المتضخم في كردستان العراق.
هناك بالفعل العديد من المجالات التي يمكن إصلاحها إدارياً بنحوٍ يسير ولكنها ستحدث فرقاً كبيراً، ففي الماضي كان أخذ المال من الحكومة مثل أخذ الحلوى من الطفل، وكان الاهتمام بالكيفية التي يتم بها إنفاق الأموال الحكومية في أربيل -عاصمة الإقليم- قليلاً، ولا يعرف بالتحديد كم عدد الموظفين هناك، وحينما تم وضع برامج الدعم دون مبرر اقتصادي واضح فرض ذلك عبءاً إضافياً على الموارد المالية في المنطقة من أجل التوصل إلى نتائج دون المستوى الأمثل، أما التزامات الحكومة الإقليمية، كرسوم الكهرباء والضرائب المفروضة على الشركات، فقد تم جمعها بطريقة متقطعة أو غير فعالة إطلاقاً.
يتناول هذا التقرير كيفية استغلال حكومة إقليم كردستان للفرصة التي تتيحها الأزمة الاقتصادية؛ لمعالجة هذه المشكلات الموجودة منذ مدة طويلة، وسينظر القسم الأول منه بالكيفية التي تقوم بها أربيل بتحسين المساءلة في النظام للدفع لموظفي الخدمة المدنية في محاولة للحد من نفقات الرواتب، أما القسم الثاني فيتحدث عن إلغاء الدعم على المنتجات النفطية المكررة والكهرباء، ويتحدث القسم الثالث عن برنامج جديد لتحسين جباية الضرائب، وأخيراً يختتم القسم الرابع مع بعض الملاحظات على العقبات التي تحول دون الإصلاح وصعوبة تحقيق تحسن دائم في إدارة القطاع العام.
لقراءة المزيد اضغط هنا