هارون شتاين
كشفت محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا عن وجود انقسامات سياسية بين صفوف القوات المسلحة التركية، إذ حرضت فصائل قليلة من الجيش على الانقلاب ضد غالبية القوات المسلحة في البلاد، التي ظلت موالية لقائدهم الأعلى الرئيس رجب طيب إردوغان.
كان الانقلاب قريباً من النجاح في تحقيق أهدافه الرئيسة المتمثلة بقتل رجب طيب إردوغان أو اعتقاله، واعتقال رئيس الوزراء بن علي يلديريم، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، إذْ تمكن الانقلابيون – بمساعدة أشخاص من الداخل – من احتجاز رئيس هيئة الأركان العامة خلوصي عكار كرهينة، وأسفرت الاشتباكات التي اندلعت عن مقتل 240 شخصًا، ويزعم مسؤولون في الحكومة التركية بأن هذه (المؤامرة) دُبِّرت من قبل أتباع رجل الدين المعارض فتح الله غولن، الذي يعيش حالياً في منفاه بولاية بنسلفانيا الأمريكية.
يبقى هذا التقرير غير كامل، وتبقى المعلومات الواردة فيه مبنية على محادثات (الواتس أب) بين بعض مدبري الانقلاب، والبيانات مفتوحة المصدر، مع معلومات من مدونات إلكترونية مثل Aviationist، فضلا عن المناقشات التي أجريتها مع الصحفيين والزملاء الذين يعملون في تركيا، الذين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، واعتمدتُ أيضًا على مصادر إعلامية مملوكة ومنحازة للحكومة، ولكنّي عملت جاهدًا لتجنب التحيُّز في تحليلي، أمَّا القصة الكاملة وتفاصيها كافة فستظهر للعلن عاجلًا أم آجلًا.
تشير قصة الانقلاب -بحسب مصادرها- إلى وجود مؤامرة واسعة عملت على تحشيد دعم فصائل عديدة من القوات المسلحة التركية، التي تمتد سلطاتها إلى جميع أنحاء البلاد، ويوضح عدد الضباط الكبار المعنيين بالانقلاب – بما في ذلك قائد قاعدة إنجرليك الجوية حيث تتمركز طائرات الولايات المتحدة التي تشارك في القتال ضد داعش- بأن الجيش التركي منقسم، أمّا القصة التي أُعلنت في أعقاب الانقلاب فتشير إلى غير هذا، إذ تقول إن مجموعة صغيرة من المتآمرين فشلوا في إسقاط الحكومة المنتخبة، ولكن هذا يقف على نقيض مع المعلومات التي تتحدث عن حجم المؤامرة، إذ إن محاولة الانقلاب هذه كانت جدية ومنظمة أكثر مما أشيع عنها في وسائل الإعلام.
إن الحقيقة تقول إن هذا الانقلاب مخطط له بنحوٍ جيّد نسبيًا -ولكنّه نفّذَ على عجل- وما يدلُّ على هذا التخطيط هو أن قيادة الجيش التركي العليا منقسمة بشكل كبير، مع وجود أقلية من الضباط ممن هم على استعداد لاستخدام القوة، حتى وإن قاد ذلك إلى نشوب حرب أهلية، وهذا يشير إلى أن تركيا غير مستقرة وستواجه تحديات خطيرة على المدى القريب؛ مما سيؤثر -بالتأكيد- على المصالح الأمنية الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط وأوروبا.
الانقلاب: هجوم بقيادة سلاح الجو مع مجموعة أرضية محدودة
يبدو أن التخطيط للانقلاب قد بدأ قبل أشهر، لكنّ تنفيذه تم على عجل بعد كشف المخابرات التركية للمؤامرة في الساعة 4:00 من مساء يوم الجمعة الموافق 15 تموز 2016، وعلى الرغم من ذلك تمكن المنقلبون من حشد الوحدات الجوية والدروع؛ لتنفيذ هجمات متزامنة على نقاط محددة سلفاً في اسطنبول، وأنقرة، ومنتجع البحر الأبيض المتوسط في مارماريس، حيث كان إردوغان يقضي يوم عطلته، ووفقاً لموقع صباح الإخباري التركي، تزعّم الجنرال العسكري المتقاعد (محرّم كوس) قادة الانقلاب مع الجنرال المتقاعد (محمد ديزيلي) من القوات البرية، وشقيق أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية في البرلمان، وتشير التقارير إلى أن هؤلاء هم من أمروا ببدء العملية العسكرية، معلنين بذلك حركة انقلابية معقدة شاركت فيها وحدات جوية وبرية وعدد من كبار الضباط الحاليين والمتقاعدين.
بدأ الجانب العسكري الانقلاب حوالي الساعة 10:00 من مساء يوم الجمعة بإغلاق جسري اسطنبول -اللذين يربطان القارة الأوروبية بآسيا- وفي الوقت نفسه حلقت 6 طائرات من نوع أف-16 من قاعدة أكينسي الجوية شمال أنقرة على علو منخفض فوق العاصمة التركية، وتزودت هذه الطائرت بالوقود من أربع ناقلات جوية من قاعدة إنجرليك الجوية التي تقع قرب مدينة أضنة التي تخضع لقيادة ضابط تركي منذ عام 1980، وهناك تقارير تفيد بأن طائرتي أف-16 انظمتا إلى الانقلاب من القاعدة الجوية في ديار بكر.
وسرعان ما انضمت طائرتان هليكوبتر هجوميتان من طراز كوبرا إلى طائرات الأف-16 مع تكليف طائرة من نوع سيكورسكي SU-70 بتمشيط الموقع المزود الرئيس للقنوات التركية TURKSAT، فضلًا عن مقر قوات النخبة GÖLBAŞI، وأرسل الانقلابيون أيضا ثماني طائرات شحن محملة بالأسلحة من قيصري إلى قاعدة ملاطية الجوية، وفقا للمدونة العسكرية Aviationist، وهذه التفاصيل أكدت في عمود الصحفي مراد يتكين في صحيفة حريت التركية.
شنت طائرات الأف-16 هجومًا على البرلمان التركي وقصر إردوغان بينما تقدمت القوات البرية نحو مقر إقامة رئيس الوزراء، وأُصيبت جميع المباني الثلاثة ببعض الضرر، ولكنَّ مبنى البرلمان كان الأكثر تدميراً، وفي الوقت نفسه في اسطنبول قامت القوات البرية بإطلاق النار على المتظاهرين على أحد الجسور الممتدة على مضيق البوسفور في ساعات الانقلاب الأولى، مما أدى إلى مقتل عدد منهم.
وقعت هذه الأحداث بينما اتجهت ثلاثة فرق كوماندوس في ثلاث مروحيات إضافية من قاعدة Cigli الجوية بالقرب من أزمير إلى الفندق الذي كان يفترض أن يبقى فيه أردوغان، وقام الجنود في أحد طائرات الهليكوبتر بإحدى العمليتين: إمَّا باقتحام الفندق بسرعة، وإمَّا بالإنزال في مكان قريب (حسب المصدر)، ولكن الفريق الأمني لأردوغان نقل الأخير إلى فندق مجاور، ووفقاً لكريم شاهين، فإنّ هذا أخّر فريقَ الاعتقال من 25 دقيقة إلى ساعة.
وبحلول ذلك الوقت، سارعت القوات العسكرية التركية الموالية للحكومة بإرسال طائرات أف-16 من دالامان، وأرضروم، وباليكسير، وربما اسكيشهر لصد طائرات الانقلابيين، وربما لمرافقة طائرة إردوغان، وفقاً لرويترز وصحيفة الغارديان، فقد هاجمت طائرتان على الأقل من طائرات الانقلابيين الطائرة الخاصة لأردوغان، لكنّهما لم تطلقا النار على طائرة الرئيس، ولم يتضح السبب وراء عدم إطلاق النار على إردوغان، ولكن يبدو أن المهاجمين لم يتمكنوا من تمييز ما إذا كانت طائرة إردوغان طائرة تجارية أو خاصة.
بالتزامن مع طيران أردوغان بدأت عملية نهاية خطة الانقلاب في أنقرة، فقد أسقطت إحدى الطائرات الموالية للحكومة طائرة هليكوبتر SU-70 التي يسيطر عليها الانقلابيون، وفي سلسلة من مقابلات بثها التلفزيون التركي باستخدام تطبيق (فيس تايم) تمكن إردوغان من حشد أنصاره وحثهم على النزول إلى الشارع للاحتجاج والوقوف بوجه الانقلاب، وقبل أن تهبط طائرة الرئيس في مطار أتاتورك، بدأت وزارة الشؤون الدينية التركية، بقراءة الصلاة والهتافات الدينية من المساجد في جميع أنحاء تركيا كشكل من أشكال الاحتجاج ضد الأحداث الجارية، وكذلك لإرسال رسائل إلى الحشود التي نزلت إلى الشوارع.
وفي مواجهة هؤلاء المتظاهرين، اختار المجندون الشباب الذين يشكلون غالبية القوات المسلحة التركية عدم إطلاق النار -على الرغم من أن بعض الفيديوهات أظهرت استخدام بعض الجنود للقوة-، أما وحدات سلاح الجو الانقلابية فقد أظهرت ضبط النفس؛ مما يوحي بأن أكثر أنصار الانقلاب بدأوا بالانخراط مع سلاح الجو التركي.
الآثار: القوات المنكسرة:
أفادت وسائل الإعلام التركية بأن المخابرات التركية اكتشف ملابسات الخطة في حوالي الساعة 4:00 من مساء يوم الجمعة 15 من هذا الشهر، وهذا ما دفع المتآمرين لتنفيذ الخطة قبل استكمالها، بعد إعطاء الأمر ببدء العملية، استدعى الانقلابيون القوات الجوية وأعداداً كبيرةً من الجنود من القواعد العسكرية في جميع أنحاء تركيا، اعتقلت السلطات التركية في الأيام التي تلت محاولة الانقلاب المئات من ضباط الرتب وضباط الصف، بما في ذلك قائد الجيش الثاني والآمر المسؤول عن الحدود مع سوريا والعراق آدم حدوتي.
في آذار من عام 2016، أشادت صحيفة الصباح التركية بمدح الرئيس رجب طيب إردوغان لـ (حدوتي) بسبب قيادته للعمل العسكري آنذاك ضد حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهذا يتناقض بشكل صارخ مع التصوير الحالي له في الجزء الإنجليزي للصحيفة بأنه من المتعاطفين مع فتح الله غولن؛ ويبدو أن اعتقال حدوتي يأتي لإبعاد أي تدخل واسع في سوريا؛ نظراً لأن الجيش يمر الآن بتغييرات متسارعة وغير مخطط لها في القيادة، ويمكن لاعتقال حدوتي أن يؤدي إلى خلل في العمليات العسكرية الحالية ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد، الذي يمثل الخطر الأمني الأكثر إلحاحًا في البلاد قبل الانقلاب.
ووفقا للكاتب التركي مراد يتكين، فقد كان على حدوتي إرسال ما يصل إلى 5000 جندي من سيرناك لتأمين المباني الحكومية في أنقرة، إذ شهد إقليم سيرناك بعضاً من أشرس المعارك مع حزب العمال الكردستاني، الذي أدى إلى مقتل 493 شخصاً من الأمن التركي (من وحدات الجيش والشرطة) منذ الصيف الماضي -على وفق بيانات تم جمعها من قبل المجموعة الدولية -وفي الأثناء كانت العديد من المناطق في العاصمة التركية تحت حظر التجول؛ الأمر الذي يضفي مصداقية على الفرضية السائدة في تركيا بأن الانقلابيين شرعوا بخطتهم قبل وضع اللمسات الأخيرة عليها، وتحريك هذا العدد الكبير من هذه القوات كان سيرفع الضغوط على حزب العمال الكردستاني، وهي النتيجة التي ربما كان المتآمرون يودون منعها، وقد واعتقل 309 من العسكريين في سيرناك بعد يوم واحد من محاولة الانقلاب، وهذا ما يبين صحة تقارير يتكين.
لم تكن واضحةً الكيفية التي يرغب بها الانقلابيون حكم تركيا، فربما قد خُدِع هؤلاء بأن الـ 50 % من البلاد التي صوتت للأحزاب المعارضة سترحب بهم كمحررين، في حين أنه سيكون من السهل إبقاء الـ 50 % الأخرى من مؤيدي حزب العدالة والتنمية في منازلهم، وقد يكون الانقلابيون قد خططوا لمواجهة بعض المقاومة، لكنّهم ظنّوا أن بإمكانهم إنهاءَها بسرعة، وتشير تقارير Aviationist بأن طائرات الشحن الثمانية التي شاركت في الانقلاب من خلال نقل الأسلحة كان من المفترض أن يتم استخدامها من قبل الانقلابيين في حال اندلاع أي اشتباكات محتملة.
الجدير ذكره هنا أنّه لم يتمَّ الكشفُ إلَّا عن القليل من تفاصيل الانقلاب حتّى الآن، ولكنّنا نملك قدرة الإطلاع على النصوص المسربة من مجموعة محادثات على (الواتس أب) بين كبار الانقلابيين، وتكشف هذه النصوص عن وجود حاجةٍ ملحّةٍ لاعتقال قائد الجيش الأول (أوميت دوندار) في اسطنبول، الذي عُيِّن في مركز القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان العامة حينما كان عكار محتجزًا من قبل الانقلابيين، وتكشف المحادثات أيضا عن خطط ما بعد الانقلاب، بما في ذلك الحاجة إلى توفير الغذاء والمؤن للقوات المتمركزة في اسطنبول، والسيطرة على قاعدة الدعم اللوجستي.
تُظهِر المعلومات التي كُشِفَت مؤخراً بأن الانقلابيين اقتربوا كثيرًا من قتل أردوغان أو اعتقاله، واحتجاز قادة القوات المسلحة، وجهاز المخابرات، ورئيس الوزراء كرهائن -ولو أنهم تمكنوا من “النجاح” في ذلك فإن تركيا كانت لتغرق في حرب أهلية بين مؤيدي الانقلاب ورافضيه – في ساعات صباح يوم السبت 16 تموز 2016 كانت الطائرات الموالية للحكومة وطائرات الانقلابيين تعمل في المجال الجوي التركي نفسه، مع حصول الموالين على إذن بإطلاق النار على الطائرات الانقلابيين، فاستعادت الحكومة السيطرة وبدأت بعمليات اعتقال واسعة مع المشتبه بهم من المؤيدين للانقلاب والبيروقراطيين.
إن الأعداد الكبيرة من الجنود المحتجزين منذ يوم السبت سيكون لهم تأثيرٌ سلبيٌ على العمليات اليومية، وسيتم التركيز على الفور على أعداد الضباط المعتقلين وكيف يمكن أن يعطّل هذا استعداد القوات التركية، وتشير موجة الاعتقالات كذلك إلى وجود انقسام واضح بين الموالين والانقلابيين، على افتراض أن أسباب الاعتقالات ولاسيما للضباط الذين يشتبه بتورطهم في المؤامرة لها ما يبررها؛ إذْ سيكون لأولئك الذين لم يُلقَ القبضُ عليهم حوافزُ كثيرةٌ لكي يكونوا حذرين جدًا حتى لا يلفتوا انتباه أولئك الذين يتطلعون إلى “اجتثاث من يشتبه بتعاطفهم مع الانقلاب” في الأشهر المقبلة، وأنّ ردة فعل ذلك يمكن أن تقود الضباط إلى الحرص بشكل مفرط، واختيار التخلص من كل شيء من خلال إلقاء اللوم على الضباط الكبار، وهذا يمكن أن يبطئ عملية صنع القرار.
تركيا وحلفاؤها:
إنَّ مشاركة الوحدات العسكرية في قاعدة إنجرليك الجوية في الانقلاب قد يدفع الحلفاء لإعادة تقييم افتراضاتهم حول مشاركة تركيا في عمليات التحالف المستقبلية، فقد شاركت أربع طائرات على الأقل في الانقلاب طارت جميعها من قاعدة إنجرليك؛ مما أدى إلى اعتقال قائد القاعدة بكير أركان، وهذا الأمر أحرج الولايات المتحدة وغذى نظريات المؤامرة التي تدّعي التدخّل الأميركي وتخطيطه للانقلاب، وهذا الأمر يثير المزيد من التساؤلات حول أمن الأسلحة النووية الأمريكية المنتشرة في أوروبا التي تُقدّر بـ 60 سلاحاً نووياً مخبّأً تحت الأرض في ملاجئ الطائرات في القاعدة.
ولم تتعرض القنابل لأي خطر سرقة حقيقي أثناء الانقلاب، ومع ذلك ينبغي على الضباط المسؤولين عن الأسلحة النووية أن يكونوا من ذوي الكفاءات العالية. إنّ الولايات المتحدة هي المسؤولة عن هذه الأسلحة ولديها الوسائل لتوفير الأمن، ولكنّها تعتمد في نهاية المطاف على الحكومة التركية لتأمين القاعدة، ومما لا شك فيه أنّ الحادث سيدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم عملياتها من قاعدة إنجرليك واختيار قواعد بديلة لتوجيه ضربات ضد داعش، وسيعيد هذا الانقلاب أيضاً إشعال الجدل حول انتشار الأسلحة النووية التكتيكية وأهميتها للدفاع عن أوروبا في عالم ما بعد الحرب الباردة.
المستقبل:
عادت الحكومة التركية الآن بقوة إلى السيطرة، ولكن قياداتها لا تزال تدعو مؤيديها للبقاء في الشوارع للاحتجاج على الانقلاب، ولمنع عودة العنف من قبل الانقلابيين الذين لم يُلقَ القبض عليهم حتى الآن كما يزعمون، وقد أثار وجود أعداد كبيرة من الناس في الشوارع مخاوف الذين شنّوا هجمات على الأقليات في تركيا، ولاسيما العلويين الذين استُهدِفوا في الماضي من قبل القوميين الأتراك المتطرفين، وكانت هناك حوادث تخريب متفرقة ضد مكاتب حزب الشعب الديمقراطي الكردي (HDP) في ملاطية، وعثمانية، والإسكندرونة. لقد حدثت أعمال عنف متفرقة أثناء الانقلاب وبعده، ولاتزال الشرطة تبذل جهودًا مضاعفة لمنع العنف، ولاسيما في هاتاي، وفي حال استمر الحال على ما هو عليه سنرى تفاقم مشكلة الإرهاب في تركيا على الأرجح.
إنّ قيام الحكومة التركية باتخاذ خطوات لزيادة تركيز السلطة والضغط من أجل الإصلاحات التي صيغت على عجل “كدليل انقلاب” ضد البيروقراطية -التي يعتقد العديد من المراقبين الغربيين بأنها مُفتعلَة- يعد مصدر قلق، وهذا يمكن أن يلحق المزيد من الضرر بالمؤسسات التركية في الوقت الذي تم فيه إيقاف 30000 شخص من البيروقراطيين الأتراك عن العمل، واعتقال أكثر من 9000.
إن الأضرار الناجمة عن هذا الانقلاب الفاشل ستواصل الضغط على المؤسسات التركية بما في ذلك الجيش، وتشير الأحداث الأخيرة إلى أنّ القوات المسلحة التركية منقسمة بشدة، وهذه الانقسامات تعوق الاستعداد، والروح المعنوية، وفعالية المضي قدماً، وبالفعل يبدو أن هناك مخاوفَ عقبت الاعتقالات؛ مما دفع الجيش لتسليم مجموعة من الضباط المتهمين في وقت سابق بالتخطيط للقيام بانقلاب ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم في محاكمة ايرجينيكون التي لا يَعدُّها كثيرون ذات مصداقية، وسيُطلبُ من الجيش مواصلة عملياته في جنوب شرق البلاد -على الرغم من اعتقال قائدهُ وأكثر من 103 أدميرال وجنرال (من أصل ما مجموعه 358) من الضباط وهو ما يعادل 28 % من مجموع القوات المسلحة التركية- وقد تدفع الاضطرابات مع الجيش الثاني – جنباً إلى جنبٍ مع الاعتقالات الواسعة للضباط – الحكومة إلى الاعتماد بشكل أكبر على وحدات الشرطة الخاصة أو قوات العمليات الخاصة؛ ومع ذلك يبدو أن هذا الأخير أيضاً من المتورطين في الانقلاب، إذ يقال إن فريقاً من قوات العمليات الخاصة داهم الفندق الذي يقيم فيه أردوغان قرب مارماريس، وهذا يثير المزيد من الأسئلة حول الاستعدادات المستقبلة للصراع الذي أودى بحياة المئات من أفراد قوات الأمن منذ تموز عام 2015.
اعتمد الانقلابيون على عدد من القواعد الجوية والقوات البرية لتنفيذ هجماتهم، ويبدو أن قادة الانقلاب ينتمون إلى جماعات مختلفة وليس إلى جماعة فتح الله غولن فقط، وقد تعاملت القوات التركية الحكومية بسرعة وبقسوة مع الانقلابيين من خلال القيام باعتقالات جماعية وقسرية، وتشير الأرقام إلى قيام الحكومة بجهود واسعة لإجبار الناس على النفور من البيروقراطية، وهذا سيقود إلى إلحاق الضرر بفعالية البيروقراطية؛ وبهذا تشير الأحداث الأخيرة بأن المؤسسة التركية الرئيسة مقسمة ومنكسرة، وهذا وضع من غير المرجح أن يتغيّر في المديين القريب والمتوسط.
هارون شتاين، زميل مقيم في مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر:
http://warontherocks.com/2016/07/the-coup-operation-and-turkeys-fractured-military/