بعد سلسلة من المحادثات الحادة والمثيرة للجدل التي شهدت انسحاب بعض الكتل من قبة البرلمان بسبب خلافات حول تقاسم العائدات المالية، أقرَّ مجلس النواب العراقي في نهاية المطاف الموازنة الاتحادية لعام 2017 في السابع من كانون الأول بحضور 189 عضواً.
قللت موزانة عام 2017 من الإنفاق الحكومي بنحو 5٪ مقارنة مع موزانة هذا العام، وتم تخصيص مبلغ 100.7 ترليون دينار لنفقات عام 2017، مع توقع الحكومة أن يصل إجمالي الإيرادات إلى 79 ترليون دينار على أساس أن معدل سعر النفط 42 دولاراً للبرميل ومعدل تصدير قدره 3.75 مليون برميل يومياً، استندت ميزانية عام 2016 إلى توقعات تصدير 3.6 مليون برميل يومياً بمعدل سعر قدره 45 دولاراً للبرميل، ومع ذلك كان الوصول إلى تلك الأهداف صعباً، مع وصول متوسط سعر خام البصرة إلى 41 دولاراً للبرميل في شهر تشرين الثاني الماضي، وبلغت صادرات هذا العام حتى الآن ما متوسطه 3,28 مليون برميل يومياً، بيد أن هناك بعض الأسباب للتفاؤل في العام المقبل، إذ بلغت صادرات تشرين الثاني الماضي مستويات غير مسبوقة مع بلوغ معدل التصدير 4،051 مليون برميل يومياً من جميع أنحاء العراق، ومن المتوقع أن تزداد الصادرات بوتيرة ثابتة خلال عام 2017 وفق ما بينه مسؤولون في وزارة النفط.
ظل اتفاق تقاسم العائدات بين بغداد وأربيل دون تغيير في نص قانون الموازنة لعام 2017، وألزم الاتفاق إقليم كردستان بنقل 300،000 برميل يومياً من حقول كركوك إلى شركة سومو، وتصدير 250،000 برميل يومياً من الحقول الواقعة ضمن الإقليم، وفي المقابل ستحافظ حكومة إقليم كردستان على حصتها من الإنفاق الوطني (ناقص خصم النفقات السيادية) التي تبلغ 17٪ من الموازنة الاتحادية، على الرغم من المناقشات الحادة داخل البرلمان حول ما إذا كان يجب تخفيض حصة حكومة إقليم كردستان لتتناسب مع أعداد سكان المنطقة، وينعكس هذا الخلاف في المادة 10 من قانون الموازنة، التي تنص على إعادة النظر في حصة إقليم كردستان لعام 2018 بعد الحصول على نتائج التعداد السكاني الذي من المقرر أن يكتمل في عام 2017.
ومن المرجح أن يبقى اتفاق تقاسم العائدات نافذاً بشكل جزئي، كما كان الحال خلال عام 2016، وعلى الرغم من أن المادة 29 من مشروع قانون الموازنة تنصُّ على أن في حال حصول فائض في الصادرات من قبل الحكومة الاتحادية والحكومات الكردية فإن الطرفين ملزمان بتسليم الإيرادات لخزينة الدولة، وستواصل حكومة إقليم كردستان التصدير بنحوٍ مستقل بلا شك، وتشير التقارير إلى أن وزارة الموارد الطبيعية التابعة لحكومة الإقليم تصدر حالياً بنحوٍ مستقل ما يصل إلى 580،000 برميل يومياً، ومن المرجح أن تردَّ بغداد من خلال دفع جزء من حصة 17٪ لحكومة إقليم كردستان.
إنَّ المادة 8 (الفقرة الرابعة) في قانون الموازنة توضح أن هذه المخصصات متناسبة مع أي زيادات أو نقصان في الإيرادات المتولدة من جميع أنحاء البلاد، وكدليل على ما سيحدث في المستقبل، واعتباراً من شهر أيلول من هذا العام حصل العراق فقط على 67٪ من الإيرادات المتوقعة وأنفق نحو 57٪ من الإنفاق المتوقع.
وتنعكس خطط خفض الإنفاق الحكومي لعام 2017 أيضاً على العجز المالي، الذي من المتوقع أن يصل إلى 21.7 ترليون دينار، بعد أن كان 24.1 تريليون دينار في ميزانية عام 2016. إن هذا الانخفاض مهم، على الرغم من القيام بالعديد من التخفيضات الكبيرة للسنة المقبلة، بما في ذلك تخفيض 60٪ من صندوق إعمار وتنمية مشاريع الأقاليم والمحافظات الذي تراجع من 1.2 تريليون دينار لعام 2016 الى 500 مليار دينار لعام 2017.
ظلت الإيرادات غير النفطية مستقرة عند حوالي 11 تريليون دينار، أي ما يعادل 14٪ من إجمالي الإيرادات، وتقدم ميزانية عام 2017 بعض العناصر الجديدة التي تبين أن هناك مزيداً من الجهود المتضافرة للحد من الأعباء المالية للقطاع العام، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وتعزيز ظهور موارد غير نفطية للحصول على إيرادات إضافية، وتشمل هذه على وجه التحديد:
- منح الإجازة مدفوعة الأجر لمدة 4 سنوات للموظف، ويتلقى أولئك الذين يختارون الحصول على هذه الإجازة الراتب الاسمي الكامل لمدة أربع سنوات من دون أن يفقدوا الخدمة التي من شأنها أن تحتسب لأغراض التقاعد، وفضلاً عن ذلك يحق للمتعاقدين مع الحكومة الذين يختارون إنهاء عقودهم الحصول على راتب 3 أشهر عن كل سنة خدمة، وبالمثل، تمنح المادة 22 موظفي القطاع العام الذين يختارون الانتقال إلى القطاع الخاص حق الحصول على نصف الراتب الاسمي لمدة عامين.
- استقطاع نسبة 3.8٪ من مجموع الرواتب والمخصصات لجميع الموظفين والمتقاعدين لسد احتياجات الدولة من نفقات الحشد الشعبي ودعم النازحين، بينما تذهب الإيرادات المجموعة من إقليم كردستان إلى تغطية نفقات البيشمركة.
- فرض رسوم جمركية في جميع المعابر الحدودية على أن تعود العائدات إلى الحكومة المركزية، ومن المتوقع أن تزيد عائدات الجمارك بنحوٍ كبير جداً خلال العام المقبل، على الرغم من أن للمحافظات التي تحتوي على معابر حدودية الحقَّ بأخذ نصف العائدات، على وفق المادة 56، شريطة أن تنفق تلك الأموال على إعادة تأهيل البنى التحتية لتلك المعابر، وفضلاً عن ذلك تنص المادة 23 على تقديم إضافات مالية جديدة على تذاكر الطائرات (10،000 دينار على الرحلات الداخلية و25،000 دينار على الرحلات الدولية)، في حين تبقى ضريبة المبيعات 20٪ على بطاقات الهاتف المحمول دون تغيير.
ومع تحديد الموازنة الاستثمارية بنسبة 25.3٪ من إجمالي الإنفاق (بالمقارنة مع 24.3٪ لعام 2016)، تعتمد الحكومة على 5،6 ترليون دينار من القروض الأجنبية والمحلية لدعم هذا المسعى، ومن بين أولويات الاستثمار الرئيسة للموازنة هي الاستثمار في شبكة الكهرباء في البلاد في عام 2017، إذ حصلت الحكومة على عدة قروض للقيام بذلك، وتشمل هذه القروض قرضاً من بنك اليابان للتعاون الدولي بقيمة 50 مليون دولار، وقرضاً من البنك الإسلامي للتنمية بقيمة 50 مليون دولار، وقرضاً سويدياً بقيمة 500 مليون دولار.
وهناك تركيز أيضاً على إعادة إعمار البنى التحتية، وخاصة في المناطق التي تم تحريرها من داعش، وتبرز هنا القروض من بنك اليابان للتعاون الدولي التي بلغت قيمة قرضه 300 مليون دولار، والقرض من بنك التنمية الألماني التي بلغت قيمته 190 مليون دولار.
احتوى نص قانون الموازنة أيضاً على مواد تضفي الطابع المؤسسي على الحشد الشعبي، وذلك ما نراه في المادة 52 التي تنص على ضرورة تغطية رواتب منتسبي الحشد الشعبي، مع التأكيد على تطويع ابناء المحافظات والمناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد تنظيم داعش بنسبة مساوية ، وفضلاً عن ذلك، فإن المادة 50 تنص على أن دفع الرواتب لأعضاء الصحوة في صلاح الدين والأنبار والمناطق الأخرى يجب أن يكون بالتوازي مع حل دائرة نزع السلاح ودمج الميليشيات بحلول نهاية عام 2017، ودمج أعضاء الصحوة في الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي.
عموماً، فإن ميزانية عام 2017 التي وافق عليها البرلمان في نهاية المطاف تقدم بعض الحلول المتواضعة لتنويع مصادر الدخل، على الرغم من أنها تركز قليلاً على تخفيف أثر تقلبات أسعار النفط في العام المقبل، وإذا ما أراد العراق أن يفي بالتزاماته تجاه صندوق النقد الدولي فسيحتاج إلى مواصلة البحث عن سبل لخفض الإنفاق، وهناك مجالان رئيسان يجب متابعتهما خلال الأشهر القادمة، الجانب الأول هو مدى إستجابة موظفو القطاع العام لإجازة الأربع سنوات مدفوعة الأجر، والآخر هو قدرة الحكومة على تحصيل الرسوم الجمركية بنحوٍ فعال في جميع أنحاء البلاد.