ليز سلاي: رئيسة مكتب واشنطن بوست في بيروت، وتغطي حالياً الاضطرابات في الشرق الأوسط.
تستعد منطقة الشرق الأوسط حالياً للتعامل مع رئيس أمريكي جديد، ويبدو أن هذا الرئيس عازمٌ على إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة جذرياً؛ مما قد ينذر ببدء مرحلة جديدة من عدم اليقين والاضطراب في منطقة تعاني من الحروب المتعددة.
إن التصريحات الغامضة والمتناقضة أحياناً التي أدلى بها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، قد تسببت بالحيرة لدى المحللين في تفسيرها على مستوى العالم، ولم يتبيّن بعدُ أيٌّ من تلك التصريحات التي يريد ترامب الوفاء بها.
وعلى وفق أكثر تصريحات ترامب اتساقاً – بجانب التصريحات التي أدلى بها مستشاروه للمحللين والمسؤولين- فإن ترامب سيسعى إلى إعادة ترتيب النظام القائم في الشرق الأوسط الذي سيصب في صالح روسيا وبعيداً عن إيران والمحور الشيعي ويخدم مصالح دول الخليج السنية وتركيا.
أن بعضاً من أهداف ترامب المعلنة لم تكن مختلفة بنحوٍ كبير عن سياسات إدارة الرئيس باراك أوباما التي تم إهمالها، ولم تتحقق بسبب صعوبة إنجازها -على سبيل المثال فشل إحراز تقدم في التعاون مع روسيا ضد الجماعات الإرهابية في سوريا، والتوقعات الأمريكية بأن الدول العربية ستفعل المزيد، وتدفع بشكل أكثر من أجل الأمن الإقليمي-.
أمّا بالنسبة للجزء الآخر من سياسات ترامب فهي تختلف بنحوٍ جذري عن سياسات أوباما، ولاسيما فيما يخص التهديدات بالتراجع عن الاتفاق النووي مع إيران -وهو ما يعد إنجازاً في ملف السياسة الخارجية لإدارة الرئيس أوباما- فضلاً عن احتمالية أن يقوم ترامب بإيقاف دعم واشنطن للمعارضة السورية والتحالف عوضاً منها مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
إن الهجوم الذي استهدف إحدى المناطق الخاضعة للمعارضة السورية فيما سبق على يد الأسطول الروسي الجديد المنتشر في البحر المتوسط يعدُ مثالاً لما سيجري في المستقبل، إذ حدث الهجوم عقب ساعات من أول مكالمة هاتفية تتم بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول سبل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، بما في ذلك التعاون لتسوية الأزمة السورية الذي من شأنه أن يفتح المجال لروسيا في سحق المعارضة التي تطالب بإسقاط نظام الأسد.
ومع ذلك فإن ثمة مواقف أخرى يصعب التوافق بشأنها، مثل تعهد ترامب بفعل المزيد من أجل قتال تنظيم داعش الإرهابي، بينما يتعهد في الوقت نفسه بالتراجع عن تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية.
هل سيصبح ترامب انعزالياً ويميل لسياسة أوباما فيما يخص تجنب المخاطر؟ أم إنه سيمارس النهج التدخلي على غرار الرئيس السابق جورج بوش؛ الذي تسببت حربه العالمية ضد الإرهاب في دخول الولايات المتحدة متاهات الحروب في العراق وأفغانستان؟
توقع ثيودور كاراسيك المستشار في مركز أبحاث دول الخليج في واشنطن – بعدما ناقش مستقبل المنطقة خلال الأشهر القادمة مع مستشاري ترامب- أن تكون سياسة ترامب خليطاً بين الرئيسين أوباما وبوش، ولكنه سيكون مختلفاً في الوقت عينه، وقال: “إن ترامب سيحارب تنظيم داعش، بينما سيستعين بمصادر خارجية في التعامل مع أمن المنطقة كروسيا والدول العربية”. وأضاف كاراسيك: “أن هناك احتمالاً لاستخدام عامل الفوضى، ولكن الفكرة التي تبرز حالياً تتمثل في زلزلة ترتيب النظام في دول المنطقة؛ من أجل المضي قدماً والسماح لهذه الدول بأن تؤمِّن نفسها”، وأضاف قائلاً: “إن كلمات مثل (الديمقراطية) و(الاعتدال) لن تكون ضمن المفردات التي سيستخدمها ترامب في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، وقال: “نحن الآن منخرطون في السياسة الواقعية”.
أما بالنسبة لرجال المنطقة الأقوياء -الذين توترت علاقاتهم مع إدارة الرئيس أوباما- فإن هذه التوقعات تمثل أنباءً جيدة بالنسبة إليهم، وقد عدَّ كلٌّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة فرصة لإعادة العلاقات المتوترة مع واشنطن.
على الرغم من تحفظات المملكة العربية السعودية ودول الخليج ذات الأغلبية السنية حول تصريحات ترامب بشأن المسلمين، إلا أنهم اظهروا ارتياحاً لانتخاب رئيس جمهوري مرة أخرى، وهم يأملون أيضاً بأن يكون ترامب أكثر صرامةً مع إيران من الرئيس السابق، وقال عبد الله الشمري -وهو دبلوماسي ومحلل سياسي سعودي سابق-: “نحن لا نتوقع أن يكون السيد ترامب أكثر سوءاً من السيد أوباما”، وأضاف: “إن معظم أعضاء العائلة المالكة سعداء بالنتيجة”.
ونقلاً عن بسام أبي عبد الله -وهو أستاذ في جامعة دمشق ويدعم الأسد- فهو يرى أن حكومة الأسد هي الأخرى ابتهجت بانتخاب ترامب بسبب تعهداته بالإشتراك مع قوات الأسد ضد تنظيم داعش والمعارضة السورية؛ لذا فإن التوقعات في دمشق الآن تدور حول أن واشنطن لن تدعم أبداً بعد ذلك المعارضة السورية، بل سوف تشترك معها ومع روسيا في ضربها وربما تعيد علاقتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، وبالتأكيد فإن ذلك يعد أمراً جيداً بالنسبة لسوريا، إذ يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقوم بتغيير النظام.
قال بسام بربندي -الذي يعمل مع المعارضة السورية في واشنطن والذي اجتمع مع مستشاري ترامب-: “إن المعارضة السورية تظهر ارتياحاً لانتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة”، إذ يرى قادة المعارضة أن احتمالية تعاون روسيا مع الجمهوريين أمراً مستبعداً، وأضاف بربندي: “أن ذلك يعتمد على اختيار ترامب للشخصيات التي ستشغل مناصب في إدارته”، كان بعض موظفي ترامب متشددين حول العلاقات مع روسيا وسوريا، إذ اقترح بعضهم -مثل نائب الرئيس المنتخب مايك بنس الذي ترأس فريق حملة ترامب الانتخابية- فرض منطقة حظر طيران في سوريا، بينما اقترح بعضهم الآخر -مثل ستيفن هادلي- استخدام الصواريخ لكبح تقدم قوات الأسد، ويرى بسام بربندي أن الحرب ضد الإرهاب هو أمر مهم جداً بالنسبة لترامب، وهو لا يعتقد أن سياسة ترامب الخارجية تختلف عن سياسة أوباما، إذ إن لدى أوباما فلسفته الخاصة، وأن ترامب هو رجل أعمال ويسعى نحو السبل التي ستوافر له المال.
إن إيران هي الحليف الأقرب للأسد في حربه ضد المتمردين السوريين، وهي تقدم الجزء الأكبر من القوات البرية لمواجهة التمرد المعارض للأسد. يتساءل أندرو تابلر -من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- عن الطرق التي ستتبعها إدارة ترامب لتقلص النفوذ الإيراني، وكيف ستقوي علاقاتها مع روسيا والأسد من دون منح إيران الفرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة.
إن اتباع مواقف متشددة مع إيران من شأنها أن تزيد من التوترات في المنطقة، الأمر الذي سيشجع المملكة العربية السعودية إلى دفع الولايات المتحدة إلى التغاضي عن مصالحها مع إيران وحلفائها الإقليميين، وذلك سيؤدي إلى صعوبة انتشار القوات الأمريكية في العراق لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، إذ يعد العراق حليفاً مقرباً لإيران، وقد أصدر مقتدى الصدر -رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة الأمريكية- تحذيراً مبطناً لهذا الموضوع الأسبوع الماضي، إذ أعلن “العداء الأبدي” نحو ترامب، ودان موقف الرئيس المنتخب تجاه المسلمين، وأضاف: “إن التطرف الذي يدعو إليه ترامب سيولد مزيداً من التطرف، وحذّر الصدر في بيانه بقوله: “إذا لم تغيِّر الولايات المتحدة سياساتها، فإننا لن نصمت، وسنقاومها كما فعلنا من قبل”، وبفيما يخص التوقعات التركية فهي ترى أن إدارة ترامب ستقوم بإيقاف سياسة إدارة أوباما بالاعتماد على الأكراد السوريين لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي؛ الأمر الذي قد ينهي بعض العقبات في الحرب لكنه قد يكوّن عقبات جديدة.
قال عماد سلامة -من الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت- إن التوفيق بين جميع هذه الأهداف المتضاربة ليست مستحيلة، وقد يقوم ترامب بتحقيق المصالحة بين تركيا والأكراد، وإن محاولة إدارة ترامب في الوقوف بوجه التدخل الإيراني العسكري في كل من سوريا واليمن والبحرين من شأنه أن يشجع المملكة العربية السعودية إلى الموافقة على بقاء الأسد وتحقيق مصالحة إقليمية أوسع.
أما الصحفي السعودي جمال خاشقجي فقد قال: “حينما سيطلع ترامب على خريطة المنطقة فإنه سيدرك على الفور أن دعم بوتين يعني دعم الأجندة الإيرانية، وهو ما يشعر المملكة العربية السعودية بالقلق، وهو دعم الهيمنة الإيرانية”. ولعل الخاسر الأكبر سيكون الأشخاص الذين يطالبون بالديمقراطية في المنطقة.
وقال أحمد صالح -وهو مهندس شارك في انتفاضة عام 2011 في مصر-: “إن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية هي بمنزلة نكسة كبيرة لنا، فكيف بإمكانك أن تأمل بالحصول على الحرية حينما لا يؤمن الرجل الأكثر نفوذاً في العالم بديمقراطيتنا؟.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر: