صحيفة الإيكونوميست
إن إصلاح التعليم بطيء وصعب، لكنه ليس مستحيلاً.
ينتظر مشجعو كرة القدم أربع سنوات حتى يشاهدوا كأس العالم، أما المهووسون بالتعليم فيستمتعون بمنافسة عالمية كل ثلاث سنوات، نُشرت نتائج البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA) السادس، وهو اختبار للعلوم والرياضيات ومهارات القراءة للأطفال البالغين من العمر 15 عاماً من مختلف أنحاء العالم من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم العديد من البلدان الغنية في السادس من كانون الأول 2016، وتنطوي هذه النتائج عن دروس مهمة لصانعي السياسات في جميع أنحاء العالم.
خضع حوالي 540،000 تلميذ من 72 بلداً أو منطقة -كل واحد منهم انتهى ست سنوات على الأقل من المدرسة- لاختبارات على الكمبيوتر في العام 2015، ثم قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بترتيب النتائج في نطاق موحد، وكانت نتيجة المتوسط لكل موضوع حوالي 490 نقطة، ويُعَدُّ الحصول على 30 نقطة فوق هذا المجموع أقرب ما يكون إلى إكمال سنة إضافية من التعليم.
أدت سنغافورة -أحد البلدان الرائدة في اختبارات (PISA)- أداءً أفضل الآن، فهي البلد الذي حصل على أفضل أداء في كل الموضوعات، وكان متوسط نتيجة التلميذ السنغافوري في الرياضيات 564، وهذا يوحي بأن التلاميذ السنغافوريين متقدمون على نظرائهم الأمريكيين الذين كان متوسطهم 470 بثلاث سنوات. وسجلت الدول الآخرى في شرق آسيا نتائج عالية في معظم المجالات، كما فعلوا منذ بدء اختبارات (PISA) منذ 15 عاماً، إذ حصلت اليابان وكوريا الجنوبية، فضلاً عن مدن مثل هونغ كونغ وماكاو-منطقتان للحكم الذاتي في الصين- وتايبيه عاصمة تايوان على نتائج أعلى من المتوسط في العلوم والرياضيات.
وفي أماكن أخرى حصلت كلٌّ من كندا وفنلندا على درجات قراءة عالية مثل هونج كونج، وإستونيا أيضاً التي لا يمكن تمييز نتائجها في العلوم عن اليابان، وكانت نتائج البلاد في الرياضيات قربية من نتائج كوريا الجنوبية، وهي تتساوى الآن مع فنلندا كأحد أفضل البلدان أداءً في أوروبا، أما فنلندا -التي تصدرت أول اختبارات (PISA)- فلا تزال نتائجها أعلى من متوسط الأداء، ولكن درجاتها بدأت الانخفاض منذ العام 2006.
يقول معارضو (PISA) إن محاولة فهم كل هذا مثل محاولة سماع الشخص نفسه في فصل دراسي مملوء بالضجيج، وأشاروا إلى أن التعليم أكثر بكثير من القيام بعمل جيد في الاختبارات، وإلى جانب ذلك يضيف النقاد أيضاً أن هناك فائدة قليلة من معرفة النتائج؛ لأن الثقافة وأولياء الأمور هم الذين يقودون الطلبة إلى أن يكدحوا ويعملوا بجد، ففي الأسبوع الماضي كتب يونغ تشاو -من جامعة كنساس- أن الردود الصحيحة من الاختبارات التي تظهر النتائج المذهلة في شرق آسيا قد تدفع الآخرين لبدء استخدام عيدان تناول الطعام.
يحتوي ((PISA على عيوب كثيرة، فهو واحد من العديد من الاختبارات التي لا تمثل كل ما في التعليم، لكنه مهم، فهو التقرير البحثي الأكثر تأثيراً في مجال التعليم لسبب وجيه، فهو يلمح إلى ما هو غير مهم حينما يتعلق الأمر بتعزيز نتائج الاختبارات للتلاميذ. يشير إلى أن بين البلدان الأكثر فقراً، يرتبط حجم الإنفاق الحكومي على كل تلميذ مع درجات الاختبار العالية، ولكن في الدول الغنية التي تنفق أكثر من 50.000 دولار لكل تلميذ أي ما يقرب من 6 و15 تلميذاً نرى النتائج تتدهور، وهذا ما يفسر تساوي بولندا والدنمارك في متوسط النتائج في اختبارات العلوم على الرغم من أن الأخيرة تنفق نحو 50٪ أكثر لكل تلميذ.
وإن أحد الأسباب الأخرى لإنفاق المال بشكل عبثي -إذا عُدَّ إلى ذلك من وجهة نظر نتائج (PISA)- قد يتمثل في إرسال الأطفال إلى المدارس الخاصة، إذ حصل طلبة المدارس الحكومية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على درجات أقل في العلوم من نظرائهم في المدارس الخاصة، ولكن هذا ليس هو الحال حينما تنظر إلى الخلفية الاقتصادية والاجتماعية للتلاميذ.
وبينما يرتبط الفقر بقوة مع الدرجات المنخفضة، إلا أن هذا ليس هو الحال دائماً، إذ إن التلاميذ الفقراء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هم أكثر عرضة للحصول على مستوى أقل من الأساس من الكفاءة في مجال العلوم من أقرانهم الأغنياء بثلاث مرات، ويميل التلاميذ ذوو أولياء الأمور الذين ولدوا في الخارج إلى الحصول على أسوأ من ذلك، لكن 29٪ من التلاميذ الفقراء يسجلون بين الربع الأعلى من الأطفال في بلدانهم المعينة، وهذا ما نراه في سنغافورة واليابان وإستونيا مع قيام نصف التلاميذ الفقراء بذلك. وهذا يلمح إلى اكتشاف آخر وهو أن الإنجاز الجيد والمساواة لا يتعارضان، ففي كندا، والدنمارك، وإستونيا، وهونغ كونغ، وماكاو يمتلك التلاميذ متوسط درجات عالية، ولكن النتائج تظهر فقط صلة ضعيفة بين النتائج وخلفيات الأطفال.
إن أحد الأسباب وراء مكاسب إستونيا هو فقدان الديموغرافية، فعلى مدى السنوات الـ 20 الماضية انخفض عدد السكان الشباب بنحوٍ أسرع من عدد المعلمين، فالآن هناك معلم واحد لكل 12 تلميذاً، بعد أن كان واحداً لكل 20 تلميذاً قبل عقدين من الزمن، وعلى الرغم من أن تقليص أحجام الفصول لا يعد الرد الأكثر فعالية من حيث التكلفة، إلَّا أن التلاميذ الاستونيين استفادوا من التحول الديموغرافي، الذي سهل إعطاء التلاميذ -ولاسيما ذوي الاحتياجات الخاصة- مساعدة إضافية.
يقول مارت لايدمينت -وهو مسؤول كبير في وزارة التعليم الإستونية- إن البلاد اتخذت نهجاً شاملاً عن عمد، فهي تحاول تجنب تكرار التلاميذ لسنوات من الدراسة بأي ثمن، ويمكن لهذا أن يساعد التلاميذ في بعض الأحيان، ولكن في أحيان أخرى يتم استخدامه كذريعة لعدم تعليم الأطفال صعبين المراس، وقد يعكس هذا أيضاً تحيّزاً أو تمييزاً، ففي بلدان مثل روسيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، يكون الأولاد الفقراء عرضة لعدم العبور إلى المرحلة الدراسية القادمة على الرغم من إنجازاتهم الأكاديمية الجيدة.
تحاول إستونيا، مثل فنلندا وكندا الحفاظ على الاختيار من خلال القدرة في الحد الأدنى، فهي تؤخر “تتبع” الأطفال في الطرق الأكاديمية أو المهنية حتى سن 15 أو 16 سنة، يقول لايدمينت إن هذا يساعد التلاميذ على العثور على وظائف في وقت لاحق في الحياة؛ لأن الرياضيات والعلوم الأخرى يجعل من الأسهل بالنسبة لهم التكيف مع التغييرات في سوق العمل، وتساعدهم في كسب مهارات جديدة.
وعلى النقيض من ذلك حين يتم تحويل التلاميذ إلى المسارات الأكاديمية في سن مبكرة، سواء نحو مدرسة مهنية أم فئة أقل صرامة في المدرسة نفسها، فإن الفجوة بين الأطفال الأغنياء والفقراء تميل إلى التوسع، إذ يحصل التلاميذ الهولنديون في المدارس المهنية على نتائج تعادل حوالي ثلاث سنوات أقل من التعليم من أقرانهم في المدارس العامة.
كل هذا يشير إلى ما الذي لا ينبغي أن تقوم البلدان به، ولكن هل هناك أي نصائح أكيدة من أفضل المؤيدين في هذه الاختبارات؟ أو أن نجاحهم يعزى إلى الآباء الصارمين والمدارس الإلزامية؟ إن القضايا الثقافية مهمة ولكن السياسة والقوانين أهم، تقول مؤلفة كتاب Cleverlands -وهو كتاب جديد عن دول (PISA)- إن معظم هذه الدول تأخر التعليم الرسمي حتى يبلغ الأطفال سن السادسة أو السابعة، فبدلاً من أن يتم استخدام السنوات الأولى من التعليم لإعداد الأطفال للمدرسة من خلال التعلم القائم على اللعب والتركيز على المهارات الاجتماعية، فهم يقومون بإعطاء التلاميذ عملاً أكاديمياً أكثر في المدرسة، حتى أن سنغافورة -التي تحول بعض التلاميذ إلى مسار التعليم المهني في سن الثالثة عشرة- تعمل على ضمان أن الطلبة في تلك المدارس يواكبون المعايير العالية في القراءة والرياضيات.
إن الطلبة الذين يقومون بأفضل أداء يركزون وقتهم وجهدهم على ما يدور في الفصول الدراسية بدلاً من بنية النظام المدرسي، ويتم التعامل مع المعلمين كمهنيين، وهم لديهم الوقت الكافي لإعداد الدروس والتعلم من أقرانهم، ويتم تحديد تقدمهم بالنتائج، وليس من خلال نقابات المعلمين، وهناك توقعات ومعايير عالية من كل طالب.
يتأثر المراهقون الذين يؤدون اختبارات (PISA) بسنوات عديدة من السياسات التعليمية، إذ إن التركيز على الأداء العالي باستمرار يعني إهمال دروس أولئك الذين قاموا بتحسينات مؤخراً.
قامت مدينة بوينس آيرس في الأرجنتين، بأكبر قفزة متفوقة على ما حصلت عليه قبل ثلاث سنوات، إذ سجل طلبتها 475 نقطة في العلوم (بزيادة 51 نقطة)، و475 نقطة في القراءة (بزيادة 46 نقطة)، و456 نقطة في الرياضيات كمتوسط (بزيادة 38 نقطة).
كان الهدف الأولي لوزير التعليم الأرجنتيني لاستيبان بولريتش هو التأكد من أن الطلبة يتم تدريسهم، فقد كان المعلمون يمضون 12-15 يوماً في السنة وهم مضربون عن الدوام، أو حوالي 7٪ من الوقت الذي ينبغي أن يكونوا فيه داخل الصف، وفي محاولة للحد من هذه الغيابات، قام الوزير بنشر رقه هاتفه المحمول للجمهور وبدأ يحصل على المكالمات مباشرة من المعلمين الغاضبين، وقام بإطالة اليوم الدراسي، ثم عرضت على المعلمين كصفقة رواتب أعلى مقابل أخذ العمل بجدية أكبر، وقد خففت قبضة النقابات في البت في الترقيات، وقام بإعداد معلمين أكثر صرامة وعملية.
تُعدُّ البرتغال إحدى الدول التي شهدت تحسناً ملحوظاً، فمنذ عام 2006 تحسنت نتائجها في كل موضوع بمعدل سنة من التعليم، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة، ليتحول موقعها من الاعتدال إلى أعلى من المتوسط في الاختبارات.
هناك ثلاثة أسباب للتقدم الطردي في البرتغال كما يقول وزير التعليم السابق نونو كراتو: أولا: بدأت البلاد يهتم بالنتائج، وتم إدخال اختبارات معيارية جديدة، ثانياً: تم إدخال منهج جديد مع مستويات أعلى من عام 2011، ثالثاً: قامت بخفض كمية التتبع، وحافظت على استخدامها بشكل “مؤقت وجزئي”، وقد يتلقى التلاميذ الذين يكافحون تعليماً إضافياً، ولكنَّ المعلمين يحاولون إبقاءهم في الفصول نفسها مقارنة مع أقرانهم.
يقول كارتو: لكي تصبح البرتغال قوة تعليمة، فإنه تحتاج إلى “معلمين معدين بنحوٍ أفضل”، ولكن هذا الأمر صعب ولاسيما حينما تعارض بعض نقابات المعلمين قيام أعضائها باجتياز الامتحانات قبل السماح لهم بالتدريس في الفصول الدراسية، إن التعليم الجيد لا يحتاج بالضرورة إلى زيادة الإنفاق، ويقول أيضاً: يأتي تحسن البرتغال على الرغم من التخفيضات الحادة في الإنفاق العام، ويضيف كارتو “أن المال مهم ولكنه ليس حاسماً”.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر: