وسائل الإعلام التركية وحتى المسؤولين الحكوميين يتهمون الولايات المتحدة بحياكة مؤامرة الانقلاب ضد الحكومة التركية
كلما تحصل انقلابات في تركيا ويستولي الجنرالات على السلطة، يُلقي الشعب باللوم على الولايات المتحدة، وهذا اللوم تأريخي من ستينيات القرن الماضي، فبعد محاولة الانقلاب الفاشل في (15 تموز) للعام الحالي من قبل عددٍ من الجنرالات ذوي الرتب المتوسطة وصغار الضباط، بدأ رد الفعل القديم بالظهور مرة أخرى، إذ أعلن وزير العمل التركي سليمان صويلو بأنّ الولايات المتحدة كانت وراء محاولة الإطاحة بالرئيس الإسلامي للبلاد رجب طيب أردوغان، (وأشار بشكل غامض إلى “أنشطة” مجلات أميركية لم يكشف عنها كدليل على ذلك)، أما وسائل الإعلام الموالية للحكومة فقد صبّت جُلَّ اهتمامها على نظريات المؤامرة، ففي عمود لصحفية يني شفق اليومية، قال النائب عن حزب العدالة والتنمية أيدين أونال إنَّ ضباطاً من الجيش الأمريكي قد شاركوا في القتال؛ والجدير بالذكر هنا أنّه في العقود السابقة كان يتم تجاهل مثل هكذا اتهامات، أمّا هذه المرة فهي تدخل كسبب لأزمة دبلوماسية حادة ومتصاعدة بين تركيا والولايات المتحدة.
أما ردة فعل الولايات المتحدة على تصريحات المسؤولين الأتراك فكانت قاسية على نحو غير معهود، ففي مكالمة هاتفية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو يوم (16 تموز)، قال كيري: إن التلميحات التي تَذكَر أن الولايات المتحدة قد أدت دوراً في الانقلاب “كاذبة تماماً وضارة بعلاقاتنا الثنائية”، وفي حديثه لقناة إخبارية أمريكية في اليوم التالي، حذر السيد كيري الرئيس التركي أردوغان بعدم استخدام الانقلاب كذريعة لقمع المعارضين له، وقال إنَّ التطهير الذي يقوم به أردوغان “سيكون تحدياً كبيراً لعلاقته مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي ومعنا جميعا”. إلا أن حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان لم يلتفت لنصيحة كيري، إذ تم اعتقال أكثر من (7000) شخص وآلاف القضاة والبيروقراطيين الآخرين، وتم إغلاق (11) موقعاً إخبارياً على الإنترنت؛ لارتباطه بالمعارضة، ولكن أكبر مصدر للاحتكاك مع الولايات المتحدة هو وجود (فتح الله غولن)، وهو رجل دين يقود طائفة مسلمة سرية في الولايات المتحدة وهو الذي تتهمه الحكومة التركية بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة.
منذ عام (1999) يعيش فتح الله غولن في منفى اختياري في بنسلفانيا، وعلى مدى سنوات عديدة اتهم أردوغان حليفَهُ السابق (غولن) في معركته التي كانت تسعى لنزع السلطة من الجيش بمحاولة إسقاط حكومته. وقد طالب الأتراك الولايات المتحدة بتسليم فتح الله غولن، ومع ذلك لم يتم تقديم طلب تركي رسمي إلى الآن لتسليم فتح الله غولن، إذ إن ملفه الذي يحتوي على أكثر من (1000) صفحة لم تتم ترجمته بالكامل إلى اللغة الإنكليزية حتى الآن، ويعتقد دبلوماسيون غربيون بأنه سيكون مبطناً باتهامات تآمرية غريبة، وأنّ المدعين الفيدراليين لن يأخذوا بها، وكرد على ذلك من المحتمل أن يقوم أردوغان بتكثيف خطابه المناهض للولايات المتحدة، كما حذر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بأن المطالبة “بالأدلة” قبل تسليم السيد غولن سيضع صداقة الولايات المتحدة مع تركيا في موضع شك وهذا لن يكون شيئا جديدا.
لقد تأرجحت العلاقات التركية الأمريكية في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى منذ عام (1952)، فتركيا التي أصبحت أول عضو يقطنه أغلبية مسلمة تنظم لحلف الناتو، كان يُنظر إليها في ذلك الوقت كحليف ضد الاتحاد السوفياتي، أما اليوم فيُنظر إليها على أنها منطقة عازلة بين أوروبا والشرق الأوسط، ولاسيما مع وجود جهاديين (انتحاريين) والملايين من اللاجئين السوريين على أرضها. كما إن استمرار الوصول إلى قاعدة انجرليك في تركيا يعد أمراً حيوياً لجهود الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية (داعش)، ويخشى بعض المسؤولين الغربيين من قيام تركيا بإغلاق القاعدة إذا ما رفضت الولايات المتحدة تسليم فتح الله غولن.
شهدت العلاقات التركية الأمريكية توتراً بسبب دعم الأخيره للميليشيات الكردية السورية المعروفة باسم (وحدات حماية الشعب) (YPG)التي ينظر إليها وعلى نطاق واسع بأنها القوة الأكثر فعالية في سوريا، ولكنها ترتبط ارتباطا وثيقا بحزب العمال الكردستاني (PKK) -وهو حزب محظور يقاتل الدولة التركية منذ عقود- سعيا للحصول على الحكم الذاتي الكردي، وهذا الحزب مسؤول عن تنفيذ العديد من الهجمات في تركيا التي تعده منظمة إرهابية، وطلبت تركيا من الولايات المتحدة -مرارًا- عدم تقديم الدعم لهذا الحزب، إلا أن الأخيرة تتجاهلهم في كل مرة.
من وجهة النظر الأمريكية، لم تكن تركيا ملتزمة بشكل كامل في الحرب ضد الجماعات الإسلامية في سوريا، فعلى مدى سنوات ضغط الأميركيون على تركيا؛ لكي تبذل المزيد من الجهد لمنع المقاتلين من العبور من وإلى سوريا للانضمام إلى (أو القيام بمهام لـ للدولة الإسلامية – داعش)، وغيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى، ومن مصلحة تركيا نفسها القيام بذلك، إذ قامت الدولة الإسلامية (داعش) بشن عدة هجمات إرهابية كبيرة داخل تركيا، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية في مطار أتاتورك في حزيران الماضي في اسطنبول.
إن موقف الولايات المتحدة العنيف من تركيا لا يمكن إخفاؤه، فوزير الدفاع الامريكي أشتون كارتر بيَّن مراراً وتكراراً نفوره من الرئيس التركي أردوغان، كما أنّ الأصوات التي تدعو إلى استبدال قاعدة أنجرليك بقاعدة في أماكن أخرى في المنطقة تزداد علوًّا في الكونغرس الأمريكي، في الوقت الذي قد يهدد فيه فتح الله غولن الاستقرار التركي، وعلى الرغم من كل ما تم ذكره إلّا أنّ ذلك لا يُعدُّ شيئًا مقارنة مع التهديد الذي يشكله (الإرهابيون) داخل البلاد وخارجها على حدٍ سواء؛ وعليه فإن من مصلحة تركيا تكوين صداقة جادة مع الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، إلاّ أن الرئيس التركيا رجب طيب أردوغان وفي نوبة من جنون العظمة – ولاسيما بعد الانقلاب – يعرض هذه الصداقة بأكملها للخطر.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر: